منوعات

أنيس النقاش “طود” المقاومة العالمية… تنفّس عشق فلسطين وكتمت أنفاسه كورونا

آمن بالمقاومة وعشِق فلسطين وناصر المحرومين من لبنان إلى كوبا

منذ أن كان في المدرسة الثانويّة حتى خطفت جائحة كورونا أنفاسه لم يتوقّف المناضل والباحث أنيس النقاش تنّفسه حب فلسطين. كانت روحه تلهج بعشق تحريرها وعقله يعمل في فتح الدروب إليها. ظل حتى يومه الأخير في هذه الدنيا متمسكًا بحتمية الانتصار والصلاة في المسجد الأقصى، بقناعة يقينية لديه، وقد عبّر عن اطمئنان رؤيته لهذا الحلم في كلّ طلّاته ويومياته.

النقاش، المدافع الشرس عن قضايا الأمّة العربية وعن الإنسانية جمعاء، صاحب العقل الاستراتيجي، خسر معركته في الصراع مع كاتم الأنفاس، هو الذي لم يخسر صراعًا مع المخابرات العالمية.

 

تأثر بعمّه “زكي النقاش”

في دمشق العاصمة الأحب إلى قلبه غاب المفكر والمحلّل السياسي اللّبناني، في مستشفى “هشام سنان”، بالعاصمة السورية دمشق، عن عمر ناهز الـ 70 عاما، إثر إصابته بفيروس كورونا.

أنيس محمد خير النقاش من مواليد بيروت 1951. وكان قد أولى اهتمامًا وثيقًا بالقضايا الوطنية والعرقية وتأثر بعمّه “زكي النقاش” الذي كان معلمًا.

وتعلّم في المدرسة التي كانت “مدرسة للعلوم وقاعدة للنضال” تعاليم الأهداف الإسلامية وشارك في الإضراب الشهير ضد العدو الصهيوني في مطار بيروت عام 1968.

خلال هذه الفترة انضم إلى التنظيم الطلابي لحركة فتح وخضع لتدريبات عسكرية. ثمّ عيّن رئيسًا للخلايا السريّة التي أقيمت في القرى الحدودية اللّبنانية الإسرائيلية وشارك في “الجبهة الفلسطينية” التي فتحت في منطقة العرقوب إبان حرب تشرين الأوّل 1973.

النقاش رائد  في مجال المقاومة على مرّ السنين

ولد أنيس النقاش في بيروت عام 1951، والتحق بصفوف حركة فتح عام 1968، وتسلّم فيها عدّة مناصب، كما انضم إلى العمل الطلابي والعمل التنظيمي اللّبناني.

سجن نقاش لمدّة عشر سنوات في فرنسا، بعد محاولة اغتيال رئيس الوزراء الإيراني الأسبق شابور بختيار في باريس، وأفرج عنه عام 1990.

وكان النقاش رائدًا إعلاميًا في مجال المقاومة على مرّ السنين، وهو معروف بأنّه من أنصار محور المقاومة وناقد قوي للأنظمة العربية الموالية للغرب. عمل على رصد التحولات في العالم وعلى ترشيد مشروع المقاومة كمحلّل سياسي، وكان منسقًا لشبكة الأمان للبحوث والدراسات الاستراتيجية.

ظل النقاش ثابتًا كالطود في مواقفه، كما نعاه نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى في لبنان الشيخ علي الخطيب الذي قال “لقد خسرتك ساحة الحق والنضال وأنت على مشارف تحقيقها نصرًا”. وتابع “كنت ثابتًا كالطود في نصرة قضايا الأمّة العادلة وعلى رأسها قضية فلسطين وفي مواجهة قوى الانحراف والاستعمار وأدواتها من التحريفيين والمرجفين الممهدين والمبرّرين للإرهابيين وارهابهم الذين باعوا قضايا ومقدسات أمتهم بثلاثين من الفضة”.

لم يساوم النقاش على قضايا الحق وناصره دون خوف من ترهيب الأنظمة وأجهزتها، رفع الصوت عاليًا في معارك الإنسانية مع الطغاة من كوبا إلى فنزويلا والبحرين والعراق واليمن ولبنان وسوريا وفلسطين وتونس وليبيا والجزائر. كان صوته حاضرًا في ميادين النزال باتجاه الحق.

 

كالطود في مواقفه

النقاش كان يومًا في مرحلة السبعينات بمثابة الذراع اليمنى للمناضل الأممي كارلوس، الذي يصنّفه العالم الغربي “بالإرهابي اليساري الدولي” لحقبة السبعينيات والثمانينيات.

مع الفنزويلي كارلوس (إليتش راميريز سانشيز)، شارك النقاش في عام 1975 في عملية احتجاز رهائن وزراء مجموعة “أوبك” في فيينا، وبينهم الوزيران السعودي والإيراني، والتي خطّطت لها مجموعة “أيلول الأسود” الفلسطينية المسؤولة كذلك عن احتجاز رياضيين إسرائيليين في ميونخ عام 1972.

خلال عملية وزراء أوبك، قتل كارلوس والنقاش ورفاقهما ثلاثة أشخاص قبل أن يأخذوا 70 رهينة بينهم 11 وزيرًا وينطلقوا جميعًا بطائرة واجهت مصاعب عديدة قبل أن تحط أخيرًا في الجزائر ويطلق سراح الجميع.

في كتاب الباحث الفلسطيني صقر أبو فخر الأخير عن أنيس النقاش ومرحلة انطلاقة العمل الفدائي الفلسطيني عنون “أنيس النقاش.. أسرار خلف الأستار”.

كشف أبو فخر أنّ اسم النقاش في عملية فيينا كان “خالد”. وقال عنه كارلوس شريكه في عملية فيينا إنّه “من الكوادر السياسية والعسكرية التي لا تضاهى… كان بطلًا حقيقيًا”.

 

وكتب أن أنيس النقاش لم يتسلّم “أي موقع أمني في حركة فتح لكنّه ساهم في كثير من العمليات الخاصة مع القائد في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وديع حداد وأسماء أخرى، برزت في تلك الحقبة منها الشاعر السوري كمال خير بك “قدموس” واللّبنانيان فؤاد عوض وميشيل مكربل وآخرون.

أثره في هذه الساحات لم يذهب في هباء النسيان، هذا ما ظهر من الرثاء العربي والدولي من قوى المقاومة المنتشرة في بقاع “المعاناة”. كل هذا النعي العميق لخسارة هذه الشخصية الاستثنائية التي أتى غرسها في تاريخ لبنان والعرب فكرًا وعقلًا وفي ميادين الانتصارات على الأعداء.

أيقن النقاش أنّ هزيمة الكيان الصهيوني آتية لا محالة وقبل أيام من الغياب كتب مقالًا في صحيفة “الأخبار” قال فيها “كان بن غوريون يحلم بمحاصرة الأمّة العربية ببعض الدول، فإذا بدولته وكيانه محاصران من محور مقاوم شديد البأس، ينتقل من نصر إلى نصر ويعزّز قدراته ويفاقم من إمكاناته ونطاق وجوده وانتشاره، ولذلك نستطيع القول اليوم، إن ما خطّط له قد ذهب هباء منثورًا، وإن آخر منتجات الغدر والخيانة المتمثّل “بحلف الأسرلة” لن يكون مصيره أفضل مما كانت مصائر حروبه المتعاقبة واعتداءاته الغادرة”.

وختم مقالته “ما هو مكتوب في الأفق اليقينيّ اليوم بالقول “إنّ النصر على الكيان الصهيوني وتحرير فلسطين سيكون نصرًا على الإمبريالية وعلى الرجعية العربية في آن معًا”.

لا يمكن اختزال حياة الرجل، الذي كشف الكثير من أسرارها وأبقى على أخرى طيّ الكتمان، في مقالة لكن أفضل ما يمكن اختصار حياته كما يحب، وكما جاء في المقدمة، التي كتبها صقر أبو فخر أنّ “النقاش خلال مهماته الأمنية الكثيرة كانت بوصلته تتجه دوما إلى فلسطين فهو أولًا وأخيرًا مناضل في سبيل تحرير فلسطين…”.

 

رانيا برو

أحوال

موقع أخباري يصدر عن شركة مدنية غير ربحية في بيروت، يقدم من خلال مساحة رقمية حرة وعصرية أخبارًا سريعة، عظيمة الثقة، لافتةً للنظر، ثريةً، وتفسيرًا للاتجاهات الحالية والمستقبلية، التي تؤثر في أحوال الناس.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى