سياسة

بنود المبادرة الفرنسية لم تعد صالحة: مزّقها يا سعد

الفرزلي لـ"أحوال": ثمة حراك في الداخل والخارج قد تنقشع بشائره في لحظة مؤاتية

الانفراجات التي تترقبها المنطقة بشكل عام بعد تسلّم الإدارة الأميركية الجديدة دبلوماسية الحوار والاتفاقات، لم تُحَل على لبنان بعد. ويبدو أن “شباط اللّباط” لبنانيًا سيكون توصيفًا مناسبًا في زمن ينقلب كل شيء على عقبه. لا شيء تغيّر في الواقع اللّبناني لكن التغيير قادم عبر البحار من فرنسا، التي لم يعد بيدها حيلة سوى التخلّي عن شروطها في التشكيل الحكومي. فهل تفعل وتقولها للرئيس المكلّف مزّقها يا سعد؟.

فرنسا التي تدرك جيداّ أن العُقَد اللّبنانية هي أكبر المشاكل التي تواجه تشكيل الحكومة وتتقدّم على أية عراقيل خارجية ولا تؤثر في جوهرها التحوّلات الخارجية، يبدو أنّها ستتنازل عن بنود مبادرتها لفتح كوّة في الأفق المسدود وإزالة العراقيل والإشكاليات التي اعترضت تشكيل الحكومة. وبالتالي لم يعُد أمام باريس سوى التخلّي عن شروط “الاختصاص” و”الحياد” في مواصفات الوزراء.

هكذا تمامًا، الصيغة الفرنسية، التي أعقبت محنة 4 آب لم تعد صالحة، ومبتكرها الرئيس الفرنسي بذاته لم يعد متمسكًا بها ولا مقتنعًا بجدواها مع وجود التركيبة اللّبنانية المعقّدة من الطوائف والأحزاب والملل.

مصادر مطّلعة على اتجاهات الكواليس الفرنسية بما يخص لبنان، ترى أنّه على من يرفع لواء المبادرة ويلوّح بها يمنةً ويسرةً سيضطر إلى تمزيقها ونثرها في الهواء والابتعاد عن استخدامها كمستمسك في وجه الخصوم، ولا بناء جدار أمام أي نقاش حول الحكومة بالاحتكام إلى أنّها أمر منزّل لا يجب المسّ به.

وبناءً عليه سيكون من المفيد أن يبدأ الرئيس المكلّف سعد الحريري بالتنازل عن قراره القاطع بمحاورة الكتل النيابية. وسيجد نفسه ملزمًا وبقرار فرنسي على تمزيق ورقة التشكيلة الوزارية، التي وضعها أمام رئيس الجمهورية ومشى.

الرئيس الفرنسي لم يعد متمسكًا بصيغة المبادرة الفرنسية ولا مقتنعًا بجدواها

تشكيلة من 18 وزيرًا يعتبرهم الحريري من “الصفوة” وضعهم أمام رئيس الجمهورية مع سيرهم الذاتيةـ وأدار ظهره متذرِّعًا بأنّها، أي التشكيلة، هي التجسيد الفعلي للمبادرة الفرنسية. لكنّ اليوم وبعد نحو شهرين سيتعيّن على الرئيس المكلّف رمي ورقته والعمل على أخرى توازن ما بين الاختصاص والسياسة التي لا مهرب منها في بلد معقّد كلبنان، بحسب مصادر مطّلعة.

ومن المتوقع أن يحمل الزائر الباريسي، في رحلته المقبلة إلى لبنان، ما مفاده أنّ الصيغة التي سبق وقُدِّمت لم تعد صالحة ويجب تغييرها بالشكل والمضمون والنوعية.

ويأخذ الإليزيه بعين الاعتبار التطورات السلبية لتدهور العلاقة الشخصية بين الرئيسين ميشال عون وسعد الحريري. وأنَّ الكباش حول التسميات بين فريقي الرئيسين لن تنتهي إلّا بالتراجع عن صيغة المستقلّين والاختصاصيين، بحسب ما ينقله الوسطاء بين المسؤولين اللّبنانيين وخلية الأزمة اللّبنانية داخل قصر الإليزيه.

الجهود الفرنسية التي بدأت منذ الصيف الماضي بعد جريمة تفجير المرفأ نالت أخيرًا الغطاء الأميركي بعد أن انزاح كابوس ترامب صانع الأزمات مع الإليزيه كما مع أميركا نفسها والعالم.

وبعد اتصال بايدن ماكرون، فإن مسحة من القبول بالدور الفرنسي للملمة الوضع في لبنان قد انطلقت رسميًا، ينقصها محفز آخر وهو التواصل بين واشنطن وطهران ليكتمل التشجيع الفرنسي على الغوص في المسألة اللّبنانية.

 تشكيلة الحريري تسقُط، صيغة رئيس مجلس النواب نبيه بري تتقدّم في المواصفات الحكومية!

لا حكومة مصغّرة ولا مستقلّين وتكنوقراط ولا مداورة ولا من يحزنون. بل اختصاصيين تُسميهم الكتل النيابية على قاعدة “مَن ليس ضدنا” و”مَن ليس معنا” ووفق معيار الكفاءة فقط لا غير.

هذا الحل لآلية التأليف قد يخلق بابًا للخروج من نفق انعدام الأفق. ومن المرجّح أن يطرح الرئيس الفرنسي حلًّا من هذا النوع للخروج من الأزمة في لبنان والبدر بإيجاد الحلول لأزمات الاقتصاد والمال.

مع معطيات التغيير الفرنسي تبقى الحاجة إلى وضع مقاربة جديدة لخلق ديناميكية جديدة العلاقة المعقّدة بين الرؤساء، وثمّة مساعي لترميم الثقة لأنّه لم يعد مقبولًا حال المراوحة في ظل حكومة تصريف أعمال وتعطيل عمل المؤسسات.

بالتزامن مع الحراك الفرنسي وطرح بري، لاحَ دخول أطراف خارجية عربية ودولية على خط الأزمة اللّبنانية منذ أسبوع، بحيث نشطت الاتصالات وتعدّدت اللّقاءات منها المعلن ومنها غير المعلن. ومن الدول التي دخلت على الخط دولة مصر التي يقوم سفيرها بعدة لقاءات مع مرجعيات من مختلف الطوائف والاتجاهات، قبل أن تبادر باتجاه دول عربية أخرى لحلّ أزمة لبنان ومنها ربّما الإمارات العربية المتحدة.

وفيما كان في جعبة المدير العام للأمن العام عبّاس ابراهيم ملف الموقوفين في الإمارات، الذي استطاع حلّ جزء منها، اعتبرت مصادر مطّلعة إلى أنّ الخطوة الإماراتية بحل هذه الأزمة قد تكون مؤشرًا للعمل على ترتيب المناخ السياسي مع لبنان وأيضًا تسهيل لملمة المشهد السياسي.

وبالتوازي مع حركته الخارجية، يستمر اللّواء عباس ابراهيم في جولاته الدائرية بين البيوت السياسية اللّبنانية لإيجاد الخروج الآمن للتشكيلة الوزارية. وهو أشار في حديث إعلامي ليل الإثنين إلى أنّه يبحث عن قواسم مشتركة بين الفرقاء ويحاول إيجاد حلول للخروج من الأزمة الحكومية، معتبرًا أنّه يحق لرئيس التيار الوطني الحرّ النائب جبران باسيل التدخل في التأليف فهو رئيس أكبر كتلة نيابية، فيما أشار إلى أنّ حزب الله لا يعرقل التأليف.

الفرزلي متفائل: ثمة حراك في الداخل والخارج قد تنقشع بشائر ثماره في لحظة مؤاتية

وعلى خط اتصالات نائب رئيس المجلس الذي “لم ييأس” بحسب بيانه، يصر النائب إيلي الفرزلي على تفاؤله ويُشيع عن حدوث خرق في الأجواء، وأنّ النتائج على رصيف الانتظار.

ويصرّ في دردشة مع “أحوال” أنّ ثمة حراك في الداخل والخارج قد تنقشع بشائر ثماره في لحظة مؤاتية!. ويبني الفرزلي تفاؤله على الاتصالات الإيجابية بين ​باريس وواشنطن وطهران وواشنطن وأيضًا بعض دول الخليج.

إذن، التغيير قادم وتلمّسه في لبنان يبدأ عبر البحث بصيغة جديدة للتأليف الوزاري، في وقت أيقن الجميع أنّ تشكيلة الرئيس سعد الحريري لم تعد صالحة ولن تمرّ وعليه المباشرة بنفس جديد، لأنّ التحوّلات لا ترحم أحدًا، وأحوال عيش اللّبنانيين لم تعد ترحم أحدًا وحرارة شباط تحرق الجميع بالسياسة والاقتصاد.. والأمن.

 

رانيا برو

رانيا برو

صحافية وكاتبة لبنانية. عملت في مؤسسات اعلامية لبنانية وعربية مكتوبة ومرئية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى