مجتمع

التراخي في إحقاق العدالة يضاعف الجرائم.. “زينة كنجو” لن تكون “الضحية” الأخيرة!

“زينة كنجو”، اسم جديد يُضاف إلى لائحة المغدورات قتلًا، على أيدي “ذكور” يمتلكون امتيازات اجتماعيّة وقانونيّة، تسمح لهم بممارسة جميع أشكال الاستغلال والتسلّط ضد النساء، لمجرّد اختلاف “الجندر”.

قضيّة الضحيّة كنجو هزّت الرأي العام في اليومين الماضيين، خصوصًا بعد أن عُلم أن معاناتها مع زوجها ليست بجديدة،إنما هي سبق وتقدّمت بإخبار ضدّه أمام الجهات المختصة، في حين لم تحرّك الأخيرة ساكنًا.

وكيل الضحيّة “زينة كنجو”، المحامي أشرف الموسوي، أكّد في حديث لـ”أحوال” أن المغدورة كانت قد ادّعت على زوجها “إبراهيم غزال”، قبل أسبوعين، أمام مفرزة بيروت القضائيّة بتهمة الاعتداء عليها والضرب، وكذلك سرقة سيارتها وأوراقها الثبوتيّة والسفر خارج لبنان، وأضاف: “ولكن بعد توكيلي بمتابعة الدعوى، قرّر زوجها العودة إلى بيروت في 28 كانون الثاني الفائت، فاتّصلت بي كنجو يوم الجمعة 28 كانون الثاني، لتخبرني أنها قرّرت إعطاء زوجها فرصة، وأكّدت أنّه سيرجع ما سرقه منها”، لافتًا في حديثه لموقعنا، إلى أن زوجها -المدعى عليه- كان بجانب المغدورة عند اتصالها بالمحامي، “لنعلم بعد ذلك أنّها قُتلت خنقًا، صباح اليوم التالي، السبت 30 كانون الثاني، في منزلهما بمنطقة عين المريسة”، بحسب الموسوي.

من هنا، قال الموسوي لـ”أحوال”، إنَّ آخر ما توصّلت إليه التحقيقات هو أنَّ المشتبه به -زوج الضحيّة- وبعد تنفيذه الجريمة، قطع تذكرة سفر “أونلاين” من بيروت إلى اسطنبول، “لذا نطالب السلطات اللبنانيّة بإبلاغ السلطات التركيّة والتعاون للقبض عليه في أسرع وقت ممكن”، يقول الموسوي.

من جهة أخرى، فإن اللافت في الأمر أن هذه القضيّة ليست استثنائيّة أو تحصل للمرة الأولى، ولكن تكرارها بات يضفي عليها “صبغة تبريريّة” تسمح للمشتبه به باستخدام ذرائع تبرّر العنف والابتزاز والقتل؛ وقد حصل “أحوال” على تسجيل لاتصال بين “ابراهيم غزال” -المشتبه به- وشقيقة الضحية “ربى كنجو”، حيث قال غزال في سياق الحديث إنّه وضع يده على فم زوجته لكنّه لم يقتلها، ملمّحًا بالمقابل إلى أن زوجته كانت تعمل في أماكن غير أخلاقيّة، ما جعله يقدم على فعلته تلك.

الناشطة النسويّة والصحافية حياة مرشاد، قالت لـ”أحوال” إنَّ “هذه الجريمة ليست الأولى من نوعها “ولن تكون الأخيرة”، وذلك يعود لكيفيّة تعامل كلّ من المجتمع والقانون مع قضايا العنف ضد النساء، فـ”زينة” قُتلت بدم بارد كسابقاتها رولا ومنال ورقيّة وغيرهنّ الكثيرات من النساء، اللواتي لم يحصلن على العدالة ولا يزال مرتكبو الجرئم بحقّهنّ أحرارًا”، مضيفة: “المطلب الأساسي هو الإسراع في التحقيق والتشدّد في العقوبة، لتكون هذه القضيّة رادعًا يمنع استسهال قتل النساء أو القبول بأي من الذرائع والحجج، مثل “ثورة الغضب” أو ما يسمّى بـ”جريمة الشرف”، فالنساء هنّ ضحايا لنظام أبويّ ذكوري يجعلهنّ أقل مرتبة في الحقوق سواء من ناحية العادات والتقاليد وقوانين المحاكم الدينيّة وقوانين الأحوال الشخصيّة، أو حتى في القوانين المدنية مثل حق إعطاء الجنسيّة”.

وفي سياق الحديث عن القوانين التي تحمي النساء، أكّدت مرشاد لموقعنا أنَّ تلك القوانين مليئة بالثغرات التي طالبت الجمعيّات النسويّة بتعديلها مرارًا، لكنّ السلطات المعنيّة لم تستجب، مشددة على أن الحماية لن تتحقّق إلا عبر تغيير الثقافة المنتشرة حول هذه القضايا لدى الرأي العام، والتعامل مع جرائم العنف بجديّة من خلال إقرار التعديلات اللازمة ومحاكمة القتلة وتشديد العقوبات.

بدورها، أثارت المحاميّة والناشطة الحقوقية، فداء عبد الفتّاح، مشكلة تواجه معظم المحامين، وقالت في حديث لـ”أحوال”: “نصادف قضاة نبذل أمامهم جهدًا جبّارًا لإقناعهم بوجود عنف اقتصادي أو نفسي أو مادّي أو جسدي ضد إحدى الزوجات، وقد يكون هذا العنف خطيرًا حد الموت، لكن للأسف يكون جهدنا دون جدوى في الكثير من الأحيان، حيث تتفاوت درجة الأهمية بين قضية وأخرى لدى بعض القضاة، حيث يسارع بعضهم للعمل وحل قضايا معينة واتخاذ الاجراءات المناسبة، مقابل إهمال قضايا أخرى أكثر جدية”، مشددة على ضرورة وجود قضاة يدركون أشكال العنف ضد النساء، فـ”نحن نفتقد قضاة متخصّصة في هذا النوع من القضايا، ونحتاج كذلك إلى نيابات عامّة متخصّصة في قضايا الأحوال الشخصيّة، وعلى رأسها قضايا العنف، لاتخاذ الاجراءات اللازمة وتأمين الحماية”، بحسب قولها، “بالإضافة إلى أهمية نشر الوعي عند النساء والرجال حول أنواع العنف وأشكاله، فالعنف المعنوي أو الاقتصادي مثلًا لا يقلّان قسوة عن العنف الجسدي”.

أمّا عن دور الجمعيّات في نشر هذه التوعية، فقالت الناشطة النسويّة فرح أبي مرشد ملاعب لـ”أحوال” إنه من الطبيعي ألّا يتم تطبيق القانون أو إعطاء المجرم أحكامًا تخفيفيّة، في مجتمع ذكوريّ قاسٍ، خصوصًا في ظلّ وجود قضاء متحيّز وغياب قانون يحمي النساء، بالإضافة إلى غياب التوعية التربويّة ضد العنف وأشكاله، وكذلك قلّة ورشات العمل من قبل بعض الجمعيّات التي تكتفي بتقديم الاستشارة، مضيفة: “لذا، على هذه الجمعيّات أن تستثمر مواردها الماليّة بشكل حقيقي، وأن تعمل قدر الإمكان لنشر الوعي وحماية النساء”، خاتمة حديثها لموقعنا بالقول إن “الجرائم ستتكرّر طالما أنّ سؤال “لماذا” لا يزال يتردّد على مسامعنا عند كل موقف تتعرّض فيه أنثى للتعنيف، وكأنّ المبرّر يشرّع الجرائم”.

تيمة حطيط

تيمة حطيط

كاتبة وصحافيّة لبنانيّة، عملت كمعدّة ومقدّمة برامج ومراسلة في العديد من الفضائيّات العربيّة. ناشطة في مجال الدفاع عن حقوق المهمّشين، وحقوق المرأة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى