منوعات

هل يسبّب جو بايدن صداعاً لفلاديمير بوتين؟

في أفضل الأحوال، تتأطّر العلاقات بين روسيا والولايات المتحدة الأميركية في “كادر” التحدي والمنافسة؛ فيما اليوم تُعتبر علاقة  البلدين هي الأسوأ منذ عام 1985. ولعبت المحاور دورها في تأجيج الصراع، كالدعم  الروسي للرئيس السوري بشار الأسد، ونيكولاس مادورو في فنزويلا. وتنظر واشنطن اليوم إلى موسكو كقضية “سامة”، لناحية اتهامها بالتدخل في الانتخابات الرئاسية الأميركية لعام 2016، ومحاولاتها المستمرة للتأثير على الحملة الانتخابية لعام 2020.

وبعيداً عن تحميل دونالد ترامب وحده مسؤولية اضطراب العلاقات الخارجية الأميركية، فقد تولّى الرئيس الأميركي السابق منصبه عام 2016 وهو مصمم على تحسين العلاقات مع روسيا، ولم يكن وحده من أطاح بالعلاقات، إذ بقية الفرع التنفيذي والكونغرس الأميركي انتهجوا سياسات صارمة تجاه روسيا، وفرضوا مجموعة من العقوبات وطردوا الدبلوماسيين. وأعلنت استراتيجية الأمن القومي للولايات المتحدة أنّ روسيا والصين هما أكبر تهديدين للأمن القومي للولايات المتحدة.

إذن، كيف ستكون العلاقات بين الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الروسي فلاديمير بوتين؟ وكيف يصفها المحلّلون؟

بين بايدن وبوتين

الجدير ذكره أنّ معظم أعضاء حكومة بايدن هم من قدامى المحاربين السياسيين، وكثيرون منهم خدموا سابقًا في إدارة باراك أوباما. هم، مثل بايدن، لديهم خبرة في التعامل مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

ولقد لاحظ بوتين نفسه بالفعل الخطاب الحاد المعادي لروسيا للرئيس الأميركي جو بايدن. ففي الفترة التي سبقت الانتخابات، وصف بايدن روسيا بأنّها “الخصم” والدولة التي تشكّل “أكبر تهديد” لأمن أميركا.

إذن، كيف ستزداد صعوبة العلاقات مع موسكو في عهد بايدن؟

يقرأ محلّلون أنّ السياسة الأميركية تجاه روسيا لن تصبح أكثر صرامة فحسب، بل ستتضمن تماسكًا أميركياً عصيّ الاختراق. والأهم من ذلك أيضًا، أنّ السياسة الروسية لا تحظى على إجماع من الكونغرس، ومن المتوقع أن تجد موسكو القليل من الأصدقاء بين الجمهوريين أو الديمقراطيين.

من هنا، نختصر وجهة نظر المحلّلين الأميركيين في نقطتين:

أولاً ، يدعم جو بايدن تحالفًا قويًا للناتو، وسيتخذ خطوات مبكرة لطمأنة وإصلاح العلاقات مع حلفائه الأوروبيين، وخاصة ألمانيا وفرنسا. وهذا يوفّر احتمالية قيام تحالف ناتو متجدد وأكثر تماسكًا – سياسيًا وعسكريًا؛ حيث يفضّل بايدن تعزيز قدرات الناتو لمواجهة التهديدات الأمنية العسكرية التقليدية والمختلطة الجديدة.

هذا لا يعني أنّه لن يكون هناك خلاف بين واشنطن وشركائها الأوروبيين بشأن روسيا؛ إذ تحت حكم بايدن، ستواصل الولايات المتحدة الأميركية الضغط على حلفائها الأوروبيين في الناتو لدفع المزيد للدفاع عن أنفسهم. حيث يعارض بايدن خط أنابيب الغاز Nordstream 2، والذي قد يكون مشكلة للعلاقات مع ألمانيا أنجيلا ميركل. كما أنّ سياسة روسيا الأكثر تشددًا من جانب واشنطن، قد تزعج الشركاء الأوروبيين الذين يميلون إلى التوفيق مع روسيا، لأسباب ليس أقلها اقتصادية. ومع ذلك، في حين أنّ الخلافات عبر الأطلسي ستستمر حتمًا، فإنّ بايدن سيتعامل مع قضايا إدارة التحالف بطريقة أكثر منطقية واحترامًا من سلفه ترامب.

ثانيًا، يلتزم بايدن بتجديد القيادة الأميركية المتعددة الأطراف، والتعاون مع الشركاء لدعم القيم الديمقراطية المشتركة وحقوق الإنسان. لقد تعهد بفرض “تكاليف حقيقية” على ما سمّاه  “انتهاك روسيا للمعايير الدولية”، ولا سيّما التنبيه إلى المزيد من الدعم الأميركي القاطع لأوكرانيا. ومن المرجّح أن تلقى التحركات في الكونغرس لتشديد العقوبات على روسيا دعمًا قويًا من البيت الأبيض.

لذا، سوف تتخذ الإدارة الجديدة خطاً قوياً تجاه بيلاروسيا، وتتحدّى ما تسميه أميركا “القمع العنيف الذي يمارسه نظام لوكاشينكو المدعوم من موسكو للمعارضة السياسية وحقوق الإنسان”.

كما أعرب بايدن عن دعمه للمجتمع المدني الروسي المحاصر، محتجًا على ما وصفه بـ “النظام الاستبدادي الكليبتوقراطي” لبوتين.

على الصعيد العالمي، سيرغب بايدن  أيضاً في أن تكون أميركا أكثر وضوحًا وانخراطًا دبلوماسيًا، مما يضيق مساحة المناورة التي تمتعت بها روسيا خلال عهد ترامب، سواءً في أفريقيا، الشرق الأوسط، وأميركا اللاتينية.

ورأى محلّلون أميركيون أنّ كل هذا “سيفزع الكرملين”، الذي استفاد من حالة عدم اليقين والخلافات الناجمة عن عداء ترامب لحلفاء الولايات المتحدة، وازدرائه للمعايير والقيم الدولية وانخراطه الدولي غير المنتظم.

لذا، يتوقع الكرملين، وسيتجاهل، خطابات بايدن القاسية. وسيكون أكثر قلقاً إلى أي مدى يُترجم هذا إلى عمل ضد روسيا؛ فيما المزيد من الدعم الملموس من الولايات المتحدة لكييف والحركات الديمقراطية حول محيط روسيا سيثير قلق موسكو، مما يؤجج انعدام الأمن الكامن في الكرملين، خائفًا من التلوث المحتمل في الداخل من “الثورات الملّونة” في جوارها.

رغم كل ذلك، يجد الكرملين أنّ إدارة بايدن هي تغيير مرحب به.

ترحيب روسي بإدارة بايدن

في المقابل، كشف مطّلعون على الملف الروسي_ الأميركي أنّه من المرجح أن ترحّب موسكو بإمكانية التنبؤ والاتساق الأكبر التي يُتوقع أن تحققها إدارة بايدن الأكثر تقليدية. حتى في خضم الحرب الباردة، كانت موسكو قادرة على التفاوض بشأن صفقات الحد من التسلّح مع إدارة ريغان المناهضة للسوفيات، لأنّها على الأقل كانت تعرف “من أين تأتي واشنطن”.

بالإضافة إلى ذلك، فقد تنبأ بايدن بأنّه في تعامله مع روسيا سوف يوازن بين المواجهة والالتزام: “انتظر بشدة ولكن استمر في الحديث”.  وهذا يشير إلى نهج قوي وواضح، تكون فيه واشنطن منفتحة على الحوار والتعاون مع روسيا، عند الضرورة. وسيكون من مصلحة المجتمع الدولي الأوسع أن تقوم واشنطن وموسكو بتطوير علاقة عمل أكثر فاعلية.

تحديد الأسلحة هو حالة ملّحة في هذا الصدد؛ ومن المقرّر أن تنتهي اتفاقية “ستارت” الثنائية الجديدة في أوائل فبراير / شباط، ومعها أيّ قيود متبقية على الأسلحة النووية الاستراتيجية. ويتوقع متابعون أن يتواصل بايدن بسرعة مع موسكو الساعية للتفاوض على تمديد مؤقت للاتفاقية على الأقل.

قد يكون هناك أيضًا مجال للتعاون مع روسيا في مجالات مثل تغير المناخ، والقضايا النووية الإيرانية، والتعافي من الوباء ومكافحة الإرهاب.

قد لا تفقد العلاقة الروسية الأميركية برودتها تحت حكم بايدن، لكن لا يستبعد محلّلون فرضية تعاون بين واشنطن وموسكو في إيجاد طرق لممارسة الأعمال التجارية مع بعضهما البعض بشكل عملي، حيث يرون أنّه من المناسب القيام بذلك.

تنازع القوتين العظيمتين

تتنازع القوتان النوويتان العظيمتان، روسيا وأميركا، فيما تتحمّلان مسؤولية كبرى في ما يحصل حولهما، لا سيّما في القضايا الساخنة. وهنا، يتفق خبراء السياسة على أنّ الحكومة الروسية يجب أن تلعب دورًا مع أميركا في الاستجابة للأزمات العالمية الكبرى، سيّما في ما يتعلّق “بطموحات إيران النووية”، إلى وقف الحرب القصيرة والدموية بين أرمينيا وأذربيجان.

وهذا يعني، بنظر الخبراء الأميركيين، أنّ على إدارة بايدن أن تتعامل مع بوتين من أجل معالجة مجموعة من قضايا السياسة الخارجية، لا سيّما العودة المقترحة إلى الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015، إذ روسيا طرف في الاتفاق الذي تخلى عنه ترامب في 2018.

حتى بعض أكثر منتقدي بوتين في الولايات المتحدة – مثل مايكل ماكفول، سفير الولايات المتحدة السابق لدى روسيا – يعترفون بأنّ الولايات المتحدة يجب أن تشرك روسيا بشكل انتقائي في القضايا العالمية الملّحة مثل الاستجابة للوباء وتغير المناخ، ومكافحة الإرهاب، وإدارة القطب الشمالي، ومكافحة كوفيد_19.

وأشارت الـ CNN في هذا الإطار، أنّ لا يتوقع أحد من إدارة بايدن أن توصّف العلاقات السياسة بين البلدين بأنّها “إعادة ضبط”- فهذه كلمة “قذرة” في واشنطن عندما يتعلق الأمر بسياسة روسيا.  وعادت الشبكة إلى عام 2009، حين أعطت وزيرة الخارجية آنذاك هيلاري كلينتون وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف زر “إعادة ضبط” كجزء من محاولة لإعادة تنشيط العلاقات مع روسيا، حيث سقطت “الهدية” مثل بالون الرصاص؛ وتمت ترجمة الزر بشكل خاطئ ليصبح “حملاً زائداً على واشنطن”.

وسارت الأمور من سيء إلى أسوأ؛ بعد أن شاب الانتخابات البرلمانية الروسية في عام 2011 مزاعم عن حدوث تزوير واسع النطاق، ألقى بوتين حينها باللوم على كلينتون في الترويج لـ “التدخل الأجنبي” في روسيا، حيث خرج المتظاهرون إلى الشوارع.

لطيفة الحسنية

 

لطيفة الحسنية

صحافية متخصصة في الإعلام الرقمي. أطلقت حملة لمكافحة الإبتزاز الالكتروني عام 2019، تناولت تدريب الضحايا على كيفية التخلّص ومواجهة جرم الابتزاز تضمنت 300 حالة حتى تموز 2020. عملت كمسؤولة إعلامية في منظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى