هل يعيد بايدن التحالف الأوروبي بعد أن دمّره ترامب؟
يعيش دبلوماسيون أميركيون وأوروبيون في حالة قلق من إمكانية إعادة الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن، أهم تحالف أميركي مع أوروبا إلى المسار الصحيح، بعد أن دمّره ترامب. وكتبت الـ CNN في هذا الإطار، أنّ رئاسة دونالد ترامب تركت ما يشبه الرائحة الكريهة في أوروبا لسنوات مضت؛ إذ كان الأوروبيون يسيرون على حبل مشدود، في محاولة لتحقيق التوازن بين الإدانة الصريحة لسلوك الرئيس “الأكثر تدميراً” وعدم إبعاد زعيم العالم الغربي. فهل ينجح بايدن في إعادة التحالف الأوروبي بعد أن دمّره ترامب، سيّما في ظلّ ترحيب أوروبي لتبوئه سدّة الحكم؟
إلغاء زيارة بومبيو
ألغى وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو هذا الأسبوع رحلة أخيرة للقاء زعماء أوروبا وحلف شمال الأطلسي؛ وفيما زعمت وزارة الخارجية الأميركية أنّ سبب إلغائه كان حتى يتمكّن بومبيو من العمل على انتقال بايدن، يشكّك المسؤولون الأوروبيون في أنّ كبير الدبلوماسيين الأميركيين أدرك أنّه رتب لحفلة مغادرة لا يرغب أحد في حضورها، ملمّحين بذلك إلى مغادرة دونالد ترامب.
وكان من غير المرجّح أن يتم استقبال بومبيو بحرارة في جولة الوداع، حتى قبل التمرّد في مبنى الكابيتول الأميركي يوم الأربعاء الماضي؛ حيث بالنسبة للكثيرين، كان تحريض ترامب على المشاغبين بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير.
ووصف وزير خارجية لوكسمبورغ ترامب علنًا بأنه “إنسان مضطرب”، بينما يقول الدبلوماسيون في جلساتهم الخاصة إنّهم “يلومون ترامب بشكل مباشر على الفوضى في أميركا منذ الانتخابات، بما في ذلك شغب الكابيتول.
التشنج الأميركي الأوروبي
يعترف دبلوماسيون أوروبيون سراً أنّ العلاقات الأميركية عبر الأطلسي هي في أدنى مستوياتها منذ نهاية الحرب الباردة، بما في ذلك خلال حرب العراق عام 2003؛ إذ كانت الخلافات السابقة بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي تدور حول السياسات. فيما على عهد ترامب، تم التشكيك في مفهوم وقيمة الوحدة عبر الأطلسي.
وكشف دبلوماسيون أنّ الرئيس ترامب هو أول رئيس أميركي يقوّض التكامل الأوروبي، وينظر إلى الاتحاد الأوروبي على أنّه تهديد، ويضخ المشروطية في الناتو. كما لفت أحد السفراء الأوروبيين في واشنطن، إلى أنّ ترامب قد أظهر “تجاهلاً صارخًا للقيم المشتركة التي عزّزت التحالف عبر الأطلسي لعقود”.
وكان الأوروبيون يخشون إعادة انتخاب ترامب، إذ تثمتل أكبر مخاوف أوروبا في زيادة التعريفات التجارية، وانسحاب الولايات المتحدة من الناتو، والمزيد من الإنعزالية الأميركية، مّما يعود بالفائدة على الصين وروسيا. وقال أحد السفراء حينها، إنّ خسارة ترامب في تشرين الثاني ستُقابل بـ “ارتياح كبير” في أوروبا؛ فهم يفترضون أنّه في هذا الوضع، ستتلاشى التوترات بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.
ويكشف مطّلعون على الملف الأميركي الأوروبي أنّ الأوروبيين سيرحّبون بدعم إدارة بايدن لحلف الناتو والاتحاد الأوروبي، والقلق بشأن تغيّر المناخ وروسيا، والتزام أكبر بالتعاون عبر الأطلسي؛ إذ كان أسلوب ترامب وعدم شعبيته في أوروبا يخفيان حقيقة غير مريحة للأوروبيين، مفادها أنّ العديد من التوترات بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة هي أيضًا نتاج تباين هيكلي طويل الأمد بين المصالح الأميركية والأوروبية مقارنة بالرئيس الخامس والأربعين لأمريكا.
التحديات الأميركية الأوروبية: القضايا الخمس
فيما يختص بالملف الأوروبي الأميركي، كشف متابعون عن خمس قضايا تخاطر بفصل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي عن بعضهما البعض خلال السنوات الأربع المقبلة، بغض النظر عمّن يكون في البيت الأبيض.
المتخصّص في الشؤون الأوروبية والأطلسي والولايات المتحدة والأمم المتحدة، والخبير السابق في البرنامج الأوروبي في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي في واشنطن، ديفيد وينراي، فنّد القضايا الخمس التي تشكّل قلقاً على الساحة الأوروبية- الأميركية:
أولاً، قد تزعج المستويات المنخفضة من الإنفاق الدفاعي الأوروبي بايدن تمامًا كما حصل مع ترامب وأوباما وبوش؛ ويمكن أن تتزايد التوترات إذا خفضت الإدارة المستقبلية الإنفاق الدفاعي للولايات المتحدة، وطالبت الأوروبيين بسد الفجوة. إلى ذلك، إنّ التوترات التجارية بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة لن تختفي ببساطة في ظل إدارة جديدة.
ثانيًا، الصين. في حين أنّ مواقف كل من الجمهوريين والديمقراطيين من بكين قد أصبحت أكثر تشددًا، فإنّ العديد من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي ستظل مترددة في الاختيار بين التجارة المتزايدة، وأسهم الاستثمار مع الصين وأسهمها الأمنية والقيمية مع الولايات المتحدة.
ثالثًا، سيستمر اهتمام الولايات المتحدة بأوروبا – نتاج هيمنة الحرب الباردة على السياسة الخارجية للولايات المتحدة، سيّما في ظلّ الحرب الباردة الجديدة مع الصين. وبغض النظرعمّن سيكون الرئيس، فإنّ تركيز السياسة الخارجية للولايات المتحدة على مدى السنوات الأربع المقبلة سيكون على المحيط الهادئ، وليس المحيط الأطلسي.
رابعًا، إنّ طموح أي رئيس لإعادة تأكيد القيادة الأميركية العالمية سوف يتأثر بالاستقطاب السياسي والقلق العام من التفاعلات الدولية في الداخل، فضلاً عن صعود القوى المتنافسة في الخارج.
خامساً، اعتاد الأوروبيون على الاختلاف مع الولايات المتحدة على مدى السنوات الأربع الماضية بطريقة لم يكن من الممكن تصوّرها في ظل الإدارات السابقة. “لن يعود هذا الجني إلى الزجاجة”. حتى لو فعل الرئيس بايدن كل ما يريده الاتحاد الأوروبي، فإنّ الأوروبيين يعرفون الآن أن رئيسًا مستقبليًا يمكن أن يعود إلى النهج الترامبي، وبالتالي سيحتاطون وفقًا لذلك.
ترحيب أوروبي بالرئيس الجديد
بالمقابل، لفت تايسون باركر، محلّل الشؤون الأوروبية ومسؤول سابق في وزارة الخارجية في عهد باراك أوباما، إلى أنّ العديد من المؤسسات والدبلوماسيين الأوروبيين يديرون ظهورهم بسعادة لإدارة ترامب؛ إذ ليس سراً أن أوروبا تتطلع بشدة للعمل مع بايدن.
وقال دبلوماسي أوروبي كبير لشبكة CNN: من وجهة نظرنا، رأى ترامب أوروبا على أنّها عدو، موضحاً أنّ الرأي العام في بروكسل، هو أنّ ترامب خرج عن طريقه “للتراجع تدريجياً عن الكثير مما كان الاتحاد الأوروبي يعمل من أجله على المسرح العالمي”، مشيراً تحديداً إلى الاتفاق النووي الإيراني واتفاقية باريس للمناخ.
وفي حين أنّ الافتراض يتجه نحو تحسّن العلاقة عبر الأطلسي في ظل حكم بايدن، فإنّ أربع سنوات من “المذبحة” كما يصفها البعض أرعبت المشهد السياسي الأوروبي.
إذن، بنظر المتابعين للملف الأميركي الأوروبي، دمّر ترامب أهم تحالف لأميركا، وقد يستغرق إصلاح الخلاف مع أوروبا سنيناً. إذ لم يترك عصر ترامب للأوروبيين خيارًا سوى الإنتظار ورؤية مقدار الأولوية التي يضعها بايدن في استعادة مكانة أميركا على المسرح العالمي. مقابل ذلك، سيستخدمون أربع سنوات من الهدوء النسبي في ظل حكم بايدن، لبناء ضمانات ضد الاحتمال الحقيقي لفوز أوروبي آخر في البيت الأبيض عام 2024.