في جمهورية الجولاني.. تمر قطري ودولارات أميركية لمن يتناسى “مجازر العلويين”
أحوال ميديا –دمشق
في مشهد يثير الغضب أكثر مما يثير الدهشة، كُشف عن قيام رئاسة الجمهورية السورية الجديدة – التي يقودها الرئيس الانتقالي الجولاني – بإهداء ثلاث علب تمر قطري الصنع، مرفقة بمبلغ مالي قدره 10 آلاف دولار، إلى عدد من وجهاء وشيوخ الطائفة العلوية، ممن لبّوا دعوة رسمية إلى ما يُعرف بـ”قصر الشعب” في دمشق.
الحدث، الذي لم يُنفَ من أي جهة معنية، أثار موجة من السخط الشعبي، خاصة في أوساط عائلات الشهداء والمعتقلين، الذين رأوا في هذه “الهدايا” إهانة لدماء أبنائهم، وتطبيعًا فجًّا مع من تورطوا في مجازر بحق المدنيين، لا سيما في الساحل السوري ومناطق أخرى ذات غالبية علوية.

من التمر إلى التنازل
التمر، الذي يُعد رمزًا للكرم في الثقافة العربية، تحوّل في هذه الواقعة إلى رمز للخذلان، بحسب وصف ناشطين. فأن يُكافأ من صافح الجولاني – المتهم بارتكاب جرائم بحق السوريين – بعلب تمر وظرف مالي، هو أمر لا يمكن فصله عن سياق سياسي أوسع، يسعى إلى إعادة تأهيل السلطة الجديدة عبر بوابة المصالحات الشكلية.
قصر الشعب… أم قصر الذاكرة؟
اللقاء الذي جمع هؤلاء الوجهاء والمشايخ بالرئيس الانتقالي الجولاني في “قصر الشعب” – وهو الاسم الذي أُعيد تفعيله رسميًا لمقر الرئاسة في دمشق – لم يكن مجرد اجتماع رمزي، بل خطوة محسوبة تهدف إلى إظهار “انفتاح” السلطة الجديدة على مكونات المجتمع السوري، بما في ذلك الطائفة العلوية التي كانت في صلب الصراع خلال السنوات الماضية. لكن السؤال الذي يطرحه كثيرون: بأي ثمن؟ وهل يُمحى سجل الدماء بعلبة تمر وظرف دولارات؟
اللافت أن الهدايا – التي قُدمت باسم “رئاسة الجمهورية السورية الجديدة” – لم تُخفَ خلف ستار الغموض، بل وُزعت علنًا، في رسالة واضحة بأن من يمدّ يده للسلطة الانتقالية يُكافأ، ولو على حساب ذاكرة جماعية مثقلة بالمجازر والانتهاكات. ومع ذلك، فإن هؤلاء الوجهاء والمشايخ لا يمثلون سوى أنفسهم، ولا يملكون تفويضًا من أبناء الطائفة العلوية الذين عبّر كثير منهم عن غضبهم ورفضهم لهذا المشهد، مؤكدين أن دماء أبنائهم لا تُشترى، وأنهم أبرياء من كل من ساهم في تبييض صفحة الجلاد.
صمت رسمي… وذاكرة لا تمحى
حتى الآن، لم يصدر أي موقف من الجهات الدينية أو الاجتماعية الرسمية في الطائفة العلوية، ما فُسّر على أنه تواطؤ بالصمت، أو عجز عن مواجهة هذا النوع من “الاختراقات الناعمة”. في المقابل، عبّر كثير من أبناء الطائفة عن غضبهم عبر وسائل التواصل، مؤكدين أن “دماء الشهداء لا تُشترى، ولا تُنسى”.
اليوم في سوريا ما بعد الحرب، يبدو أن المعارك لم تعد تُخاض بالسلاح فقط، بل بالرموز، بالمال، وبإعادة رسم الولاءات. وبين تمر قطري و10 آلاف دولار، تُطرح أسئلة مؤلمة: من يبيع ذاكرة الدم؟ ومن يشتري الصمت؟ وهل يمكن أن تُبنى مصالحة حقيقية على أنقاض الخيانة؟



