سياسة

الجدران ارتفعت قبل الكلمات: لماذا تحاصر الدول “الحليفة” سوريا؟

خاص أحوال

في مشهدٍ يبدو متناقضاً للعيان، تُعلن دول الجوار عن علاقات “فوق الجيدة” مع سلطة الجولاني، بينما ترفع في الخفاء والعلن جدراناً عازلةً تفصلها عن سوريا.

“تركيا تمد جداراً كونكريتياً بطول ٩١١ كيلومتراً، والعراق ٦٠٥ كيلومترات، وإسرائيل ٩٢ كيلومتراً ، بينما تدعم الولايات المتحدة إنشاء أسلاك شائكة وعوائق برية على الحدود الأردنية.”

 

السؤال الذي يفرض نفسه: إذا كانت هذه الدول حليفة لسلطة أمر الواقع في دمشق أو لفصائل رئيسية فيها، فلماذا هذا الحِصَار الجسدي؟…

على ما يبدو أن الجواب الاستراتيجي يكمن في شخصية “أمير الأمر الواقع” في سوريا، أبو محمد الجولاني.

خطاب “التقية والتمكين”

الخطاب الأخير للجولاني، الذي حاول فيه تقديم صورة معتدلة ومنفصلة عن تنظيم القاعدة، لم يُقنع أحداً من أصدقائه القدامى والجدد قبل أعدائه…

الاستخبارات الغربية والإسرائيلية تعلم جيداً أن ما يحدث ليس “تغييراً جذرياً” حقيقياً، بل هو “تقية” وتمهيداً لمرحلة “التمكين” ضمن الفكر السلفي الجهادي، إنها لعبة استراتيجية يعرفون قواعدها جيداً.

إذن لماذا تُبنى الجدران؟ هل لأن الكلمات لم تعد كافية

 

عندما صرح نتنياهو ذات مرة “نحن نعلم مع من نتعامل.. لسنا ساذجين كغيرنا “، كان يلخص الموقف الدولي بأكمله.

الدول “الحليفة” للجولاني تتعامل مع واقع فرضته الحرب، لكنها لا تثق في المدى البعيد بالكيان الذي يسيطر على أجزاء كبيرة من الأرض السورية والذي تتحكم فيه أيديولوجيا متطرفة.

ويمكن تلخيصها على الشكل التالي:

  • تركيا: الحليف الرئيسي لبعض الفصائل الشمالية، تدرك أن تحالفاتها تكتيكية، والجدار الطويل ليس موجهاً ضد سلطة الجولاني فحسب، بل هو في جوهره حاجزٌ أمام تسرب العناصر الراديكالية التي قد تهدد أمنها القومي، بغض النظر عن الوجه الذي تقدمه اليوم.
  • العراق: يملك ثأراً دموياً كبيراً مع “هيئة تحرير الشام” (وربما مع الجولاني نفسه) بسبب سنوات سيطرة تنظيم “داعش” على مساحات شاسعة من أراضيه، وحكومة بغداد التي تحاول إمساك العصا من المنتصف في علاقتها مع دمشق، ترفع جداراً عالياً لحماية نفسها من تداعيات الفوضى والتطرف القادم من الغرب.

إنها ثقة مهشمة لا يمكن تعويضها بالتصريحات الدبلوماسية.

3- إسرائيل والأردن: كلاهما يدرك أن الاعتدال الظاهري للجولاني هو استراحة محارب داعشي متطرف، وأن القلب الأيديولوجي لجماعته لا يزال نابضاً بالفكر الجهادي المعادي لهم.

لذلك، فإن الجدران والأسلاك هي خط الدفاع الأول ضد تهديد يعتبرونه مؤجلاً وليس منتهياً.

 

خلاصة القول : الجدران هي لغة الدول عندما تفشل الدبلوماسية،

هي اعتراف صامت بأن “الصداقة” مع النظام السوري الحالي وحلفائه هي محض مصلحة تكتيكية هشة،

إنها تخفي خوفاً عميقاً من أن يكون الوجه “المعتدل” للجولاني مجرد قناع، وأن الاستقرار في سوريا ما زال بعيد المنال،

باختصار، الجميع يلعب لعبة الشطرنج مع دمشق وحلفائها، ولكنهم يبنون سورهم العالي خلف ظهورهم… تحسباً لأي تحول في قواعد اللعبة.

أحوال

موقع أخباري يصدر عن شركة مدنية غير ربحية في بيروت، يقدم من خلال مساحة رقمية حرة وعصرية أخبارًا سريعة، عظيمة الثقة، لافتةً للنظر، ثريةً، وتفسيرًا للاتجاهات الحالية والمستقبلية، التي تؤثر في أحوال الناس.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى