سياسة

“فضفضة” وإيجابية في بعبدا لحكومة قبل الميلاد

دمج بين تشكيلة عون والحريري وتنازلات متبادلة حول التسمية وتوزيع الحقائب

في الاجتماع الثالث عشر في قصر بعبدا، أدلى كلّ من رئيس الجمهورية والحكومة المكلّف بدلوه حول الطرحين الحكوميين الذين قدِّما في الجلسة السابقة. والخرق الأساسي لهذا اللقاء أنّه أفضى إلى الاتفاق على سلسلة اجتماعات متتالية للخروج بصيغة حكومية قبل عيد الميلاد. أُريدَ لهذا اللقاء أن يكون حاسمًا لكنّه لم يكن كذلك، بل خرج بنكهةٍ جديدةٍ وجرعة “صراحة” و”فضفضة” مضافة إلى رصيد الحراك البطريركي. وتبقى التوزيعات والتعديلات الطائفية والحزبية العالقة في دائرة الخلافات “وجبة” اللقاءات المقبلة، على أن تُبددها حركة الاتصالات المتسارعة لإحراز تقدّم يوحي بترجمة تحويل الاشتباك السياسي الحاد وتداعياته إلى توافق على صورة الحكومة وفق “صيغة وسطية” كان سعاة الخير قد تمنوها.

لم يُعلن الحريري ما يُسر اللبنانيين، لكن خرج بكلام مقتضب يحمل إيجابية كانت مفقودة قبلًا كاشفًا عن سلسلة لقاءات ستُعقد في اليومين المقبلين للاتفاق على “صيغة حكومية” قبل عيد الميلاد. ما قاله الحريري بعد لقائه رئيس الجمهورية في قصر بعبد، إنّ “اللقاء كان إيجابيًا”. وأضاف “قرّرنا الاجتماع غدًا ولكن لن نعلن عن الوقت لدواعٍ أمنية”، لافتًا إلى أنّ “اللقاءات ستكون متتالية للخروج بصيغة حكومية قبل عيد الميلاد”. هل هي “صيغة” كما جاءت في كلام الرئيس المكلّف حرفيًا أم تشكيلة جاهزة بمرسوم جمهوري؟

لا نتيجة حاسمة بحسب مصادر مطّلعة ولكن الجدية والإيجابية كانتا وصفة الاجتماع رقم 13. وتتحدث المصادر عن أن هذا الانفتاح سيؤدي حتمًا في اللقاءات المقبلة إلى دمج بين تشكيلة عون والحريري، في تنازلات متبادلة حول التسمية وتوزيع الحقائب.

أمّا “اللاحسم” في تبديد العراقيل في هذه الجلسة التي طالت زمنيًا عن سابقاتها حوالي الساعة والنصف، مردّه أن لا توافق على وحدة المعايير على الرغم من وساطة كل من البطريرك مار بشارة بطرس الراعي واللواء عباس إبراهيم وحزب الله وغيرهم من “سعاة التوفيق”، واقتصرت حصيلتها على إعلان “تصفية النيات” والتعاون لإزالة العراقيل بناءً على “صراحة” الحوارات. وفي تكرار يتّسم بالملل بالنسبة للبنانيين، فإن جمود التأليف مرده بحسب مصادر الطرفين، الخلاف حول تسمية الوزراء المسيحيين فرئيس الجمهورية يريد أن يتولى التسمية أسوة بباقي الاطراف التي يتم استشارتها، وهذا ما يرفضه الحريري رفضًا قاطعًا. فيما يُشيع “تيار المستقبل” أن “العرقلة تأتي من “التيار الوطني الحر” الذي يُطالب بالحصول على حقائب الطاقة والعدلية والداخلية في التشكيلة الوزارية وهو ما لا يرتضيه الحريري أيضًا”.

بعد انقطاع لقاءات بعبدا لمدة أسبوع كامل، شهد خلاله اللبنانيون كل صنوف المواقف المضادة وبيانات الشجب بين التيّارين الأزرق والبرتقالي، بالتزامن مع الحراك البطريركي في محاولة لاستيلاد “الروح القدس” الحكومية هل تحصل المعجزة؟. تستمهل مصادر مطّلعة الاستنتاج حتى يوم غد وبعده، لكن تأمل البناء على الإيجابية المعلنة “على أن يكون الخلاص من الأسئلة والشكوك في اليومين المقبلين”.

بالعودة إلى مسار الأمور، وبعد تبادل التشكيلات الحكومية بين رئيس الجمهورية ميشال عون مُستلمًا تشكيلة من 18 وزيرًا والرئيس المكّلف سعد الحريري مُتسلّمًا تشكيلة بلا أسماء إنّما بتوزيع طائفي ومذهبي وسياسي مختلف عن الصيغة التي قدّمها، سمع الحريري من الرئيس عون رؤيته حول ما يتمسّك به لجهة تأمين “العدالة” في توزيع الحقائب الوزارية بين الطوائف والمذاهب. وأنّ الصيغة التي قدّمها الرئيس المكلّف منذ أسبوعين لا تتسّم بالتوازن فالحقائب المُسندة إلى المكوّن المسيحي تقل أهمية عن تلك المعطاة إلى المكوّنات الاخرى، وبخاصة الحقائب الأربع التي تُرِك للرئيس عون إسقاط الأسماء عليها. وأن الرئيس يرغب بتشكيلة تُرضي كل الاطراف لتحصين الحكومة خاصة لجهة نيلها الثقة النيابية وتجاوز المشكلات مستقبلًا.

أمّا رئيس الجمهورية فطلب توضيح الأسباب التي دفعت الرئيس المكلّف، إلى استشارة كل من “حركة أمل” و”حزب الله” و”المردة” و”الحزب التقدمي الاشتراكي” و”الاشناق” دون أن يجري اتصالًا واحدًا مع “التيار الوطني الحر” لاستطلاع رأيه حول توزير المسيحيين. كما أثار رئيس الجمهورية مسألة تفضيله الإبقاء على توزيعات الحقائب السيادية على الطوائف الأربعة لا استئثار طائفة واحدة بها وأكد على ثابتة الشراكة في تأليف الحكومة.

“لقاء معايدة” تختصر مصادر مطلعة على المشهد الحكومي، و”مجاملة” لا تخرج عن إطار ترطيب الأجواء قبل الأعياد وتخفّف كرة “التيئيس” لدى اللبنانيين واحترامًا لمساعي البطريرك الراعي، لكن البحث في مخارج وحلول لتخطي العقبات أمام ولادة الحكومة لا يبدو قريبًا ولكن يؤسس لأرضية “تزخيم” الاتصالات مع بعض المرونة. فيما ترى مصادر “المستقبل” أن الزخم والمرونة لا يزالان بعيدان بعد طرح التيار العوني شروط جديدة. وتُضيف، متهمةً التيار برمي المطالب التعجيزية في درب الحريري “بعد التخلي عن الثلث المعطّل، برزت مطالب جديدة، في مقابل التنازل عن الثلث “المعطل” أو الوازن”، وهي الإمساك بحقائب الداخلية والعدل والدفاع وهذا ما لن يقبل به الحريري” مع العلم أن الكلام عن “الثلث” لا أساس له من الصحة حيث لم يطالب به ولم يطرحه الرئيس عون. وعُلِم أن لقاء ضمًّ ليلًا الحريري ورؤساء الحكومات السابقين في بيت الوسط جرى خلاله التأكيد على رفض أي ثلث معطل وعدم التنازل عن حقيبة الداخلية.

التقى الرجلان بناءً على وعد منهما ببذل الجهود لحلحلة الوضع الحكومي وتشكيل الحكومة​ في أسرع وقت ممكن، كما يكشف الوزير السابق ​سجعان قزي​، مؤكدًا أن “كلًا من عون والحريري تعهدا “محاولة” الاتفاق على صيغة الحكومة بعد أن شدّد الراعي أن الخلافات ليست مستحكمة ولن يفيد في الظروف الراهنة التمترس خلفها”. ويعتبر قزي أنَّ “ثمّة مصلحة مشتركة بين الطرفين فالحريري يرغب بقيادة ورشة الإصلاحات وفق المبادرة الفرنسية، ورئيس الجمهورية يريد تثبيت أركان عهده”.

الرئيسان المولجان بتشكيل الحكومة يقفان كلّ على تلّة معاييره وشروطه، أما باريس التي أغرقت نفسها بالملفات اللبنانية لا تزال تعمل على الخط الحكومي، بعد تأجيل زيارة الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون إلى بيروت، وتفيد مصادر مطّلعة بهذا الشأن أن فريق الإليزيه المعني بالملف اللبناني لا يزال على تواصله مع كافة الأطراف المعنية لربط خيوط “قميص” الحكومة التي تُعنى باريس بنسجه ورعايته على الرغم من عدم متانة هذه الخيوط.

يغادر الحريري القصر محملًا بوعد قطعه على اللبنانيين بأن يقدّم صيغة للحكومة قبل العيد، وثمّة من يرى أن لا جديد بل هناك قلق وأسئلة حول أداء الحريري في إطار قاعدة “لا تأليف ولا اعتذار”، وهذه “ثغرة” يسمح بها الدستور وتتخوف دوائر بعبدا من بقائها حتى آخر العهد الرئاسي. وتُعزز هذه الفرضية أن الحريري لا يرغب بتجرّع رفع الدعم الذي سيثير غضبًا شعبيًا كبيرًا لا يمكن تقدير مساراته في الشارع، وأيضًا خشية الحريري من غضب أميركي في حال تشكيله حكومة بمشاركة حزب الله وهو يُفضل أن يُفرج عن الحكومة بعد تسلّم الرئيس الجديد جو بايدن مقاليد الحكم.

الاجواء هذه المرة جدية أكثر من أي مرة، بحسب ما يُصر الداعمون لمساعي التوافق، والاتجاه هو تكبير كرة التفاؤل بدل نشر اليأس بين اللبنانيين وإذا ما كانت النيات صافية وجدّية وكلام الحريري دين على اللبنانيين فهل تكون الحكومة هذا الأسبوع؟ غدًا لناظره قريب.

رانيا برو

رانيا برو

صحافية وكاتبة لبنانية. عملت في مؤسسات اعلامية لبنانية وعربية مكتوبة ومرئية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى