بقعة ضوءسياسة

قوْننة المواقع الالكترونية: همروجة اللاجدوى ولو غضب مني الأصدقاء

عامر ملاعب

منذ سنوات والحديث يدور عن ظاهرة “تفقيس” المواقع الالكترونية اللبنانية بشكل هستيري، إذ يسجل “المجلس الوطني للإعلام” رسمياً ما يفوق الـ 1200 لديه، وهناك ربما ما يوازيهم دون تسجيل رسمي يعملون ليل نهار، فكيف يمكن تنظيم هذا القطاع وضبطه وتذليل مشكلاته ومن أين يبدأ الحل؟

عقدة اليوم تذكرنا بحقبة التسعينات حين احتد النقاش اللبناني ولسنوات عن قوننة الإعلام المرئي والمسموع، ويومها، كما اليوم، كانت الفوضى تعم القطاع بعد حربٍ أهلية وظهور تقنيات جديدة في استخدام الفضاءات المفتوحة، ويومها أيضاً كانت التحليلات والأبعاد تذهب إلى أقصاها من كل حدبٍ وصوب، فإذا ارتفعت نبرة “أهل المؤامرة” جاءهم رد “جماعة الحريات” ليصرخ بوجهوهم “زلم الإعلام التقليدي” معارضين بشراسة وفي النهاية أسكتهم جميعاً تحالف رأس المال مع ملوك الطوائف مع قوى الخارج الفاعل…. وهكذا دواليك.

مع فارق هنا في حجم وانتشار المنصات، فهي عملياً ذات تكلفة أقل وأسرع وأسهل في الشكل والمضمون

تاريخ القضية

منذ سنوات قليلة أخذت ظاهرة المواقع الالكترونية بالتوسع والإنتشار، وحملت معها العديد من التحدّيات في أكثر من مسار، ويمكن حصرها في بضعة نقاط:

  • المهني البحت يتعلق بكم ونوع الأخبار وطريقة صياغتها، وكيف اختلفت عن شكل ومضمون الاعلام التقليدي السابق (عدد الكلمات وتقطيع الجمل، المصطلحات المستخدمة، الصور والفيديوهات المرفقة….).
  • التقني الصرف في كيفية التعامل مع الحاسوب والنت ورفع الخبر وسرعته
  • الاداري ويتعلق بالكادر العامل وكيفية حمايته اجتماعياً من حيث الأجر والتسجيل في الضمان الاجتماعي وساعات العمل والانتساب مثلاً الى نقابة خاصة به..
  • يضم هذا القطاع عدد كبير من الوظائف بين التحرير والتصوير والتقني وغيرهم… فمن ينظم هذه العملية؟

ويمكن إضافة المزيد والمزيد من النقاط الإشكالية

قصة القوننة

إنطلاقاً مما تقدم، ظهرت الحاجة لدى عاملي هذا القطاع لسد الثغر ومعالجة الأزمات، فانطلقت المشاورات البينْية منذ سنوات لتنظيم الجسم ولو بالحد الأدنى، وجمعت المهمة عدد من الناشطين وأصحاب المواقع وإدارييها دون التمكن من وضع أرضية صلبة باستثناء العودة في كل مرة الى الحل المؤقت عبر المجلس الوطني للإعلام المرئي والمسموع، ويمكن تلخيص بعض هذه العقبات بالنقاط التالية:

  • يضم القطاع عدد كبير من المواقع (ما يفوق الـ 1200 موقع مرخص) ومعهم جيش مرتبط بهم بما يفوق حجم السوق وحاجته فعلاً الى هذا الكم (هل يمكن تحديد عدد المواقع كما الاعلام المرئي المسموع التقليدي؟ طبعاً لا يمكن).
  • يحوي القطاع عدد لا بأس به من الطارئين على العمل الصحافي او الاعلامي وفي بعض الحالات شخصيّات أميّة لا تفقه من الإعلام إلا الإغراء والتعصب والشتم والصراخ على حساب النوعية والعمق والبحث الرصين.
  • غياب معايير ومستوى من هم رواد الاستثمار في هذا القطاع (أنت فقط بحاجة لمبلغ لا يتجاوز مئات الدولارات كي تُنشئ منصّة دون الحاجة الى معايير علمية او تقنية وسريعاً بعدها “تحمّل ذاتك” لقب صحافي أو إعلامي).
  • جهل تام (أو تجهيل) مصادر تمويل هذه المنصات.
  • تراجع الأداء المهني على حساب النوعية.
  • غياب القرار الذاتي من أهل القطاع بالتعاون بين بعضهم وزد عليهم تدخلات سياسية مباشرة.
  • إختلاط التخصصات في المنصات وعدم تصنيفها كما في الإذاعات مثلاً بين فئة أولى سياسية وثانية فنية أو غيرها

والطامة الكبرى في التصنيفات الطائفية والمذهبية التي تمنع تنظيم مثل هذا القطاع لأسباب شتى وليس آخرها التهويل بغلبة أعداد مالكي المنصات المسلمين على المسيحيين (أو العكس).

دور المجلس الوطني للإعلام

التجمع العفوي الذي نرتاده بين الفينة والأخرى بدعوة من رئيس المجلس الوطي للإعلام استاذنا المقدّر عبد الهادي محفوظ، يضم تحت جناحه عدد لا بأس به من ممثلي المنصات في لبنان، ولكن هناك ملاحظات لا بد منها:

  • تنقصه رؤية شاملة بأبعاد وطنية تضع معايير عامة
  • تغيب عنه حتى الآن ميزة التنوع اللبناني الحقيقي فما المانع من الجلوس على طاولة واحدة تضم كل الآراء وتبحث قطاعياً فقط على الأقل.
  • يغفل الحضور أو يتجاهل أولوية وأهمية تمدد اللقاء مناطقياً، وما المانع من تنظيم إطار جدّي لبقية المحافظات؟
  • ما المانع من وضع رؤية تعاون جدّي بين المنصّات تقنياً وفنياً لتطوير الأداء؟
  • لماذا لا يتم البحث الجدّي في كيفية دعم الدولة وأجهزتها الرسمية لهذه المنصات عبر إعفاءات معينة ودعم تقني (باقات انترنت واتصالات، توفير معلومات ومراجع ومقابلات، تسهيلات لوجستية ومساعدات عينية، حسومات على بطاقات الطيران والتنقل الداخلي، إعفاءات ضريبية من رسوم بلدية ومالية…؟)
  • كيف يمكن مراقبة تمويل هذه المواقع؟
  • كيف نصنف العاملين في منصات تابعة للمحطات التلفزيونية أو الإذاعية أو الصحف أو مواقع الوزارات مثلاً: هل هم من قطاع المواقع الالكترونية أم من عشيرة المرئي والمسموع والمكتوب نقابة صحافة ومحررين؟
  • كيف نصنف بعض المواقع الفردية الخاصة على منصات التواصل الاجتماعي (بعضها يمتلك حسابات بآلاف المتابعين بما يفوق أعداد متابعي المؤسسات الرسمية المعروفة) وكيف يمكن التعامل معها؟

وفي ختام هذه التساؤلات الصعبة لماذا لا نلجأ الى معايير جديدة ومبتكرة من خارج الصندوق مثلاً من قبيل ترك هذا القطاع على حاله كي يغربل نفسه ويبقي الأقوى والأفضل

ربما الحل مع الوقت أيضاً

عامر ملاعب

كاتب وصحافي لبناني، يحمل شهادة الدبلوم في التاريخ من الجامعة اللبنانية، عمل في صحيفتي الأخبار والحياة. أعد وقدم برامج في قناة الثبات الفضائية، وإذاعة صوت الشعب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى