سياسة

الخيوط الخفية.. كيف تدير المخابرات التركية والبريطانية المشهد السوري؟

منذ اندلاع الأزمة السورية قبل أكثر من عقد من الزمن، تعددت التحليلات التي حاولت فك الخيوط المعقدة المتحكمة في المشهد، وبينما تتصدر القوى الدولية والإقليمية الكبرى الواجهة، تشير تحليلات عميقة إلى أن جهازي المخابرات التركي والبريطاني يلعبان دور المحرك الخفي والأكثر تأثيراً، في شراكة استراتيجية بينهما تُعيد تشكيل مستقبل سوريا.

تشير معطيات إلى أن الملف السوري يحظى بمتابعة خاصة من جهاز المخابرات البريطاني (MI6)، وذلك لأسباب شخصية واستراتيجية.
فالمدير السابق الجهاز ريتشارد مور، يتمتع بخبرة عميقة في الملف التركي كونه متحدثاً باللغة التركية وسبق أن شغل منصب سفير بلاده في أنقرة، ويرجح أن مور هو المهندس الرئيسي لاستراتيجية الضغط على النظام السوري السابق، بالاعتماد على التحالف الاستخباراتي مع تركيا كشريك أساسي.

لم يكن هذا التعاون وليد الصدفة، بل هو نتاج اختراق بريطاني طويل الأمد للنظام السوري، وتشير تقارير إلى أن هذا الاختراق بدأ منذ عقدين، مستفيداً من شبكات علاقات شخصية مرتبطة بـ أسماء الأسد (ذو الأصول التركمانية)، بهدف تفكيك النظام من الداخل، ما مهّد الطريق لأحداث 2011.

 

من التفكيك إلى إدارة الفوضى

بعد عام 2011 انتقلت الاستراتيجية إلى مرحلة جديدة تركزت على تعميق الشرخ داخل أركان النظام.
ويعزو محللون الحملة التي استهدفت رجل الأعمال رامي مخلوف إلى هذا التوجه، بهدف إضعاف الشبكات الاقتصادية والدعم الداخلي للنظام، وهو ما خلق شرخاً كبيراً لا تزال تداعياته مستمرة حتى اليوم.

على الأرض، وجدت تركيا في الانتفاضة الشعبية فرصة ذهبية لتحقيق نفوذ إستراتيجي، فعملت على مدى 14 عاماً، على توظيف العامل الديني لاستقطاب السوريين السنة، وتحويلهم إلى أداة ضغط سياسي كان الهدف الأهم.
تشير معلومات إلى أن أنقرة استغلت ملف اللاجئين وسرقت جزءاً كبيراً من الدعم المالي المخصص لهم، بينما عملت على صناعة شخصيات مؤثرة مدعومة بالأموال القطرية.

شكلت الحرب في أوكرانيا منعطفاً حاسماً في هذه المعادلة، فالدعم البريطاني المطلق للتوجهات التركية في سوريا، بما في ذلك دعم فصائل مثل هيئة تحرير الشام (الجولاني)، يأتي في إطار استراتيجية أوسع لاستنزاف روسيا.
وقد توقف التنسيق الأمني البريطاني – الروسي لصالح تحالف تركي-بريطاني أكثر عمقاً، مما منح المخابرات التركية دور “ضابط الإيقاع” في الأوركسترا السورية.

وفي تطور جديد، أعادت المخابرات التركية مؤخراً أبا أحمد زكور إلى الواجهة، في خطوة تفسر على أنها محاولة لإقحام فصائل معينة في مواجهات مع الأكراد، وتحشيد ما يسمى بـ “الجيش الوطني” لفصل جديد من الصراع.

ولا تقتصر السيطرة التركية على الجانب العسكري، بل تمتد إلى السيطرة الاقتصادية والأمنية الشاملة، فقد سيطرت أنقرة على السجلات المدنية وبيانات البنك المركزي وشركات الاتصالات، وحولت سوريا إلى سوق استهلاكية للبضائع التركية على حساب الإنتاج المحلي، في سياسة يمكن وصفها بـ “الاستعمار الاقتصادي”.

أما على الصعيد الطائفي، تشير تحليلات إلى استهداف منهجي للطائفة العلوية، من خلال:

· إعطاء تعليمات لـ “هيئة تحرير الشام” بطرد العلويين من الوزارات السيادية.
· تهجير سكان قرى علوية في ريفي حماة واللاذقية ومصادرة أراضيهم.
· إشعال حرائق متعمدة في الغابات للضغط على الطائفة.
· محاولة شق الصف العلوي عبر شخصيات مثل خالد الأحمد بدعم من “مشايخ” من لواء إسكندرون.

في المقابل، بدأت شخصيات من النظام السابق، مثل كمال حسن وأيمن جابر، تتحرك بدعم روسي، مستغلة فشل المشروع التركي في “إعادة تأهيل” الفصائل المسلحة وتحويلها إلى قوة قادرة على إدارة دولة.

وتشير معلومات إلى مباحثات جرت مؤخراً في القامشلي بين شخصيات علوية قادمة من روسيا وقوى كردية، في محاولة لتشكيل تحالف مضاد قد يفرض على تركيا قبول حلول لم تكن لتتقبلها سابقاً.

ختاماً، يمكن القول أن المشهد السوري بات يشبه رقعة شطرنج معقدة، تتحرك فيها الخيوط الاستخباراتية بعيداً عن الأضواء، ومقابل فشل المشروع التركي-البريطاني في إعادة تأهيل الفصائل، بدأت تحركات روسية وداخلية مضادة، ما يُرجح أن الساحة السورية ستكون مقبلة على مفاجآت أكبر، حيث تتصارع الأجندات الدولية والإقليمية على جسد بلد أنهكته الحرب، فيما يدفع الشعب السوري الثمن من مستقبله وأمنه.

أحوال

موقع أخباري يصدر عن شركة مدنية غير ربحية في بيروت، يقدم من خلال مساحة رقمية حرة وعصرية أخبارًا سريعة، عظيمة الثقة، لافتةً للنظر، ثريةً، وتفسيرًا للاتجاهات الحالية والمستقبلية، التي تؤثر في أحوال الناس.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى