حين انتُخب العدم… أسرع انتخابات في التاريخ!

بقلم: د. بسام أبو عبد الله
في بلادٍ تُدار بالدهشة لا بالمنطق، جرت انتخابات مجلس الشعب كما تمرُّ نسمة في ظهيرة تموز: سريعة، غير مرئية، ولا أحد يعرف من أين جاءت ولا إلى أين ذهبت.
انتخابات بلا منافسة، بلا حشود، بلا أصوات تُسمع… فقط صدى الكلمات الجاهزة: “عرس ديمقراطي”، “إقبال جماهيري”، و”صناديق نزيهة” كأنها قصائد من زمن النفاق الوطني.
لكن الأرقام هذه المرة لا تكذب، بل تضحك حتى البكاء:
في الزبداني، فاز عمار الأشرفاني بـ 15 صوتًا فقط.
خمسة عشر! رقم يمكن جمعه من مقهى واحد إذا قرر روّاده أن يجرّبوا “الواجب الوطني” بين فنجان قهوة وسيجارة.
وفي القطيفة، انتصر خالد عرفات عرابي بـ 18 صوتًا، أي ما يعادل نصف حافلة “سرفيس” في ساعة الذروة.
أما في التل، فقد حقق أيمن عبده شمو إنجازه التاريخي بـ 24 صوتًا، وهو عدد كافٍ لتأسيس “جمعية تعاونية” لا “مجلس شعب”.
وفي داريا، حيث للرماد حكاية، فاز مؤيد حبيب بـ 30 صوتًا فقط، وكأن المدينة لم تنتخب، بل أرسلت إشعار حضور رمزي للعزاء في السياسة.
أما النبك فانتخبت محمد شريف طالب بـ 18 صوتًا، وهو رقم يصلح لتشكيل فريق كرة قدم احتياطي مع الجهاز الفني.
وفي قطنا، نال علي مسعود مسعود 12 صوتًا… اثنا عشر فقط!
رقمٌ يليق بمسابقة “من سيربح المقعد”، لا بانتخابات وطنية يفترض أنها تعبّر عن مئات الآلاف.
وأما في ريف دمشق ويبرود، فقد بدا المشهد أكثر كرماً بالأصوات:
محمد سليمان الدحلا (75 صوتًا)،
محمد عزام حيدر (68 صوتًا)،
حسان أحمد سيف الدين عطايا (65 صوتًا).
هنا يمكن القول إن المشاركة “مقبولة” بمقاييس “الانتخابات العائلية الكبرى”.
لكن التتويج جاء من دوما، حيث الأرقام بدت خرافية بالمقارنة:
حسام حمدان (105 أصوات)،
نزار الشايب (103 أصوات)،
مصطفى سقر (91 صوتًا).
يا للزحام الديمقراطي! مئة ناخب دفعة واحدة! لا بد أن لجان الفرز احتاجت إلى الماء البارد لتتحمل هذا الطوفان الشعبي.
أي انتخابات هذه؟
من يُمثّل من؟
هل تحوّل الوطن إلى حيّ صغير، والشعب إلى مجموعة أقارب؟
هل يكفي أن تُحصي عائلة أصواتها لتُصاغ باسمها قوانين دولة؟
لقد شاهدنا عبر التاريخ انتخابات مثيرة، مزوّرة، محتدمة، متوترة، ولكننا لم نرَ من قبل انتخابات صامتة إلى هذا الحد، سريعة إلى درجة أنّ النتيجة أعلنت قبل أن يبرد الحبر.
ربما يُدرّس هذا الإنجاز قريبًا تحت عنوان: “الانتخابات الكوانتومية: حيث يَنتخب المرشح نفسه قبل أن يراه أحد”.
في زمنٍ صار فيه الشعب ديكوراً خطابياً، تحوّل “مجلس الشعب” إلى لوحة رمزية، يجلس فيها ممثلون بلا جمهور، ويناقشون قضايا لا يسمعها أحد، تماماً كما يتحدث ممثل في مسرح مهجور إلى الكراسي الفارغة بثقة عجيبة.
قال نزار قباني يوماً:
“أحبك جداً، وأعرف أن الطريق إلى المستحيل طويل.”
واليوم نقول له من قلب هذا المستحيل:
نحب وطننا جداً، لكن الطريق إلى الانتخابات الحقيقية أطول بكثير من أي استحالة شعرية.
وفي الختام، يعلن الشعب السوري تهنئته الرسمية:
“نبارك للفائزين بهذا العرس السرّي، الذي جرى بلا ضوضاء، بلا ازدحام، وبأقل عدد ممكن من المشاركين. لقد أثبتم أن الديمقراطية يمكن أن تُدار بخفة ظل، وبعدد أصوات لا يكفي لتأسيس فرقة دبكة.”
مبروك لكم أيها النواب،
لقد مثّلتم الشعب الغائب خير تمثيل،
وسجّلتم برقمكم المتواضع أسرع انتخابات في التاريخ… وأبطأ إحساس بالكرامة الوطنية.