
تضع الولايات المتحدة لمساتها الأخيرة على الاتفاق الأمني الذي ترعاه بين السلطات الانتقالية في سوريا وإسرائيل، بهدف تحقيق إنجاز يمهّد الأرض أمام التفرّغ لملف «قوات سوريا الديموقراطية» (قسد)، لا سيّما بعد أن قامت بتقسيم ملفّ إسرائيل إلى شطرَين، عزلت عبرهما مسألة السويداء – التي مُنحت إدارة ذاتية – عن مسألة الاتفاق الأمني، الذي سيُخضع الجنوب لسلطة مباشرة وغير مباشرة للاحتلال الإسرائيلي.
وبدأت السلطات الانتقالية، التي أعلن رئيسها أحمد الشرع، تفاؤله بالوصول إلى اتفاق، تروّج لصفقة أمنيّة تعتمد على اتفاقية وقف إطلاق النار الموقّعة عام 1974، على أساس إعادة قوات «حفظ السلام» الأممية إلى مواقعها. وبالتوازي، تتكشّف مزيد من التسريبات عن ترتيبات أمنيّة وعسكرية تمكّن إسرائيل من «شرعنة» احتلالها للأراضي السورية التي اقتحمتها بعد سقوط النظام السابق نهاية العام الماضي، بما فيها قمّة جبل الشيخ، وتمنحها تحكّماً مطلقاً بالجنوب الممتدّ من حدود العاصمة دمشق، وصولاً إلى المنطقة العازلة؛ وهو ما يمثّل رضوخاً تامّاً لتل أبيب، وتنفيذاً دقيقاً لمخطّطها في الجنوب، وتسليماً بطيّ صفحة الجولان المحتلّ، الذي ذكر الشرع أنّ الوقت غير مناسب للحديث عنه.
إلا أنّ الشرع، وفي أثناء لقاء مع وسائل الإعلام أمس، أنكر وجود أي ضغوط أميركية على نظامه الناشئ، واعتبر أنّ «نجاح التفاهمات الأمنيّة قد يفتح الباب أمام اتفاقات أخرى»، نافياً التوصّل إلى اتفاقية تطبيع كاملة في الوقت الحالي، ومشيراً، في الوقت نفسه، إلى ضرورة وجود دور أممي في هذا الملف.
وبينما كان الشرع، يستقبل وفداً إعلامياً، في سياق الترويج لزيارته إلى الولايات المتحدة في أثناء اليومين المقبلين للمشاركة في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة – قد يتخلّلها لقاء مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في البيت الأبيض -، التقى وزير الخارجية السوري الانتقالي أسعد الشيباني، وزير الشؤون الإستراتيجية الإسرائيلي رون ديرمر، في لندن، بحضور المبعوث الأميركي إلى سوريا توماس برّاك.
وناقش الطرفان، في أثناء اللقاء، الاتفاقية الأمنيّة المزمع إنجازها، والتي قدّم الشيباني مقترحاً في خصوصها، تمّ إعداده بالتشاور مع تركيا، على أن تردّ إسرائيل عليه في أثناء لقاء سوري – إسرائيلي يُعقد اليوم في العاصمة الآذربيجانية باكو، وسط تفاؤل أبدته الخارجية السورية بـ«توقيع الاتفاقية قبل نهاية العام الحالي».
وفي بيان لها، ذكرت الوزارة أنّ المقترح السوري يشترط انسحاب إسرائيل من المناطق التي احتلّتها بعد الثامن من كانون الأول الماضي، وإعادة انتشار قوات الأمم المتحدة لمراقبة فضّ الاشتباك في المنطقة العازلة. وأضافت أنّ وحدة الأراضي السورية «غير قابلة للتّجزئة أو المساومة»، وأنّ أي «سلام مستدام في المنطقة يجب أن يرتبط بمعالجة جذور التوتر، وعلى رأسها استمرار الاحتلال».
خصّصت القيادة العسكرية الأميركية لـ«قسد» مبلغ 130 مليون دولار في ميزانية العام المقبل
وفي غضون ذلك، سافر الشيباني، إلى الولايات المتحدة لإنجاز التحضيرات اللازمة لزيارة الشرع. واعتبرت إدارة الإعلام في وزارة الخارجية أنّ زيارة الشيباني، «تاريخية، كونها الأولى منذ خمسة وعشرين عاماً، لوزير خارجية سوري، وتشكّل محطّة فارقة في مسار العلاقات السورية – الأميركية بعد عقود من الانقطاع». وتابعت أنها «تعكس انفتاح سوريا على الحوار المباشر مع الولايات المتحدة، سعياً إلى فتح صفحة جديدة من العلاقات، حيث سيتم في أثنائها مناقشة القضايا ذات الاهتمام المشترك في المجالات السياسية والأمنية والاقتصادية، بما يخدم مصالح الشعب السوري».
وفي سياق محاولة توثيق الخطّة الأميركية حول الجنوب، بما فيها السويداء، التي تمّ الاتفاق على وضع خريطة طريق لها بالتعاون مع الأردن، لمعالجة وضعها وفق ترتيبات تتعلّق بتأمين محيطها أولاً، ومن ثمّ فتح باب المصالحة معها – وهو ما رفضه مسؤولو المحافظة في ظلّ الموقف المعلن المتحفّظ على أي تعاون مع السلطات الانتقالية -، علمت «الأخبار» أنّ البعثة السورية في الأمم المتحدة قدّمت الورقة التي تمّ توقيعها في عمّان قبل أيام، إلى مجلس الأمن، بهدف اعتمادها بشكل رسمي في أثناء الجلسة التي عقدها المجلس حول سوريا أمس.
وفي أثناء تلك الجلسة، أعلن المبعوث الأممي، غير بيدرسن، استقالته، بعد نحو سبع سنوات لم يحقّق فيها أي خرق في الملف السوري، الذي بات فعلياً يخضع للولايات المتحدة ومبعوثها الخاص إلى سوريا (برّاك). والأخير بات يؤدّي دوراً شبيهاً بدور المندوب السامي في أثناء مدّة الانتداب الفرنسي، مستعجلاً تحقيق أي خرق في الشأن السوري، الذي أجرى، في أثناء الأسبوع الماضي، سلسلة تغييرات في البعثة الأميركية الخاصة التي تديره عن بُعد في إسطنبول (المنصة الإقليمية الخاصة بسوريا).
وبينما التزمت الخارجية الأميركية الصمت حيال هذه التغييرات، نقلت وكالة «رويترز»، عن مصدر دبلوماسي غربي أنّ الخطوة ترتبط جزئياً بـ«تباين في وجهات النظر» بين بعض الموظفين وبرّاك، حول ملف العلاقة بين «قسد» والشرع.
وتأتي هذه الخطوة بعد أن دخل ملف دمج «الإدارة الذاتية» الكردية التي تقودها «قسد» حالاً من الاستعصاء، عقب رفض الأولى التوقيع على اتفاقية خضوع تام للسلطات الانتقالية حاول برّاك فرضها، وإصرارها على بناء نظام حكم لا مركزي يحافظ على إدارتها، وهو ما فرمل مخطّط برّاك مؤقتاً، ومنَعه من تحقيق «إنجاز» في هذا الملف، الذي تسعى تركيا، المرتبطة بعلاقات وثيقة بالمبعوث الأميركي (بصفته سفير الولايات المتحدة فيها)، إلى إنهائه بشكل كامل ومنع استمرار «الإدارة الذاتية». ويجيء هذا في وقت لا تزال فيه «قسد» تملك قدرات على المناورة عبر اعتمادها على علاقتها المتينة مع القيادة العسكرية الأميركية، التي خصّصت لها مبلغ 130 مليون دولار في ميزانية العام المقبل (2026)، ومع قوى دولية عديدة، بينها فرنسا، الباحثة دوماً عن توسيع نفوذها في سوريا.