سياسة

خطاب الشيخ الهجري: صوت الحكمة في زمن الفتنة – بقلم د. هشام الاعور

في زمن تتزاحم فيه الأصوات، وتضيع فيه الحقيقة بين ضجيج السلاح وضوضاء الإعلام، يخرج من جبل العرب صوتٌ هادئ، ثابت، عاقل، يُعيد للأشياء معناها، وللخطاب الديني قيمته الأصلية. حديثي هنا عن خطاب سماحة شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز في سوريا الشيخ حكمت الهجري، الذي ألقاه بمناسبة عيد الأضحى لهذا العام، والذي حمل في طياته مواقف وعبارات تستحق أن يُتأمل فيها، لا لأنها فقط صادرة عن مقام ديني رفيع، بل لأنها تُعبّر عن وعي سياسي وروحي ووطني نادر التوازن.

في كلمته، التي جمعت بين التضرع إلى الله والاعتراف بالواقع، لم يكتفِ سماحته بالحديث عن فضائل العيد، بل ذهب إلى ما هو أعمق: قراءة جراح السوريين من منطلق مسؤول، لا متحيّز ولا منساق خلف تيارٍ سياسي أو ديني. لقد ترحّم على الشهداء، وعبّر عن الحزن على الأبرياء، لكنه لم يترك ذلك في حيز العاطفة فقط، بل دعمه بنداء عقلاني إلى دولة مدنية ديمقراطية، لامركزية، حديثة، تقوم على الشراكة والمواطنة لا على الطائفة أو الاستئثار بالسلطة.

اللافت في خطابه أنه لم يغازل أحدًا، ولم يُساير أحدًا. بل تحدث بوضوح عن مسؤولية الإعلام العربي في تأجيج الفتنة، ورفض الطائفية بكل أشكالها، مؤكدًا أن “دم السوري على السوري حرام” مهما اختلفت المشارب والانتماءات، في إعادة إحياء لمبدأ أساسي من مبادئ العيش المشترك الذي افتقدناه وسط لهب الحرب.

الأكثر شجاعة في خطابه، هو الاعتراف بأن حمل السلاح في بعض المناطق لم يكن ترفًا ولا طموحًا، بل كان ضرورة دفاعية لحماية النفس والعرض. ومع ذلك، لم يكن تبريرًا للعنف، بل تحذيرًا من استمراره، ودعوة لعودة الدولة والقانون والحق، تحت مظلة وطنية جامعة.

كما جاءت دعوته إلى الاقتصار على إقامة الطقوس الدينية لهذا العيد دون مظاهر احتفالية، احترامًا للدماء والظروف الاقتصادية القاهرة، تأكيدًا على الروح المسؤولة التي تعي أن الاحتفال لا يمكن أن يكون على حساب معاناة الناس، وأن القيادة الدينية الحقة تُعبّر عنهم لا تتعالى عليهم.

لقد كان هذا الخطاب بمثابة خارطة طريق أخلاقية وإنسانية لسوريا التي نريد. سوريا الدولة، لا المزرعة. سوريا المواطن، لا الرعية. سوريا القانون، لا السلاح. في خضم المشهد المعقد، يظهر صوت سماحة الشيخ الهجري كصوت يعيد إلينا الثقة بأن في هذا البلد من لا يزال يتحدث باسم العقل، لا العصبية؛ وباسم الشعب، لا الحزب؛ وباسم الدين، لا الطائفة.

لقد قال الشيخ الهجري كلمته، بصدق، فهل آن أوان الإصغاء؟

أحوال

موقع أخباري يصدر عن شركة مدنية غير ربحية في بيروت، يقدم من خلال مساحة رقمية حرة وعصرية أخبارًا سريعة، عظيمة الثقة، لافتةً للنظر، ثريةً، وتفسيرًا للاتجاهات الحالية والمستقبلية، التي تؤثر في أحوال الناس.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى