منوعات

 سعد المتردّد: خسارات تتكدّس وأمل أخير

“بحكومة وبلا حكومة معك” عبارة تذيّل صورة الرئيس سعد الحريري في منطقة الزيدانية في بيروت، موقّعة بإسم الحاج أحمد الكوش؛ لا يعبّر هذا الموقف عن الرأي العام البيروتي السائد. قد يكون هناك في العاصمة من يشبه الكوش، ومن هو وفيّ لسعد الحريري ويقف معه “على الحلوة والمرّة”؛ ولكن هناك واقع لمسه الحريري نفسه في انتخابات 2018، وفي محطات عديدة أخرى يكاد يكون أهمها الأسبوع الأول من حراك 17 تشرين، ويوم أراد اختبار شعبيته حين سُمّي حسان دياب رئيسًا مكلّفًا تشكيل الحكومة.

في 17 تشرين انكفأ جمهوره عن الدفاع عنه، لا بل أكثر؛ فقد شكّلت ساحات طرابلس وبيروت وصيدا عصبًا حقيقيًا خلع عنه عباءة الحريرية السياسية.

يوم تسمية دياب نزل العشرات إلى كورنيش المزرعة وما لبثوا أن عادوا أدراجهم نحو كاراج درويش بعدما تبلّغوا من مسؤولين مناطقيين في المستقبل أن الإعتراض على دياب هو مجّاني وسيُحسب إن شاء الله في ميزان حسنات المحتجّين!

عندما صدمت الأرقام ساكن بيت الوسط

آواخر عام 2019 هناك من أتى للحريري بدراسة حول نسبة تأييد “السنّة” له، فلم يصدّق الرجل أنّ النسبة هي 17%، وطالب بدراسة من مؤسسة موثوقة أخرى لتأتي النتيجة متقاربة، فوقعت الصدمة.

استجمع الرجل قواه ليدرك أنّ الخسارة هي خسارة عامة، على مختلف الأحزاب والتيارات، حلفائه وأخصامه على السواء. وقد يكون في لاوعيه قد راكم الخسارات؛ يهواها هو منذ أن قبل بزيارة سوريا مرغمًا متردّدًأ، ومنذ أن دخل البيت الأبيض رئيسًا متردّدًا للحكومة وخرج منه مستقيلًا، ومنذ أن تداعى اللبنانيون لإنقاذه من الإحتجاز في بلدٍ آخر يحمل هو جنسيته، ومنذ أن أخرج هو موظفي تلفزيون المستقبل خاليي الوفاض ليعود ويخرجه الناس من السلطة. باتت الخسارة في حياة ابن رفيق الحريري كشرب الماء، يسعى هو إليها بكل ما أُوتي من قوة.

خرج الحريري من السلطة لحوالي عامٍ كامل، ويوم أراد العودة إليها تردّد لأشهر طويلة، ليعود ويصطدم بمجموعة ڤيتوهات لم يكن ليتوقّعها يوم ورث الحالة السياسية لوالده الراحل. السعودية والولايات المتحدة والرفض ثالثهما! إن سُئل الحريري أيّهما أصعب عليك: الڤيتو الدولي أم خسارة الشعبية السياسية في لبنان؟ لأجاب دون تردّد أنّ خوض غمار السياسة يحتاج لمن يستفيق باكرًا ويعدّ عدّته ويبني المخطّطات وينسج العلاقات ويقرأ في السياسة ويتصرّف، والصعوبة تكمن في عدم استيقاظه باكرً!

الحريري يسير وفق استراتيجية

يكاد يكون العام 2020 هو عام النضوج السياسي بالنسبة للحريري. وضع الرجل استراتيجية جديدة. قد تكون هذه الاستراتيجية غير مكتوبة، ولكنّه سيمضي في تطبيقها بشكل عفوي.

في المرحلة الأولى، يسعى لتثبيت عودته إلى السلطة من بوابة تشكيل الحكومة. يسير على حافة الهاوية بين سعي لتشكيل حكومة من دون ظهور علني لحزب الله فيها من جهة، وبين محاولة “إلباس” حسان دياب موضوع رفع الدعم من جهة ثانية.

سيسعى الحريري بلا شك لتصوير كل خطوة من خطوات حكومته، في حال تشكيلها، على أنّها إنجاز. قد يكون تكتيكه هذا صائبًا كونه سيحكم في ظل خسارة اللبنانيين أموالهم ورفع الدعم عن غذائهم وانهيار مؤسساتهم وقدراتهم الشرائية. سيتمسكّون حينها بأي قشة ترميها لهم الدولة، والحريري اعتاد رمي السنارات لسمك لا يجيد السباحة! يشيع الحريري في محيطه أنّه مصمم على الذهاب بعيدًا في موضوع التدقيق الجنائي، كونه السلّم الوحيد الذي سيكرّس بقاءه في الحياة السياسية، حيث أسرّ في جلسة موسّعة في منزله أن سقوط الحكومة هذه المرة يعني النهاية!

استراتيجية الحريري تقوم في بندها الثاني على محاولة استهداف المناطق السنّية تحديدًا، من خلال ما سيتيسّر من دعم دولي يراهن عليه الرئيس المكلّف. هذا الأمر يُراد منه قطع الطريق على شقيقه بهاء في مراكز الثقل السني لا سيما طرابلس وعكار.

سيقاتل الحريري لأجل تحقيق النقطتين، حيث يراهن على دعم دولي كبير، ويشيع في هذا الخصوص أن اتفاقًا فرنسيًا مصريًا تمّ في لقاء ماكرون-السيسي الأخير على إعادة الدور العربي الريادي للسعودية، لمحاولة منع التمدّد التركي في الدول العربية لا سيما في لبنان، وأن الأداة الأقوى لإعادة نفوذها هو سعد الحريري نفسه!

في حال أتى فريق عمل “نيتفليكس” إلى بيروت وأراد انتاج فيلم عن سعد الحريري لعنونه بلا شك بـ “المتردّد”. إن تمكّن من علاج هذه النقطة، واستثمر في خساراته السابقة وأراد النجاح، أمامه فرصة أخيرة لا تحمل التردّد؛ فإمّا تشكيل حكومة تُنجز المستحيل، أو تسقط ويسقط هو معها إلى غير رجعة، لتبقى يافطة الزيدانية في العراء وحدها تمثّل رهان البعض على من خسر نفسه!

ماهر الدنا

ماهر الدنا

صحافي لبناني. يحمل شهادة الاجازة في الإقتصاد. عمل في العديد من وسائل الاعلام المحلية والعربية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى