منوعات

 مقاومة الفلسطيني توقظ العروبة النائمة

“مرحبا” بالعربية – بدأ النص المختصر الذي وصل إلى ربة منزل في القدس في منتصف العمر على هاتفها المحمول. “تم التعرّف على مشاركتك في أعمال عنف في المسجد الأقصى. ستتم محاسبتك. المخابرات الإسرائيلية”.

كانت ربة المنزل، التي تعيش على بعد دقائق قليلة سيرًا على الأقدام من المسجد الأقصى، قد ذهبت للمشاركة بصلاة العشاء بحسب ما ذكرت CNN. وحال سنها من الإنضمام إلى مئات الشباب الذين قاوموا بالحجارة والألعاب النارية عندما اقتحمت قوات الأمن الإسرائيلية المسجد الأقصى. كما تلّقى العديد من الأشخاص الآخرين رسالة متطابقة على هواتفهم .

فـ “إسرائيل” تمتلك جميع الوسائل التقنية الموجودة تحت تصرّف حكومة القرن الحادي والعشرين للسيطرة على السكان.

بالإضافة إلى التكنولوجيا التي تتعقّب حركة الهواتف المحمولة الفردية، تستخدم “إسرائيل” طائرات بدون طيار تراقب عن كثب التحركات في البلدة القديمة وحولها، بمساعدة مئات من كاميرات الدوائر التلفزيونية المغلقة. وقد تم نشر الآلاف من رجال الشرطة المسلحة لإخماد الاضطرابات الحالية، بمساعدة شاحنات الشرطة التي تنفث ما يسميه الفلسطينيون “مياه الصرف الصحي”، وهو سائل ضار تم رشه على المتظاهرين والمارة والسيارات والمتاجر والمنازل. وتفتخر “إسرائيل” بامتلاكها أجهزة استخبارات داخلية وخارجية أسطورية، وهي واحدة من أفضل القوات المسلّحة المجهزة والمتقدمة تقنيًا على وجه الأرض، بالإضافة إلى ترسانة نووية مرفوضة قانونياً وإنسانياً ورسميًا.

حكام التطبيع بين “إسرائيل” و مواقف التنديد

أمام التطهير العرقي وجرائم الحرب التي يرتكبها المحتل الإسرائيلي بحق الفلسطينيين، لا بدّ أن تتوتر علاقات الكيان مع العالم العربي، سيّما الدول التي وافقت على تطبيع العلاقات الثنائية، والتي تركن الآن في زاوية الضغوطات، أمام أصوات شعوبها الصارخة التي تطالبها اليوم بإلغاء اتفاقيات التطبيع والوقوف بجنب الفلسطينيين. هذا الضغط المتزايد من العالم العربي يجعل الحياة أكثر تعقيدًا بالنسبة للسياسيين والدول، مثل الإمارات والمغرب والسودان والبحرين، التي وافقت على علاقات سلمية وعلاقات اقتصادية مع إسرائيل بعد عقود من المواقف المتجمدة والعدائية.

بالمقابل، عاد اشتعال معارك الشوارع الأخيرة في القدس الشرقية بالنفع على الطواحين السياسية في طهران وأنقرة.

وفي أغسطس / آب 2020، عندما وقّعت الإمارات العربية المتحدة أولاً ثم البحرين والمغرب والسودان اتفاقيات تطبيع مع إسرائيل، وصفها كل من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وعلي خامنئي، المرشد الأعلى لإيران، بأنها ليست سوى خيانة للإسلام. وقد جاء ردهما كتناقض صارخ مع رد فعل غالبية القادة السياسيين العرب، الذين اختاروا إمّا الصمت أو عدم انتقاد ما يسمى باتفاقيات إبراهيم.

وسط التصعيد الحالي في القدس الشرقية، جدّد البلدان انتقاداتهما لإسرائيل. وقال خامنئي في خطاب متلفز يوم الجمعة، يوم القدس العالمي، إنّ “محاربة هذا النظام الاستبدادي هي محاربة القمع ومحاربة الإرهاب. وهذا واجب عام لمحاربة هذا النظام “. وقال إنّ التطبيع محرّم شرعاً ووصفه بأنه “طعنة في ظهر فلسطين”. وتساءل رئيس البرلمان الإيراني محمد باقر قاليباف في جلسة مفتوحة يوم الثلاثاء، عن سبب التزام المجتمع الدولي الصمت، وحذّر من أن المجتمع الإسلامي يقف ضد هذه “الإبادة الجماعية”، بحسب وكالة أنباء الجمهورية الإسلامية الإيرانية.

الصحف السعودية والإماراتية

العالم العربي كلّه انتفض لأجل فلسطين؛ فامتلأت مواقع التواصل بالمنشورات المناهضة لوحشية الإحتلال؛ وتكثفت الرسائل الصريحة من قبل وسائل الإعلام الشعبية التي تخاطب العالم العربي ككل، ولم تترك مجالًا لتبرير إجرام إسرائيل. وكتبت صحيفة العربي الجديد “انفجرت الفقاعات الوهمية”. وذكرت الصحيفة التي تموّلها قطر أن كل من “يعتبر التطبيع مع العدو واجبه” خائن. وفيما اعتمدت السعودية لهجة تدين الاحتلال الاسرائيلي في إعلامها، إكتفت صحف الإمارات بأخبار منقولة عن الوكالات.

تركيا وإيران تحاولان الاستفادة من سخونة الأحداث

قالت سينزيا بيانكو، المحلّلة في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية (ECFR)، “لا شك في أن كلاً من تركيا وإيران ستحاولان الاستفادة من أحداث فلسطين سياسيًا، ومهاجمة خصومهما الإقليميين من خلال الانخراط مع إسرائيل”.

وتابعت في حديث لـ DW، “قد يستغل أردوغان، وكذلك خامنئي، حقيقة أن المملكة العربية السعودية، الدولة السنية الأكثر أهمية في العالم العربي، قد نجحت في تحسين العلاقات مع إسرائيل. يبقى أن نرى ما إذا كان هذا سيتحوّل إلى ضرر للرياض ضد تلك الدول التي حاولت تأسيس قيادتها من خلال معادتها لإسرائيل”.

في تركيا، كتب المتحدث باسم أردوغان إبراهيم كالين على تويتر أنه يجب على إسرائيل التوقف عن مهاجمة الفلسطينيين في القدس. وقال “على العالم أن يتحرّك لوقف هذا العدوان الإسرائيلي الذي لا ينتهي ضد المدنيين العزل في أرضهم”.

حتى في البداية، لم تلقَ علاقات التطبيع التي أقيمت حديثًا استقبالًا جيدًا من قبل أجزاء من سكان هذه البلدان، وكذلك من قبل العديد من مواطني الدول العربية الأخرى. لموازنة المشاعر السلبية في الشوارع، برّر رؤساء الدول والحكومات العربية المعنية توقيعاتهم رسميًا على أمل نزع فتيل الصراع في الشرق الأوسط.

وفي حفل التوقيع بين الإمارات وإسرائيل الصيف الماضي، أكد ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد بن سلطان آل نهيان أن الجانبين توصلا إلى اتفاق “لوقف المزيد من الضم الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية”. كما تحدث الاتفاق، الذي تم التنسيق له عبر مكالمة هاتفية مع الرئيس الأميركي آنذاك دونالد ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، عن خطط للاتفاق على “التعاون ووضع خارطة طريق نحو إقامة علاقة ثنائية”.

وقالت كيرستين مولر، وزيرة الدولة السابقة في وزارة الخارجية الألمانية الاتحادية المشاركة في المجلس الألماني للعلاقات الخارجية: “بالنسبة لاتفاقات إبراهيم، لعب الصراع في الشرق الأوسط دورًا غير مباشر، في أحسن الأحوال. فالعلاقات الاقتصادية والتحالفات المشتركة ضد إيران كانت أكثر أهمية”.

وقالت مولر لـ DW: إنّ منظمات المستوطنين المتطرفة تستخدم هذا اليوم كاستفزاز مستهدف من خلال السير في الأحياء العربية في القدس الشرقية. ومع ذلك، هذه المرة، تصاعدت ولديها القدرة الآن على إشعال حريق في الهشيم”.

على الأرجح أنّ حلفاء إسرائيل الجدد يدركون تمامًا التأثير المحتمل للتوترات الأخيرة في القدس، نظرًا للمشاعر المؤيدة إلى حد كبير للفلسطينيين في بلدانهم – فضلاً عن الضغط الذي يتعيّن عليهم تحمله لكونهم حلفاء “لإسرائيل”.

وقالت سينزيا بيانكو من المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية: ” لا زالت الاشتباكات في مراحلها الحادة”. وأكدت أن “الإمارات ستكون متيقظة لمشاعر الشارع العربي الذي تأثر بعمق بالتصعيد ضد الفلسطينيين، لكنها لن تسمح لذلك بالتأثير على سياساتها الإقليمية”.

فهل تنجح الشعوب العربية بالضغط على حكامها لانتهاج سياسة  مناهضة جديدة بحق الاحتلال الإسرائيلي؟

أحوال

موقع أخباري يصدر عن شركة مدنية غير ربحية في بيروت، يقدم من خلال مساحة رقمية حرة وعصرية أخبارًا سريعة، عظيمة الثقة، لافتةً للنظر، ثريةً، وتفسيرًا للاتجاهات الحالية والمستقبلية، التي تؤثر في أحوال الناس.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى