منوعات

ضغوط وتهديدات تضع الحريري أمام خيارين

لم يَخّرُج الدخان الأبيض من بعبدا إيذاناً بإعلان ولادة الحكومة، بل ظهرت الشياطين في التفاصيل في ربع الساعة الأخير، علماً أن معلومات “أحوال” أكدت بأن التسويق للمناخ التفاؤلي كان مقصوداً وجزءاً من شد الحبال التفاوضية ولم  يكن مبنياً على وقائع ومعطيات متينة. فالرئيس المكلّف سعد الحريري الذي ضرب موعداً لتأليف الحكومة قبل عيد الميلاد أُصيب مرة أخرى بالإحباط وسقط في مستنقع الوعود الوهمية. وخرج بعد لقائه مع رئيس الجمهورية ميشال عون بأعذار ومبرّرات لعدم الإتفاق مع عون ضارباً موعداً جديداً للتأليف في العام المقبل.

فما هي أسباب عرقلة ولادة الحكومة؟ وهل هي داخلية أم داخلية؟

مصادر متابعة لملف التأليف أشارت لـ”أحوال” إلى أن “السبب الحقيقي لتأخير تأليف الحكومة هو القرار الأميركي بعدم تأليف حكومة في لبنان إلا وفق الشروط الأميركية وهي:

حكومة من دون مشاركة حزب الله.

حكومة توقّع على إتفاقية ترسيم للحدود مع فلسطين المحتلة وفق الصيغة الإسرائيلية.

حكومة تضع الأكثرية النيابية خارج المعادلة بذريعة حكومة الإختصاصيين.

وأكدت المصادر أن “حكومة بهذه الشروط لن ترى النور بشكل مطلق، فيما الحريري لن يشكّل حكومة بغير إرادة الأميركيين، وبالتالي لا حكومة في ظل وجود وزير الخارجية الأميركي الحالي مايك بومبيو”.

وعلم “أحوال” في هذا السياق أنّ “الحريري يتعرّض لشتى الضغوط الخارجية سيما الأميركية، وللإبتزاز بالكشف عن فضائح مالية وشخصية فضلاً عن عقوبات مالية تشمله ومقربين منه”.

وكشفت المصادر أيضاً أن أي حكومة ستؤلف سوف تذهب إلى تصحيح العلاقات مع سوريا، سيما على صعيد حل أزمة النزوح السوري. وهنا كشفت المصادر عن شبه اتفاق بين الحكومة السورية ورئيسي الجمهورية عون والحكومة حسان دياب على إعادة النازحين السوريين فور تأليف الحكومية الجديدة، مشيرة إلى أن “وزير الشؤون الاجتماعية رمزي المشرفية خلال زيارته إلى سوريا ومشاركته في مؤتمر النازحين الذي عقد في دمشق منذ شهرين بدعوة من روسيا، وضع والحكومة السورية الخطوط العريضة لعودة النازحين”.

ولفتت المصادر إلى أن فريق رئاسة الجمهورية والمقاومة يرفضون تأليف حكومة تشبه حكومة الرئيس تمام سلام التي منعت الجيش اللبناني من مواجهة الإرهاب في الجرود، وشرّعت البلد أمام المشروع الأميركي الإرهابي.

وبحسب مطلعين على الوضع السياسي، فإنّ الجميع أدرك بأن هذه الحكومة ستكون آخر حكومات العهد وبالتالي سيكون عمرها طويلاً، وسترث الفراغ الرئاسي في حال لم يتم التوصل إلى اتفاق على انتخاب رئيس جديد للجمهورية. وبالتالي تعمل القوى كافة سيما رئيس الجمهورية وتياره السياسي على تعزيز نفوذهم وحصتهم في الحكومة التي ستتسلم زمام الحكم في ظل الفراغ الرئاسي، فضلاً عن القرارات التي ستتخذها في الملفات السياسية والأمنية والاقتصادية والمالية والنقدية الكبرى.

حزب الله وقواعد التأليف

وكشف مصدر  مطلع على موقف حزب الله لموقعنا عن مساعٍ قام بها الحزب لتسهيل التأليف، لكنها لم تتكلّل بالنجاح واصطدمت بموانع وشروط معقدة. ونفى المصدر الإتهامات التي تطال الحزب بأنه يعرقل تأليف الحكومة لحساب مصالح إقليمية ومرتبطة بالملف النووي الإيراني بالتذكير بأن الحزب عمل على فك الحريري من مكان احتجازه ورفض استقالته القسرية في العام 2017 من السعودية. كما رفض الحزب استقالة الحريري بعد أحداث تشرين أول 2019؛ كما أصر على عودته إلى رئاسة الحكومة بعد استقالة حكومة الرئيس حسان دياب، وكان أول المسهّلين لعودته إلى تشيكل حكومة جديدة. لكن من يعطّل تأليف الحكومة هو القرار الأميركي واستمرار مفاعيل خطة بومبيو للبنان بتعميم الفراغ كجزء من الخطة لأخذه إلى الإنهيار المالي والاقتصادي؛ وشدد المصدر على أن “كل من يؤخر ولادة الحكومة يخدم خطة الفراغ التي يعمل على فرضها الأميركيون”.

وأوضح المصدر أن موقف حزب الله حيال الحكومة ينطلق من ثوابت وقواعد ثلاثة:

أولاً، حكومة تعكس الواقع السياسي والنيابي في البلد أي أن تمثل أوسع شريحة سياسية ونيابية ممكنة.

ثانياً، حكومة لا تكون تحت الوصاية الأميركية سيما في الملفات والقضايا السياسية والأمنية الكبرى.

ثالثاً، وهذا ما يصر عليه الحزب عدم إستئثار فريق واحد في القرار الحكومي.

وأكد المصد أن “المشروع الأميركي الإرهابي الإسرائيلي فشل في تحقيق أهدافه في لبنان وسوريا والعراق واليمن، ويجري التعويض عن الهزائم بحروب نفسية على محور المقاومة سيما في لبنان، لفرض شروط سياسية وأمنية في ما تبقى من وقت للإدارة الأميركية الحالية”. وتوقع المصدر أن تبدأ المؤشرات الإيجابية بالظهور بعد تسلم الرئيس المنتخب جو بايدن لجهة عودة المفاوضات الأميركية الإيرانية لإحياء التفاهم النووي، الأمر الذي سينعكس تلقائياً على لبنان بشكلٍ إيجابي ويسرع في تأليف حكومة جديدة خلال شهرين”.

وأفادت أوساط بعبدا لـ”أحوال” إلى أن الرئيسين عون والحريري تباحثا في التشكيلة الحكومية في ضوء الطروحات التي تم طرحها في لقاء الثلاثاء خصوصاً لجهة أن تكون الحكومة منتجة وفاعلة؛ لكن لم يتم التوصل الى اتفاق نهائي حول التشكيلة بل تم الإتفاق على الإستمرار بالتشاور خلال اجتماعات لاحقة تحدد أوقاتها لاحقاً”. ولفتت الأوساط إلى أن “هناك نقاط عالقة والحكومة يجب أن تكون حكومة تتمتع بالتكافؤ وإلا فهي لا تستطيع أن تحكم وتقوم بالمسؤوليات المطلوبة منها”.

وبحسب ما علم “أحوال”، فإنّ الخلاف على وزارتي العدل والداخلية بين الرئيسين عون والحريري هي إحدى أهم العقد التي تواجه التأليف”.

في المقابل، اتهمت مصادر بيت الوسط رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل وبعض المستشارين في القصر بتعطيل تأليف الحكومة، وقالت إنّ “وطاويط القصر” تحركت ليلاً لتعكير الجو والإعداد لجولة جديدة من التعقيدات على جري عادتها منذ التكليف”.

عطالله: الحريري يهرب إلى الأمام

وعلّقت أوساط مراقبة على كلام الحريري من بعبدا بأنه يتناقض مع ما سربته مصادر بيت الوسط، مشيرة إلى أن الحريري يرمي فشله وعجزه وتقيده في الشروط والخطوط الحمر الأميركية، على النائب باسيل كون “جسمه لبيس”، لكن الحريري والجميع يعرفون أين العقدة والمشكلة.

وأكد عضو كتلة لبنان القوي النائب جورج عطالله لـ”أحوال” أن “كلام الحريري من بعبدا الذي ثم تسريب مصادره من بيت الوسط، يعكس الإرباك الذي يعاني منه الحريري داخلياً لعجزه عن تنفيذ الوعود التي قطعها للأطراف الداخلية بمنحها حقائب ووزارات، وخارجياً بعجزه عن تأليف حكومة تقصي حزب الله وحلفائه سيما التيار الوطني الحر عن الحكومة تحت ضغط العقوبات المباشرة عليه والفريق المقرب منه. ولذلك يعمل على ضرب المواعيد الوهمية والوعود الفارغة لتقطيع الوقت ورمي تهمة التعطيل على النائب باسيل وبالتالي الهروب إلى الأمام من مسؤولياته بانتظار تطورات ما”.

وأضاف عطالله: “إذا كان الحريري واثقاً بقدرته على تأليف الحكومة، فلماذا لا يضع تشكيلته النهائية في عهدة الرئيس عون لتوقيعها؟ كاشفاً أن عون سلّم الحريري في اللقاء الحادي عشر خارطة الطريق المطلوبة لتأليف الحكومة وفق معايير محددة وبالإستناد إلى الدستور وتكريس شراكة رئيس الجمهورية”؛ مشدداً على أن تيار المستقبل هو المسؤول عن تسريب الأجواء السلبية سيما استفزازه رئاسة الجمهورية في بيانات رسمية كالقول بأن الرئيس المكلف هو من يشكل الحكومة ورئيس الجمهورية فقط يوقع ويصدر المراسيم”.

وجزم عطالله بأن “عون لن يوقع حكومة لا تراعي المعايير الموحدة والأصول الدستورية والتوازنات النيابية والسياسية”، متسائلاً ممن ستأخذ الحكومة الثقة؟ أليس من المجلس النيابي المؤلف من القوى البرلمانية؟ وشدد على أن الحريري أمام حلين: إما أن يطبق الآلية الدستورية بتأليف حكومة مع رئيس الجمهورية بمعزل عن تدخل كافة الأحزاب السياسية، وإما مراعاة التوازنات النيابية وفق المعايير الموحدة”. فيما قالت مصادر أخرى في التيار الوطني الحر أن الحل الأخير ربما يكون اعتذار الحريري.

محمد حمية

 

 

 

 

محمد حمية

صحافي وكاتب سياسي لبناني. يحمل شهادة الماجستير في العلاقات الدولية والدبلوماسية من الجامعة اللبنانية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى