“مبادرة” خلف تشعل الخلاف بين “ثوار” 17 تشرين
الثورة موحّدة أفقيأ تحت المطالب الإجتماعية ومنقسمة عمودياً بين طيف "8 " و"14"
“قررنا أن نفجّر صوتنا عاصفة تهزّ الضمائر الملوّثة”، ما كاد نقيب محامي بيروت ملحم خلف ينهي كلمته خلال الإعلان عن مبادرة إنقاذية وطنية بعنوان “معاً نستردّ الدولة” حتى إنفجرت بين “ثوار” ومجموعات حراك 17 تشرين عبر وسائل التواصل الإجتماعي وتطبيق الواتساب، بين منتقد لـخلف “دينامو” هذه المبادرة ومدافع عن “نقيب الثوار” كما أُطلق عليه يوم إنتخابه.
فالمبادرة تتحدث عن مرحلتين:
* المرحلة الأولى:
أ- تشكيل حكومة من مستقلين متخصصين في سلم أولوياتها إقرار بدء تنفيذ خطة إنقاذية مالية – إقتصادية – إجتماعية تقوم على تعزيز الحماية الإجتماعية وتحقيق العدالة في قضية تفجير مرفأ بيروت وتنفيذ خطة وطنية لمكافحة جائحة كورونا وإطلاق مسار الإصلاحات ومناهضة كل أشكال الفساد.
ب- إعادة تكوين السلطة عبر إقرار قانون مجلس شيوخ بحسب ما ورد في الدستور، إقرار قانون إنتخاب خارج القيد الطائفي، وإجراء انتخابات لمجلسي النواب والشيوخ في اليوم نفسه.
* المرحلة الثانية:
تشكيل حكومة جديدة تتولى ثلاث مهام أساسية: إستكمال تحصين تطبيق الإصلاحات مع تدعيم الخطة الإنقاذية، إنفاذ اللامركزية الإدارية وإقرار قانون أحزاب على قاعدة وطنية غير طائفية.
لكن عدم تطرق المبادرة الى المشكلة السيادية للدولة ومعضلة السلاح المتفلت وسلاح “حزب الله” هو الذي تسبب بـ “هيستيريا” حوارية بين الثوار. لم يشفع بالنقيب خلف وصفه المبادرة بأنها “إنقاذية وطنية بعيدة عن أي تجاذبات وعن أي مصالح وخارطة طريق للخروج من الأزمة” و”مبادرة متكاملة لا تُقارب بجزئياتها بل بكليتها” ولا تأكيده أنها “نتيجة التشاور والتحاور لأكثر من ثلاثة أشهر وكسر كل الحواجز الإصطناعية حيث أضحى للمشاركين لغة واحدة، مبادرة واحدة جامعة، مبادرة صناعة لبنانية مئة في المئة”.
مرّة جديدة يظهر أن حراك “17 تشرين” ثلاثي الأضلع سياسياً: فريق يعتبر أن “السلاح يحمي الفساد” لذا يضع ملف سلاح “حزب الله” في رأس القائمة، فريق لا ينفي دور السلاح في إعاقة قيام الدولة لكن يتحاشى طرحه ويعطي الأولوية لمعالجة مكافحة الفساد خوفاً من تشرذم جماهير “17 تشرين” وفريق ثالث يرفض تناول سلاح “الحزب” ويعتبره ضمانة للبلاد ويفصل كلياً بينه وبين الفساد والإنهيار المالي والاقتصادي القائم.
نُشرت صور لخلف كتب عليها “خائن للثورة” قابلها صور له كتب عليها “يمثلني”. بعضهم أشار الى “إرتباط” خلف بالرئيس نبيه بري الذي منحه أصوات ثنائي “حزب الله” – “أمل” في إنتخابات النقابة والبعض الآخر إعتبر أنه “نقيب الثورة والوطن وما بدو فحص بالوطنية”. بعضهم رأى أن “الدولة هي من تعطي شرعية للسلاح غير الشرعي فلنصنع دولة ولكل حادث حديث” والبعض الآخر سأل: “كيف يمكن أن تصنعوا دولة بوجود سلاح غير شرعي؟”. بعضهم قال “صار لنا سنة تنظير ومبادرات ولقاءات وكلها طبخات بحص والعالم قرفت منا” والبعض الآخر يردّ “شبعنا إنتقادات لبعضنا والتصويب على كل شي لمصالح وأجندات خاصة”.
رئيس “جبهة السيادة اللبنانية” المنضوية في تجمع “مجموعات الثورة السيادية” بهجت سلامة يعتبر في حديث مع “أحوال” أنه سيكون هناك بالطبع تداعيات لما حدث على الحراك، مضيفاً: “بعد 13 شهراً على الثورة لم يأت النقيب على ذكر السبب الأساس وهو فقدان السيادة. كيف يمكن نجاح أي حل بمعزل عن نزع السلاح وبسط سيادة لبنان على أراضيه؟ كما أن تطبيق الدستور ليس انتقائياً. لا يمكن قيام الدولة المدنية ومجلس الشيوخ في ظل وجود السلاح الذي سيضمن تحقيق مصلحة حزب الله. أي أنتخابات ستحصل – أياً يكن القانون – وإن فاز بها الثوار فلن يستطيعوا ان يحكموا ليوم واحد وهذا سيولّد إحباطاً جديداً. المبادرة تخدم مبادرة الثنائي “حزب الله” و”أمل”. إن كان النقيب خلف النظيف والإدامي يطبق أجندة “حزب الله” عن قصد مصيبة وإن عن غير قصد مصيبة أيضاً”.
في المقابل، تؤكّد إحدى الناشطات في الثورة الدكتورة وجيهة عثمان أنه “من المعيب تخوين النقيب خلف فهو صاحب تاريخ نضالي مشرف”، مضيفة: “بهورة حصرية السلاح لا تفيد، فهل من يدعو لنزعه مستعد لإشعال حرب أهلية؟! معالجة هذا الملف قرار بين الدول. فلنحقق أولاً مطالبنا ولنغيّر النظام وحينها الدولة تسحب السلاح بكل بساطة. فشل تحرك الثوار في 6 أيار بمجرد طرح سلاح حزب الله وتطبيق القرار 1559 ونصف الثوار قاطعوا النشاط. إن عدم ذكر مسألة السلاح في المبادرة لا يستحق ردة الفعل هذه ولا حملات التخوين التي شهدناها. ربما كان الأجدى أن تتحدث عن نزع كل الأسلحة الموجودة على الأراضي اللبنانية وهكذا لا تستهدف فئة معينة. يجب ألا ننفر جماهير “حزب الله” بل أن نجلبها الى الثورة”.
النقيب خلف علّق على اللغط الذي رافق عدم ذكر مسألة السلاح غير الشرعي في المبادرة موضحاً انه “عندما نسترد الدولة هي لها شرعيتها وقوانينها وتسترد كل الصلاحيات فيها. يجب عدم زج هذه المبادرة بتجاذبات ومصالح فهي تهدف لإعادة تكوين السلطة وبعد ذلك هذا النقاش صحيح ومفيد”.
تحاشي المبادرة طرح ملف سلاح “حزب الله” وردّة الفعل على ذلك تعزّزان نظرية أن “17 تشرين” موحدة أفقياً تحت المطالب الإجتماعية والاقتصادية ومنقسمة عمودياً بين طيف “8 آذار” و”14 آذار”، فهل هي قادرة على الإنتاجية ودحض هذه النظرية أم بحاجة الى ثورة داخل الثورة؟