ميديا وفنون

أغاني الاستقلال: أسمع كلامك أصدقك

بين الحلم والواقع الأليم... كلمات وطنية مؤثرة وأفعال مافياوية

يمرّ على نيل لبنان استقلاله على الأوراق الرسمية 77 عاماً، وطيلة هذه المدّة يجتهد الكتاب والشعراء والإعلاميين وكلّ وسائل التواصل منذ بدايتها لغاية اليوم لبثّ أغان وطنية تسمعها وتردّدها الأجيال المتلاحقة في عيد الاستقلال.

ومن الأغنيات لفتت كانت للفنانة القديرة صباح التي غنّتها في عيد الاستقلال في العام 1974، والتي قالت فيها: (لبنان شرفي وأرضي بيتي وعرضي أغلا من الدنيي يا سيدي ولو بدّك تقطعلي ايدي على بيعهن مش ممكن أمضي). بعد مرور أكثر من 43 سنة على هذه الأغنية، ماذا يحصل؟ من سيمضي ومن خان ومن اعتبر لبنان أغلى من الدنيا غير محبّي أغنيات صباح؟

أما فيروز التي ناجت لبنان من خلال أغنية “بحبك يا لبنان” والتي  رسّخها الناس وكأنها صلاة من صوت ملائكي، جعل من لبنان رمز حب وسلام، إلّا أنّ من تلاعب بمصير لبنان لم يعرف المعنى الملائكي المفروض أن يحافظ عليه كما تمنّى الصوت النقي.

فيما كانت أغنية “لبنان يا قطعة سما” للفنان الكبير وديع الصافي، وهي أشبه بترتيلة عالية النبرة تجعل ليس اللّبناني فحسب بل كل من يسمعها يشعر بتعلّق مقدّس بهذا البلد.

هم أيقونات لبنان، هم كما قال لي ذات مرّة الكبير وديع الصافي “أنا رمز لبنان والعمود السابع في بعلبك وليس السياسيون”.

ونتابع بأغنية الفنان الراحل مروان محفوظ “يا سيف على الأعدا طايل” التي نالت شهرة كبيرة تخطّت حدود الوطن، ويردّدها الناس ليس في الأعياد الوطنية، بل حتى في حفلاتهم، والبعض وصل الى حد استفزاز خصمه السياسي فيها خلال الحفلة، فكلّما سمعوا الأغنية تجمّعوا ليرفعوا شعاراتهم ويرقصوا على أنغامها فيعرف الحاضرون من هو عوني ومن هو قواتي ومن هو حركة ومن شيوعي وغيرهم، من خلال إطلاق أشكال الشعارات. بينما مضمون الأغنية أنّ السيف يطال الأعداء، فيما التقاتل الداخلي وصل إلى حدّ السيف بين أبناء الشعب الواحد الذي يغنّي الأغنية وينفعل معها من دون التفاعل مع مضمونها.

فيما شكّلت أغنية “بكتب اسمك يا بلادي” للفنان جوزيف عازار، التي اعتبرت أقرب إلى النشيد الوطني، وتغنّى في كل المناسبات الوطنية وأهمّها الاستقلال، لا يدخل المستمع إلى عمق معانيها، خصوصًا من يسعى ليهاجر ليحمل اسم لبنان معه، ولا يسعى لتغيّر داخلي.

أمّا أغنية “تعلا وتتعمر يا دار” أغنية الشحرورة صباح، مليئة بالحياة وتعطي الأمل دائمًا بلبنان أفضل وأجمل. إذا قارنّاها بما يحصل في الآونة الأخيرة من إهمال تعرّض له لبنان بعد انفجار المرفأ والتقارير التي تتحدّث عن المساعدات للإعمار، فيما التحقيقات تظهر البطء والإهمال اللامتناهي.

فيما شكّلت أغنية “راجع يتعمّر لبنان” للمطرب زكي ناصيف، جزء من وعي اللبنانيين هي التي رافقت طفولتنا إبّان الحرب وتحوّلت نشيدًا شعبيًا تعطي المعنويات والأمل لتخطّي الأزمات. ولكن، كيف جرى الإعمار وتعمير؟ ديون من جيوب الناس وسياسات مالية جعلت أكثر من ثلثي الشعب يعيش بطريقة تدريجية تحت خط الفقر، إلى أن يفرض عليه سياسة الاستسلام.

فيما جعلت أغنية “عم بحلمك يا حلم يا لبنان” للفنانة ماجدة الرومي التي كانت تحفزّ اللّبناني بغزيرة مليئة بالحب دائمًا تجاه لبنان. ولكن، بقي الحلم حلمًا بوجود مواطن قدّس عناصر طائفية ومذهبية ومافياوية جمّدت حلمه بلبنان.

لتأتي بعدها الأغنيات الحديثة على سبيل المثال لا الحصر أغنية “قلن إنّك لبناني” التي قدّمها الفنان عاصي الحلاني، وباتت نجمة المسرح في لبنان والمغتربات، ودخلت قلوب الجميع، ولكن الآن هل بات اللّبناني متفاخرًا بإنجازات اليوم من دمار وافلاس؟ هذا ما عاد يقينًا مع صعوبة أن يعود الوطن إلى ركنه الأصيل في ظلّ المؤامرات الخارجية والتي تشارك فيها أصابع لبنانية.

فيما غيّرت أغنية “لبنان رح يرجع” للفنان جوزيف عطية، والتي تشبه بثورتها الفنية أغنية عاصي في المناسبات والحفلات. وأيضًا كيف سيرجع فيما لا يهتم السياسيون.

وغيرها الكثير من الأغنيات الوطنية التي يستذكرها الإعلام فقط في المناسبات الوطنية والتي خصّوها أيضًا في أوبرات غنائية ومهرجانات مدعومة، إلّا أنّ أرض الواقع لا تمت للأغنية بصلة في زمننا الحالي، وننتظر زمنًا لشعب واعٍ على الأقل يعمل على ترجمة ما يردّده في الأغاني الوطنية كي لا تبقى كلمات حنين حين يهاجر معظم الشعب ليبحث عن وطنٍ يقدّره كإنسان.

 

هناء حاج

هناء حاج

كاتبة وصحافية لبنانية، درست الصحافة في كلية الاعلام والعلوم السياسية في كلية الحقوق في الجامعة اللبنانية. عملت في الصحافة المكتوبة والمرئية والمسموعة في العديد من المؤسسات اللبنانية والعربية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى