منوعات

الإضراب الدبلوماسي والصراع على نيويورك وواشنطن والفاتيكان

“تمرد دبلوماسي في وجه رئيس الحكومة نجيب ميقاتي”. هو عنوان الإضراب الذي أعلنه سفراء ورؤساء الوحدات وديبلوماسيون في وزارة الخارجية بعد امتناع الأخير عن طرح ملف التشكيلات الديبلوماسية المتفق عليه مسبقاً لمرات عدّة في جلسة الحكومة الأخيرة.

سنوات مرّت على الإهمال السياسي، بسبب المناكفات، لملف التشكيلات الدبلوماسية وهو ليس طارئَا. فمنذ 5 سنوات لم يُحسم مصير سفراء مكثوا في وزارة الخارجية لمدة تتجاوز ما يجيزه القانون وهي عامين فقط على أن يتم تعيينهم بعد هذين العامين في الخارج.

كانت آخر دفعة من التشكيلات الدبلوماسية عام 2018 ضمن تسوية بين الرئيس سعد الحريري والنائب جبران باسيل. وبعد ذلك التاريخ اتسعت الفجوة الدبلوماسية بسبب الشغور في السفارات اللبنانية ومن بينها موقع سفارة واشنطن كما انتهت المدّة القانونية لشغل سفراء في الإدارة المركزية مواقعهم في الخارج، المحدّدة بعشر سنوات للفئة الأولى وسبع سنوات للفئة الثانية.

وخلال السنوات الأخيرة ارتفعت حدّة المأزق الدبلوماسي بسبب الأزمة المالية الحادّة، وارتفعت معها طلبات المطالبين بالتوقف عن الخدمة بسبب عجز الدولة عن تحويل رواتب دبلوماسييها بالدولار، فيما يُعاني من هم في الوزارة من الهوّة المالية الفادحة بينهم وبين من “يحتلون” خلافًا للقانون مراكزهم في الخارج.

أوساط ميقاتي ترد على الاتهامات ضدّه، بالتأكيد على أن الاتفاق على إنجاز ملف التعيينات الدبلوماسية تمّ على أساس بندين: أولهما ملء الشواغر على مستوى رئيس بعثة في عشر سفارات لبنانية، واجراء تشكيلات جزئية تشمل اعادة كل السفراء الذين تجاوزت مدة وجودهم في الخارج العشر سنوات، على أن يحلّ مكانهم السفراء الموجودون في الادارة المركزية.

وتحت عنوان الأخذ بالاعتبار الظروف المالية والاقتصادية الصعبة، التي يمر بها لبنان، فإن التوافق تمّ مع وزير الخارجية عبدالله بو حبيب على أن تعتمد التصنيفات على معيار الأقدمية والتراتبية بين مرشحي كافة الطوائف، وأن تقتصر المناقلات على من يستوفي الشروط في المراكز الضرورية وليس جميع المراكز التي تصل إلى حوالي 40 مركزًا، وذلك تجنبًا للأكلاف العالية لمثل هذه المناقلات ما لا تحتمله الخزينة العامّة.

هذه المعايير، التي تمّ الاتفاق عليها، لم تُترجم في مسودات التشكيلات التي قدّمها بو حبيب إلى رئيس الحكومة. وبالتالي تمّ رفضها. وتتهم أوساط ميقاتي أن الجهات المتضررة من الإنجاز الجزئي لتشكيلات ضرورية منصفة تضغط من خلال الدعوات إلى الإضراب لإتمام صفقات يتم استثمارها في الحملات الانتخابية.

الإضراب الدبلوماسي، لم يكن شاملًا اليوم في وزارة الخارجية، حيث انكبت بعض الدوائر وبينها مكتب الوزير والأمانة العامّة على الاهتمام بعودة السفراء الخليجيين وبينهم سفيرا السعودية والكويت إلى لبنان، فيما عملت أخرى على الترتيبات المرافقة لملف اقتراع المغتربين بالتواصل والتنسيق مع السفارات والبعثات الخارجية.

مقابل ما يردده ميقاتي عن أهمية التشكيلات ترى مصادر مطلعة أن كل همّه، ضمنيًا، منع أي خطوة لإجراء تعيينات ومبادلات دبلوماسية لتفادي توظيفها من قبل باسيل في الانتخابات النيابية المقبلة لصالح تياره، ورفضه أن يسمّي باسيل المسيحيين ويضعهم من حصّته في نهاية عهد الرئيس ميشال عون.

بين من يريد إتمام التشكيلات الدبلوماسية ومن يرفضها ثمة من يرى من الدبلوماسيين أن لا معاندة رئيس الحكومة نجيب ميقاتي تنفع ولا مكابرة الآخرين على عدم الأخذ بالاعتبار الأزمة المالية، والإصرار على تعيينات ستُكلّف الدولة 6 ملايين دولار في الوقت الحالي.

وبالتالي فإن تشكيلات سريعة ومُصغّرة لملء الشغور في السفارات، وإرسال مَن هم في الإدارة المركزية إلى الخارج، وعودة سفراء تجاوزوا المهلة القصوى لتمثيل لبنان في الخارج إلى الإدارة المركزية هو الحل الأمثل ولو كان متأخرًا جدًا على أبواب استحقاق انتخابي وبالتالي حكومة جديدة بعد الانتخابات وانتخابات رئاسية في نهاية المطاف ستُبدّل الهيئات الدبلوماسية، من دون نسيان حقوق من هم أهل لحركة المناقلات.

وتجدر الإشارة إلى أن العرف المتبع مع كل رئيس جديد للجمهورية أن يعمد الى مناقلات في سفارات عدد من الدول الاساسية ومنها الفاتيكان وفرنسا وواشنطن وروسيا ولندن، ولذا ليس مستبعداً ان يخضع سفراء هذه الدول للتبديل مجدداً مع انتخاب رئيس جديد للجمهورية.

الاشتباك السياسي يعلو على حقوق الموظفين في لبنان وعلى انسيابية الدورة الدبلوماسية للبنان ويُصر البعض على أن يكون دبلوماسيو لبنان ممثلين لهم لا للدولة. يُحاول وزير الخارجية اجتياز هذا المطب، فيما تعمل القوى السياسية على تقاسم هويات المناقلات وفق المعايير الطائفية والسياسية، وفق “كوتا” تقسيمات مالية وقضائية ودبلوماسية، أي “عطيني هون بعطيك هونيك”!…

بحسب المسودات التي تمّ الاتفاق عليها جرت حركة مناقلات شملت: استبدال سفير لبنان الحالي في الفاتيكان فريد الياس الخازن وتعيين المدير العامّ لرئاسة الجمهورية الدكتور أنطوان شقير مكانه. ونقل فرح نبيه برّي من قطر إلى لندن.

وفي المسودة تمّ تعيين القائم بأعمال السفارة اللبنانية في الكويت هادي هاشم سفيراً للبنان لدى الأمم المتحدة مكان آمال مدللي في نيويورك، وقد رفض ميقاتي هذا التعيين الذي نسّقه مساعد باسيل طارق صادق، وقد اعتبره ميقاتي غير قانوني لأنه بحكم الأقدمية فإن ترفيع هاشم من الفئة بعد ترفيعه الثانية إلى الفئة الأولى يحرم آخرين بين الدبلوماسيين الموارنة ممن لهم الأحقية بالتعيين. وقد تمّ الاتفاق على نقل سفير لبنان في ألمانيا مصطفى أديب إلى واشنطن برغبة من ميقاتي، على أن يتم نقل الأمين العام للوزارة هاني شميطلي إلى برلين.

وفيما يُصوّب رئيس الحكومة على باسيل فإن كل القوى السياسية الاساسية خصصت مندوبًا عنها للتنسيق مع وزير الخارجية، وقد زار بو حبيب رئيس مجلس النواب نبيه بري ليضعا اللمسات الاخيرة على توزيع أسماء الشيعة، وتولّى أكرم شهيب وضع أسماء الدروز، ومستشار ميقاتي بطرس عساكر وضع أسماء السنّة.

العودة إلى نقطة الصفر في ملف التشكيلات الدبلوماسية لمآرب سياسية، لن تعطي لأعضاء السلك الدبلوماسي حقوقهم المهدورة، لذلك كان الاضراب التحذيري من يوم الجمعة حتى الاثنين لإفساح المجال أمام تدارك المسؤولين لحجم المشكلة والاستجابة لما هو حق مشروع وأساسي، في ظل الظروف المعيشية غير المسبوقة والغلاء وحرصاً على سمعة الدبلوماسيين من سفراء ورؤساء بعثات، مع التشديد على أن هذا التحرك بعيد كل البعد عن أي اعتبارات سياسية.​

 

رانيا برو

صحافية وكاتبة لبنانية. عملت في مؤسسات اعلامية لبنانية وعربية مكتوبة ومرئية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى