اشتباك متجدد بين ميقاتي والتيار
لأن لبنان يختلف بتعقيداته عن “الدول الطبيعية”، ولأن نظامه السياسي الهجين ينتج ما هب ودب من الأزمات، فإن مجرد طرح فكرة عقد جلسة لحكومة تصريف الأعمال كان كافياً لافتعال زوبعة.. في فنجان.
صحيح أن الرئيس نجيب ميقاتي كان قد أكد مراراً أنه لا يحبذ الدعوة إلى اجتماع مجلس الوزراء حتى لا يتسبب في وجع للرأس ولا يؤجح الخلافات والانقسامات الداخلية، لكنه كان في كل مرة يستدرك بالإشارة إلى أنه لن يدعو إلى جلسة إلا في إذا اقتضت الضرورة ذلك.
ولما كان لبنان مثقلاً بالازمات الاجتماعية والاقتصادية فإن “الضرورة” يمكن أن تطرأ في اي لحظة، كما حصل أخيراً مع تفاقم مخاطر الوضع الصحي.
بعدما تبيّن أنه يلزم من أجل صرف مستحقات المستشفيات عن الخدمات المقدمة للمرضى وضع مرسوم لتحديد سقوف المستشفيات وتطبيق الزيادات التي تمت على التعرفات، إذ أنه وبسبب عدم انعقاد مجلس الوزراء، لم يصدر هذا المرسوم، وبالتالي أبلغت وزارة المالية وزارة الصحة بتعذر صرف هذه المستحقات، ما يهدد استمرارية تقديم خدمات المستشفيات للمرضى.
هذا الواقع دفع ميقاتي إلى البحث في إمكان دعوة حكومة تصريف الأعمال إلى الانعقاد لاتخاذ القرارت المناسبة في الشأن الطبي، وربما غيره أيضاً.
وتفيد المعلومات أن ميقاتي ناقش الأمر مع الرئيس مجلس النواب نبيه بري، ونال موافقته على هذا الخيار الاضطراري “انطلاقاً من أن صحة الناس تتقدم على أي حسابات سياسية.”
لكن وما إن بدأ التداول بطرح ميقاتي حتى استيقظت هواجس التيار الوطني الحر المتعلقة بتوازنات الحكم والشراكة.
أساساً، لم يكن التيار في وارد القبول بأن تتولى حكومة تصريف الأعمال صلاحيات رئيس الجمهورية وأن تحل محله في سلطة محكومة بالتوازن والتوافق، منطلقاً من أن حكومة ميقاتي لا تملك هذا الحق كونها مستقيلة وتُصرّف الأعمال ضمن الحيز الضيق، إضافة إلى أنها فقدت الثقة النيابية بعد الانتخابات الأخيرة التي افرزت مجلساً جديداً.
إلا أن حزب الله ساهم آنذاك في تليين موقف التيار وتبريد مخاوفه، على قاعدة أن حكومة تصريف الأعمال لن تجتمع إلا في حالة الضرورة القصوى، وإذا حصل أن التأمت خارج أحكام هذه الضرورة فإن الحزب سيتضامن مع التيار في مقاطعة الجلسة.
غير أن المشكلة حالياً تكمن في الالتباس حول تحديد ماإاذا كانت هناك ضرورة حقيقية تبرر انعقاد مجلس الوزراء أم لا.
بالنسبة إلى بري وميقاتي لا شيء يعلو على حماية صحة الناس وتأمين مستلزماتها، أما التيار فيعتبر أن هذه الضرورة مصطنعة لأن مشكلة المستحقات المتراكمة للمستشفيات ليست جديدة والتذرع بأن هناك حاجة لتسويتها الآن ما هو سوى دخان تمويهي لتغطية عقد جلسة غبر مشروعة لمجلس الوزراء.
من اللحظة الأولى للشغور الرئاسي مع انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون استشعر التيار بأن ميقاتي يضمر الانقضاض على موقع رئيس الجمهورية واقتناص أي فرصة لدعوة حكومته الى الاجتماع بهذه الحجة أو تلك.
ويفترض التيار أن بري وميقاتي هما الأكثر استفادة من الشغور وأنهما سيفعلان كل ما في وسعهما لملئه على حساب موقع رئاسة الجمهورية، الأمر الذي ينفيه رئيسا الحكومة والمجلس، مع تأكيدهما في الوقت نفسه وجوب ضمان الحد الأدنى الممكن من انتظام عمل الدولة وعدم السماح بتمدد الفراغ من قصر بعبدا إلى مؤسسات دستورية أخرى.
أياً يكن الأمر، يبدو أن التيار سيستخدم كل الأسلحة الممكنة من أجل مواجهة مسعى ميقاتي للم شمل حكومته في جلسة الضرورة، فمن سيربح هذه المعركة الجانبية التي تدور على ضفاف الوقت الضائع في انتظار انتخاب الرئيس الجديد؟
عماد مرمل