“التيار” و”القوات” يتفقان.. على بري
لا رئيس للجمهورية، لا حكومة أصيلة مكتملة الصلاحيات، لا حكومة تصريف أعمال متوافق عليها، ولا طاولة حوار وطني!
هي مرحلة انعدام الوزن والتوازن بامتياز. وحتى مسعى الرئيس نبيه بري لإختصارها قدر الإمكان، عبر جمع اللاعبين المحليين حول طاولة واحدة، لم ينجح لتكتمل بذلك فصول الفراغ المتمادي والمدوي.
انتهى “الحوار الرئاسي” قبل أن يبدأ، في إشارة واضحة الى حجم الانسداد في شرايين الداخل.
لم يتأخر الراعي المفترض للحوار الرئيس نبيه بري في نعيه رسميا بعدما تم إجهاضه من بعض الجهات التي كانت مدعوة اليه.
لم يصبر بري كثيراً على المعترضين موحياً بأنه ليس مضطراً إلى تحمل غنجهم في مرحلة لا تتحمل ترف الدلال السياسي، بل عاجلهم ببيان اعتذار عن الإستمرار في مبادرة الحوار، محمّلاً على نحو خاص التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية مسؤولية إفشالها.
يعرف بري أن لا جدوى حقيقية من أي حوار حول استحقاق انتخاب رئيس الجمهورية الماروني، لا يشارك فيه المكونان المسيحي الأوسع تمثيلاً، خصوصاً أن الوصول إلى قصر بعبدا يتطلب المرور الإلزامي في الرابية ومعراب أو في أحدهما على الأقل، حتى يكتسب الرئيس المقبل حداً أدنى من الشرعية المسيحية.
وأمام سلبية “التيار” و”القوات” حيال اقتراح بري ومحاولة كل منهما التغيير في طبيعة أو شكل الحوار الذي قصده أساساً، قرر رئيس المجلس أن يطوي مبادرته متصرفاً على قاعدة أنه لن يكون ملكياً أكثر من الملك، وكأنه يعتبر في قرارة نفسه أن ما دام الطرفان اللذان يمثلان الكتلتين المسيحيتين الأكبر في مجلس النواب، غير متحمسين لحوار يراد منه حصراً ملء الشغور في الموقع المسيحي الأول في الدولة خلال اقصر وقت ممكن، فلماذا يتوجب علي أن أحمل السلم بالعرض وان أحفر في صخر المواقف المتصلبة من دون أن يكون المستفيدون الأوائل من أي حوار “ممنونين”؟
أراد بري من خلال محاولة تنظيم الحوار الوطني المعجل المكرر بـ”مادة وحيدة”، لا غير، تبرئة ذمته كرئيس للسلطة التشريعية معني بأن يكون ضابط إيقاع الاستحقاق الرئاسي، وهذا ما حققه بشكل او بآخر.
والمفارقة، أن “التيار” و”القوات” اللذان يختلفان على كل شيء تقريباً اتفقا هذه المرة على عدم التجاوب مع دعوة بري، كلٌ لأسبابه وحساباته.
“التيار” الذي يخوض معركة شرسة ضد بري منذ انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون لا يريد منحه امتياز رعاية حوار يعتبره من صلاحيات رئيس الجمهورية ولا يستسيغ الجلوس إلى جانب من بتهمه صباحاً ومساءً بإفشال العهد، أما “القوات” فترفض مبدأ الحوار بالجملة والمفرق في هذه الفترة، سواء مع تكتل لبنان القوي الذي رفضت استقباله أو حزب الله الذي لا تجد جدوى من محاورته وصولاً إلى محاولتها تفريغ دعوة بري من محتواها عبر اقتراحها استبدال الحوار بجلسات انتخاب مفتوحة إلى حين انتخاب الرئيس.
صحيح أن نتيجة الحوار لو انعقد ليست مضمونة لكنه كان سيملأ على الأقل بعضاً من الفراغين الرئاسي والحكومة في انتظار الإنفراج والإفراج عن رئيس الجمهورية.
لكن حتى هذا الحد الأدنى من تنظيم الفوضى السياسية بات متعذراً، علماً أن هناك من كان يتوقع أن تدفع دينامية ترسيم الحدود البحرية في اتجاه تسهيل تشكيل الحكومة وإجراء الانتخابات الرئاسية، الأمر الذي لم يحصل.
عماد مرمل