الكوليرا يُهدّد طرابلس وتدابير خجولة تواجه تفشّيه فيها
لا يبعث العدد الضئيل من إصابات مرض الكوليرا المُسجّل في طرابلس، حسب الجدول اليومي الذي يصدره برنامج الترصّد الوبائي في وزارة الصحّة، على اطمئنان الأهالي في عاصمة الشّمال عن أنّهم يعيشون في أمان، وأنّ عناصر الوقاية الصحيّة متوافرة لهم، بل العكس، في ضوء معطيات تحذر من أنّ المدينة تقف على حافّة إنهيار صحّي وبيئي بالغ الخطورة.
لا شيء في طرابلس يدلّ على أنّ دروع الوقاية والحماية متوافرة في المدينة بهدف تحصين السكّان من الإصابة بمرض الكوليرا، ومنع حصول كارثة صحيّة فيها سيكون من الصعب جدّاً التمكّن من احتوائها، في مرحلة لاحقة، نظراً لضعف عوامل المناعة فيها على كلّ الصّعد.
عناصر الإهتراء الصحّي متوافرة بكثرة لافتة في طرابلس، من ضعف وتداعي شبكة الصرف الصحّي وتداخلها مع شبكة مياه الشّرب ومياه الآبار الجوفية، ومكبّ النّفايات الذي تحوّل جبلاً لا تنفكّ روائحه الكريهة تنتشر من أقصى المدينة إلى أقصاها تزامناً مع روائح حرق الدواليب لاستخراج النحاس منها، وتحوّل مجرى نهر أبو علي إلى مكب عشوائي ومقزز للنفايات ومياه الصرف الصحّي، بينما محطة التكرير التي كلفت ملايين الدولارات في طريقها لأن تتحوّل إلى خردة بسبب إبقائها منذ سنوات خارج الخدمة.
إلّا أنّ أبرز عوامل الخوف من إنتشار مرض الكوليرا في طرابلس يبقى في انقطاع المياه عنها منذ أشهر نتيجة إنقطاع التيّار الكهربائي عن مضخّات مصلحة مياه طرابلس، وهو ما أوضحه رئيس قسم الإنتاج في المصلحة كمال مولود لـ”أحوال” من أنّه “نحتاج إلى 2 ميغاوات كهرباء فقط لتشغيل المضخّات وإيصال المياه إلى المشتركين في المدينة، لكنّ هذه الكمية البسيطة من الكهرباء لا تصلنا إلا مقننة، وبعد مراجعات وتدخّلات واتصالات عديدة، كما أنّ مخزوننا من مادة المازوت قد نفد إبتداءً من مطلع شهر تشرين الأوّل”.
إنقطاع المياه عن أغلب أحياء المدينة جعل الجفاف يسيطر على الصنابير في البيوت والمحال التجارية، بشكل جعل الإهتمام بالنظافة الشّخصية يتحوّل إلى ترفٍ لا يناله كثيرون، إضافة إلى أنّ الجفاف وصل إلى المساجد التي دفع بعضها إلى مناداة المصلّين بأن يأتوا إليها متوضئين لأنّه لا يوجد مياه فيها، وصولاً إلى المدارس الرسمية التي تعاني من إنقطاعٍ تامٍ للمياه عنها، الأمر الذي جعل مدراء بعضها يحذّرون من وقوع “كوارث” صحّية فيها في حال ظهرت أيّ إصابة كوليرا فيها.
هذا الواقع الصعب الذي يقف على الأبواب ويهدّد طرابلس بـ”كارثة صحيّة” بكلّ معنى الكلمة، دفع مدير المستشفى الحكومي في المدينة ناصر عدرة لأن يبدي لـ”أحوال” قلقه “من عدم قدرة المستشفى على استيعاب الإصابات في حال تفشي مرض الكوليرا في طرابلس، لأنّه عندها سنكون قد بتنا في أزمة حقيقية”.
ومع أنّ عدرة نصح “باتخاذ الإجراءات الوقائية الضرورية لمواجهة الكوليرا، من الحرص على النّظافة، إلى التنبّه وعدم شراء الخضر والفواكه التي تُسقى بمياه ملوّثة، وأن تكون مياه الشّرب نظيفة”، معتبراً أنّه “إذا عالجنا مشكلة تلوّث مياه الشّرب سنكون عالجنا القسم الأكبر من المشكلة، وتفادينا المحظور قبل وقوعه”.
غير أنّ تأمين مياه شرب نظيفة ليس بمقدور أغلب العائلات في مدينة يعيش قرابة 80 في المئة منهم تحت خطّ الفقر، حسب إحصاءات وزارة الشّؤون الإجتماعية ومنظمة اليونيسيف التابعة للأمم المتحدة، ذلك أنّ سعر غالون مياه شرب سعة 10 ليترات لا يقلّ عن 20 ألف ليرة كحدّ أدنى، يدفع كثيرين للإستغناء عنها، والبحث عن بدائل مثل صهاريج مياه تقوم جمعيات بتوزيعها مجاناً على الأهالي، أو تأمين المياه عبر سُبُل مياه عامّة منتشرة في أرجاء المدينة؛ ومع أنّ بعضها تبيّن بعد إجراء فحوصات مخبرية لها بأنّها ملوّثة، كما هو حال سُبل مياه قرب جامع حربا في منطقة باب التبّانة، فإنّ الأهالي رفضوا، قبل أيّام، قيام وفد من وزارة الصحّة مصحوباً بالقوى الأمنية إغلاقها، لأنّها المصدر الوحيد لهم لتأمين مياه الشّرب!
عبد الكافي الصمد