داليا وعربة “الكعكة الطرابلسية”: من معالم ساحة “أبو شاكر” البيروتية
قست عليها الظروف فقررت المواجهة بقوة وشجاعة، وما بين الاستسلام والاندفاع هل من خيار؟
على حوافي ساحة “أبو شاكر” في قلب بيروت تقف داليا ن. وأمامها عربتها، عربة تحولت من قطعة معدنية الى مصدر حياة وباباً للرزق، عربة كانت فتحاً عظيماً لانتشال عائلة من براثن الجوع والعوز، هي على الأقل تحولت من مادة الى روح أعطت هذه العائلة قطرة اسكيرٍ للحياة ومبعث أمل بغدٍ أفضل.
القصة بدأت حين أُغلقت بوجه السيدة الخمسينية كل سبل العيش، فقررت المواجهة وبدأت العمل الخاص، تأمين لقمة العيش بـ”الحلال وبعزة نفس دون منةٍ من أحد”، هي كواحدة من أبناء هذا الشعب اللبناني الرازح تحت نير الهموم والآلام: عربة لبيع “الكعكة الطرابلسية”.
فكرة بسيطة سريعاً ما كبرت وأضحت حقيقة واقعة في أحد أحياء العاصمة، ويمكن أن تكون معلماً جميلاً في زوايا ساحات المدينة وجزءً من تقليدها اليومي: تناول الكعكة بطعماتها المختلفة.
بدأت الفكرة في ذهن داليا.ن، لتنطلق ابنة الطريق الجديدة كل صباح إلى ساحة أبو شاكر التي تضج بالمارة حيث تبدأ حكايتها اليومية هناك، تركن عربتها في إحدى الزوايا ومعها موقد الفحم و”عدة العمل”: كعك وجبنة ولبنة وهوت دوغ ومارتديلا وشوكولا.
تجهّز العككة حسب طلب الزبون على بسطة زجاجية أمامها، موزّعة ابتساماتها في عيون الآتين بلطف فائض.
زبائن يأتون خصيصاً لتذوق “ياممي كعكة”، منهم من يفضل تنويع الحشوات فيما بعضهم الآخر يفضلها “كعكعة طرابلسية تقليدية” مع كوب من الشاي أو عبوة عصير: “لا يُعلى عليها” بحسب إبن المنطقة محمود الذي يجلس مستأنساً بـ”قرقعة” نرجيلته على الرصيف.
داليا أعادت الكعكة الطرابلسية إلى أذهان أهل بيروت، وفتحت من خوابي الذاكرة أبواباً على دسكاكر من ذكريات “كعكة العصرونية” التي خفت نجمها، بعد أن نالت شهرة كبيرة وإقبالاً هائلاً حتى أصبحت “كعكة كل لبناني” اليومية، وازدهرت محال وعربات بيعها عند كل مداخل العاصمة وعلى امتداد طريقها.
تؤكد السيدة داليا وتكرر لنا “حلمي أبعد من هذه العربة، هي البداية الى أن أصل الى مشروع عربة الطعام المتنقلة”.
وتضيف “دفعتني الظروف الصعبة الى هنا بعد أن خسرت عملي، لكن مشروعي الجدّي قد بدأ مع هذه العربة بشكل مصغّر منذ أربعة أشهر، وما يميزني هو تنوع خيارات وحشوات “الكعكة الطرابلسية”… طعمها لذيذ، التفنن في محتوياتها، وسأعمل جاهدةً على بقاء هذه اللقمة الطيبة وتطوير المكونات في المراحل المقبلة”.
تقول كلامها والى جانب العربة يقف أحد الزبائن يمضغ كعكته بشهية مفرطة ويتدخل معنا بالقول “طعم لا يوصف لهذه الكعكة المحشوة بالهوت دوغ والقشقوان، لكن الأطيب في هذه الزاوية هو حسن استقبال داليا لنا يومياً وأصبحنا أصدقاء ونعرف أخبار بعضنا والفضل لها بحسن استقبالها وبشاشة وجهها”.
وهي تزيد بالقول “لهذه الكعكة ناسها فمعظمهم يحبون تناولها كوجبة “سناك”، تغويهم في كل الأوقات ولم تعد وجبة صباحية كما هو التقليد”.
وعند الحساب تفاجئ داليا زبائنها بالحسومات وكرم الضيافة وهي التي تراعي ظروف الناس الاقتصادية “خاصة ونحن في منطقة شعبية الله يعين اهلها على ترتيب امورهم اليومية، أحياناً يكون الإقبال على شراء العكعة كبيراً فأبيع نحو 20 كعكة في اليوم ومرات أقل يكون خفيفاً فأقفل باكراً شاكرةً الله على رزقي بأي حال”.
وعند سؤالها عن السعر تختم بجدية الواثق “يا بنتي هذه الكعكة تباع عند معظم العربات المجاورة بـ 40 ألف ليرة، بينما أنا ما زلت أصرّ على بيعها بـ 30 ألفاً، يكفيني القليل من الربح والمزيد من الزبائن وضمان استمرارية عملي في المستقبل فهي مصدر رزق عائلتي”.
داليا أثبتت عن جدارة أن “الجنس اللطيف” قادر على دخول معترك الحياة من الباب العريض، وإصرارها أكد على أن العصامية لا يحدها وقت أو عمر معين فطموحها لن يتوقف عند هذه العربة، وشغفها بإنشاء عربة طعام متنقلة سيكون التالي.
ناديا الحلاق