أميركا تستحضر المارينز لتتدخل في لبنان فما هو مصير الحكومة؟
الأجواء التفاؤلية التي سيطرت على اللبنانيين عشية تشكيل حكومة الرئيس المكلّف سعد الحريري لم تمرّ سالمة من تحرّك أميركي ظهر عبر تمرير رسائل قد يطرح تساؤلاً عن أهداف غير معلنة لضرب المفاوضات حول الحكومة، وتذكير الرئيس المكلّف والمنخرطين في التشكيل بضرورة إقصاء حزب الله كلياً. نيّة واشنطن ظهرت اليوم جليّة في موقفين: الأول احتفالها الاستعراضي في السفارة الأميركية بذكرى مقتل العسكريين في 23 تشرين الأول 1983 في ثكنة المارينز في بيروت، وإعلان وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو العقوبات على مسؤولين في حزب الله، الشيخ نبيل قاووق والشيخ حسن البغدادي، من باب فضح “أنشطة” ما أسماه “الجماعة الإرهابية وتعطيل شبكاتها التشغيلية”، داعياً إلى تقييد أنشطة المقاومة في العالم.
العقوبات الأميركية تهدف إلى عزل حزب الله
ترى مصادر متابعة لملف المفاوضات حول تشكيل الحكومة أنّ أميركا تحاول ضرب المبادرة الفرنسية من جهة، والتلويح للشارع اللبناني بضرورة إقصاء حزب الله عن الحكومة من جهة أخرى، مستغلّة بذلك ذكرى مقتل جنودها للتأثير على مجرى الانتخابات الأميركية وتوجيه المواطن نحو التصويت لترامب بعد إظهاره بالرجل القوي الذي يخيف “أعداء أميركا”.
العميد الركن المتقاعد، والخبير والمحلّل العسكري، د. أمين حطيط يربط تزامن العقوبات على قاووق والبغدادي بسير المفاوضات حول تشكيل الحكومة، ويلفت في حديث لـ أحوال” إلى ثلاثة أسباب وراء العقوبات الجديدة على لبنان.
- استمرار السياسة الأميركية بالعمل على فرض ضغوطات قصوى ضد محور المقاومة وحزب الله بشكل خاص.
- تذكير المعنيين بتشكيل الحكومة بموقف أميركا الرافض لوجود حزب الله بشكل مباشر أو غير مباشر، مشيراً إلى أنّ واشنطن تسعى في كل حدث وطني وعند تضافر الجهود اللبنانية ضمنها حزب الله، إلى توجيه رسالة إما للتذكير أو التأثير. وهنا يوضح حطيط أنّ الرسالة اليوم هي لتذكير الحريري أنّ واشنطن تتكفّل بمعاقبة حزب الله.
- ربط ملف ترسيم الحدود بالمفاوضات؛ إذ يبدو جلياً أنّ اهتمام أميركا ينصّب على المفاوضات طامحة بذلك أن تحقّق المصالح الإسرائيلية. وما العقوبات إلاّ رسالة مباشرة لتوفير فرص أفضل لإسرائيل تسعى لها واشنطن “كوسيط” لنجاح المفاوضات في الناقورة.
ويعتبر حطيط أنّ “أميركا أرادت اليوم إيصال رسالة للوفد المفاوض تشرح من خلالها قدرتها على تخفيف “أعباء الضغوط التي يمارسها حزب الله”، كي تدفع بالمفاوض اللبناني للتنازل عن الحقوق.”
هذا، ويرى الكاتب والباحث العسكري المتخصص في قضايا الشرق الأوسط سمير الحسن أنّ لبنان في مواجهة دائماً امام التصعيد الأميركي، ويوضح لـ “أحوال” أنّ الرسالة الأولى التي طالت الوزيرين فنيانوس وخليل هدفت إلى تقويض المبادرة الفرنسية وحشر ماكرون في الزاوية وإظهاره بدور الضعيف والمهمّش. ويشير الحسن إلى أهداف أخرى لواشنطن قد تكون العقوبات الأخيرة إحداها، بهدف توصيل رسالة للحريري ومن يشكلّون حكومة جديدة، بأنّه غير مسموح لأيّ حكومة أن تضم حزب الله، لافتاً إلى تزامنها مع الانتخابات الأميريكة، خاصة في العشرة أيام الأخيرة.
ثلاثة أسباب للضغط الأميركي
فيما تشير معلومات أنّ أميركا تحاول الضغط على لبنان، كي تسهّل لإسرائيل حصولها على مكاسب في ملف مفاوضات ترسيم الحدود، يلفت أمين حطيط أنّه في حال تمسّك لبنان بمعايير القوانين الدولية، لن تحصّل اسرائيل شيئاً، لذا “ستضغط أميركا على لبنان لعدم التمسك بحقوقه”، مبدياً عدم استغرابه لفرض عقوبات مع كل مفاوضات جديدة تُعنى بالشأن اللبناني.
ويصف حطيط رسالة وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو حول تهديد حزب الله بأنّها مثيرة للضحك والسخرية، متسائلاً: أيُعقل أنّ أميركا النووية التي تملك مليون جندي حول العالم وأساطيل، خائفة من تنظيم يعلن عن نفسه كتنظيم ذي استراتيجية دفاعاً عن الارض؟
ويحدّد الخبير العسكري ثلاث غايات من تصريح وزير الخارجية الأميركي:
- تبرير السياسة الإجرامية التي ترتبكها واشنطن بحق المقاومة التي تهدّد إسرائيل ومطامعها.
- الضغط على مجتمعات المقاومة بهدف عزلها وتسهيل ملاحقتها من قبل أميركا.
- إعتراف وتذكير بقوّة أميركا المتعطشة لمطاردة المجموعات المقاومة.
وفي إطارٍ موازٍ، يعتبر الحسن أنّ تزامن العقوبات مع تشكيل الحكومة يهدف إلى ضرب محاولات ماكرون لبث أجواء تفاؤلية، لافتاً أنّ الضغوط تندرج في السياق الاستراتيجي وليس التكتيكي، متوقعاً ارتفاع منسوب الضغوطات حتى انتهاء الانتخابات الاميركية.
وعمّا إذا كانت المفاوضات ستؤثر على سير المفاوضات الجارية لتشكيل الحكومة، يعتبر الحسن أنّه عملياً لا قيمة للضغوط، بل تندرج في إطار التهويل؛ لافتاً إلى توفّر فرص حقيقية للبنان اليوم ، ومرجّحاً نظرية عبوره سالماً إلى حين انتهاء الانتخابات الاميريكة عبر الاستفادة “من الوقت الضائع “.
إحياء ذكرى العسكريين هو استعراض احتفالي
يحاول ترامب أن يظهر كالرجل القوي أمام المواطنين الأميركيين، وكأنّه الرجل الذي لا يُهزم، لذا أتى إحياء ذكرى العسكريين كي تستحضر مكانا للماضي، في تلويحٍ إلى إنزال العقوبات بكل من قام بتنفيذ العملية. ويرى الحسن في هذا السلوك، إحدى الأوراق الانتخابية؛ “يحاول ترامب أن يظهر كالرجل القوي الذي يستطيع إضعاف خصومه”.
وفي هذا السياق، يستغرب حطيط كيف “فاقت أميركا على العسكريين بعد 40 سنة”، واصفاً هذا السلوك بالاستعراضي في محاولة لتذكير واشنطن أنّ هناك دم أميركي في لبنان يبرّر لها التدخلّ في شؤونه، وهذه هي الغاية الأساسية من إحياء الذكرى.
إلى ذلك، ينفي حطيط ما قالته السفيرة الأميركية دوروثي شعيا عن أنّ إحياء ذكرى العسكريين هو تقليد سنوي، لافتاً أنّ الاستعراض بهذه الطريقة غير مسبوق منذ 37 عاماً.
بالمقابل، يعتبر السفير الأسبق لدى واشنطن الدكتور رياض طبارة أنّ لا رسالة سياسية وراء العقوبات، ويحصر إحياء ذكرى العسكريين بأجواء احتفالية واستعراضية، لافتاً أنّ العقوبات لا ثؤثر سياسياً، خاصة أنّها تستهدف حزب الله وهذا ليس بالأمر الجديد، مؤكداً “كنا قلنا هناك رسالة سياسية لو طالت العقوبات أطرافاً غير حزب الله”. ويرى السفير الأسبق لدى واشنطن أنّه كان بإمكان أميركا إيصال رسائل بطرق مباشرة، مؤكداً أنّ الخطوتان اللتان قامت بهما واشنطن اليوم لن يؤثرا على مسار المفاوضات ولا على حزب الله؛ لافتاً إلى أنّ العقوبات لا تهدف إلى ضرب المبادرة الفرنسية، مشيراً إلى أنّ الأميركان تدخلوا مباشرة بالمبادرة الفرنسية عبر سلسلة لقاءات واتصالات؛ “ولذلك أهميته ودلالته” في دخول واشنطن بمنحى جديد لا يشبه تصريحات مساعد وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأدنى ديفيد شينكر عن المبادرة الفرنسية.
ويلفت طبارة إلى إيجابية الجانب اللبناني في التعاطي على صعيد المفاوضات حول رسم الحدود، ويرى أنّ ردة فعل حزب الله مختلفة عن الماضي، مؤكداً أنّه لا مصلحة لكل الأفرقاء الأميركيين والفرنسيين والإيرانيين في انهيار لبنان.
لطيفة الحسنية