يواجه لبنان حالياً أسوأ أزمة اقتصادية في تاريخه، لا بل ذهبت المؤسسات الدولية الى تصنيفها على أنها من بين الأسوأ على مستوى دول العالم منذ القرن التاسع عشر، ومن نتائج الكارثة أن خسر عشرات الآلاف وظائفهم في أنحاء البلد، ويمضي أغلبية السكان يومهم في محاولة لتأمين احتياجاتهم الغذائية الأساسية وسط غياب الخطط والبرامج الاقتصادية الانقاذية والاصلاحات الاجتماعية.
أدت الأزمة إلى انهيار سعر الليرة إلى مستويات قياسية مقابل الدولار في بلد يستورد 80% من احتياجاته الغذائية ومواده الاستهلاكية، وأصاب انهيار سعر الليرة قدرة اللبنانيين الشرائية ما أدى إلى تدهورها، بعد أن ارتفعت أسعار المواد الغذائية بنسبة 200% عن العام 2019 حتى بات أغلبية السكان عاجزين عن شراء احتياجاتهم الاساسية، وزادت أسعار المحروقات بأكثر من 2000% خلال فترة عام فقط.
واستمرت الأمور بالتدهور حتى انخفضت مؤشرات لبنان المعيشية حيث بات يقترب، بفارق 6 مراتب فقط، من الحلول في مركز الصدارة العالمي لمؤشر “الأسوأ” في نوعية الحياة، بعدما حازت بيروت المرتبة 242 من أصل 248 مدينة حول العالم شملها تقرير دولي.
بالتوازي، تبوأت العاصمة اللبنانية الصدارة الإقليمية في غلاء المعيشة بين المدن العربية، وتقدمت بذلك إلى المركز الـ 12 عالمياً مقتربة من التكلفة المرجعية في مدينة نيويورك، والتي يتم اعتمادها كمؤشر للقياس.
وبلغ مؤشر تكلفة المعيشة فيها 95.65 نقطة، أي أقل بنسبة 4.35 في المائة فقط من وحدة القياس البالغة 100 نقطة للمدينة الأميركية.
هذان الترتيبان لم يشكلا مفاجأة لدى اللبنانيين المقيمين في بلد تقلصت فيه مداخيلهم حتى فقدت الكثير من قيمتها، فالرواتب لا تزال تدفع على السعر الرسمي للدولار البالغ 1515 ليرة، في حين يلامس سعره في السوق السوداء عتبة 30 ألفاً، والتضخم المفرط الذي تعدّى 1000 في المائة، ما رمى 80% من السكان تحت خط الفقر، فبلنان الذي كان يتمتّع بمستوى تنمية بشريّة ومتوسّط عمر عاليين انحدر بشكل سريع، ليصبح من الدول التي تمرّ بأسوأ الأزمات الإقتصاديّة والماليّة في التاريخ، بحسب مجلس حقوق الإنسان التابع للامم المتحدة.
فأي مستقبل ينتظر اللبنانيين؟
سؤال يشغل بال اللبنايين وبحسب تقرير صادر عن مجلس حقوق الانسان التابع للأمم المتحدة، فإن 9 من 10 أشخاص تمّ استطلاعهم، اعتبروا أنّ مدخولهم ليس كافياً، في حين لفت 6 من 10 أشخاص تمّ إستطلاعهم أنّهم مستعدّون لمغادرة البلاد في حال تمكّنوا من ذلك.
وقد أشار التقرير إلى أنّ جهود الحكومة لمواجهة الأزمة كانت ضعيفة، بحيث كانت مقيّدة بالمناكفات السياسيّة، في حين اعتبر أنّ الأزمة الماليّة كان بالإمكان تفاديها بحيث نجمت عن عقود من الاستثمارات الاجتماعيّة الفاشلة وعن نظام ضريبي يشجّع التهرّب الضريبي ويعطي الأفضليّة للأغنياء.
وفيما يتناحر السياسيون على حصصهم الوزارية يواجه الشعب اللبناني منفرداً الأزمات واحدة تلو الاخرى ما ينذر بانهيار شامل قد ينتج عنه ما لا تحمد عقباه، والأسوأ لم يأت بعد، ولا تعدو الخلافات حيز المناحرات والصراعات القبلية والشكلية والطائفية والمذهبية ولا من يقارب صلب وعمق الأزمة، أم يحن وقت النقاش الصريح بأسس هذا النظام وهذه التركيبة وتغيير نمط العيش والانتاج؟.
بناءً على يوميات سياسيينا، يبدو أن مستقبلاً مظلماً ينتظر اللّبنانيين “والله يستر”.