أين ذهب مليون “الثورة” بعد عام؟
لم تحمل الذكرى السنوية الأولى “للثورة” الشعبية في لبنان بشائر التغيير المنشود الذي رفعه المشاركون شعاراً منذ عام. رغم أنّ اللّبنانيين يعانون من أزمات سياسية ومالية ومعيشية، كان من المفترض أن تعزّز من حجم المؤيدين “لثورة” 17 تشرين، لكنّ المقارنة البسيطة بين تظاهرة العام الماضي وفعالية الحراك في الذكرى السنوية الأولى “للثورة الشعبية”، تُثبت أنّ تراجعاً حاداً حصل في التأييد الجماهيري. لا يمكن البناء هنا فقط على تدنّي نسبة المشاركين في تظاهرات إطفاء الشمعة الأولى، بل على غياب الوهج الشعبي، وعدم استجابة اللّبنانيين لكلّ أنواع التحشيد من أجل إحياء “الثورة”. فهل أخمد النظام اللّبناني شعلة الحراك؟
كان من المفترض منطقياً أن تتسع مساحات الاحتجاجات نتيجة تمدّد الأزمات في البلد، بعد فشل الحكومة في فرض أي خطوة تلبّي متطلبات الشعب، خصوصاً لعدم وجود مشاريع حلول أو مخارج، لا آنية ولا بعيدة المدى في لبنان: لا آمال بمستقبل أفضل، ولا مقدّرات اقتصادية ومالية توحي بإمكانية تجاوز النفق اللّبناني الأسود، وسط تخبط سياسي يوحي وكأنّ القوى السلطوية لا تكترث لأوجاع المواطنين. على الأقل، فإنّ تراجع قيمة العملة الوطنية كان يفرض الاستنفار اللّبناني الرسمي لوضع أجندة عمل، للحدّ من الانهيار. لكن سياسات القوى تراوح في حساباتها الخاصة وعند حدود مصالحها ونفوذها ورؤاها المتناقضة.
كل ذلك لم يدفع “الثورة” إلى الأمام. لماذا؟
لا بدّ من تفنيد المعطيات:
أولاً، لم تحظَ “الثورة” بثقة أغلبية الشعب، بعد رصد هواجس من أجنداتها مختلفة.
ثانياً، لم تُنتج “الثورة” قيادات وطنية تستطيع توحيد الأهداف وجذب الناس. لا بل أطلّ طامحون لا قدرات عندهم للقيادة، ولا يسمح لهم المنافسون بلعب أي دور قيادي، وحاولوا فرض أنفسهم في الطليعة.
ثالثاً، دخلت أحزاب على جسم “الثورة”، هي بالأساس موضع خلاف بين اللّبنانيين، كحزب “الكتائب” الذي حاول تنصيب نفسه موجّهاً للحراك، أو حزب “القوات” الذي رفد التظاهرات بمحازبيه في مناطق عدّة.
رابعاً، اعتماد “الثورة” على تمويلٍ من شخصيات ورجال أعمال “مشبوهي المصادر” ممّا ساهم في تحطيم الثقة الشعبية نسبياً بالحراك: لماذا يجري التمويل؟ وما هي الأهداف؟
خامساً، سرّعت طبيعة النظام الطائفي في لبنان بضرب جوهر الحراك، فاصطدم الصادقون والوطنيون فيه، بحسابات النظام السياسي الطائفي. وهو سبب رئيس في منع “الثورة” من قطف ثمار ناضجة.
سادساً، رفعُ عناوين استفزازية طيلة أشهر السنة الأولى ساهم في تراجع التحشيد الجماهيري الذي كان قائماً على تنوّع النسيج اللّبناني.
سابعاً، دخول “عناصر مشبوهة” على جسم الحراك الشعبي واعتماد العنف من قبل مجموعات مدفوعة الأجر ومحدّدة الأهداف، قاد إلى تحطيم مشروع “الثورة” السلمي.
ثامناً، توظيف محطات “الثورة” من قبل مجموعات لتنفيذ أجندات سياسية لا علاقة لها باهتمامات المواطنين الثائرين من أجل بلد أفضل، ومدنية الدولة.
تاسعاً، تشتّت الأهداف عند “الثائرين” من دون وجود رؤية موحّدة أدّى إلى إصابة “الثورة” بنزيف حاد، لا يزال مستمراً.
عاشراً، حلّ فايروس كورونا، وحوّل اهتمامات اللّبنانيين من الحراك الشعبي إلى كيفية مواجهة الجائحة، وعدم السماح لها بالتسلّل إلى أجسامهم، مما أدّى إلى وقف مدّ “الثورة” بالتظاهرات.
بعد عام، تعدّدت أسباب الإخفاق في عدم توظيف النقمة الشعبية لتغيير النظام السياسي المسؤول عن أزمات البلد. لذا، فشلت “الثورة” في تحقيق أهدافها. لكنّها استمرت بأعداد مقبولة في منازلهم يطمحون لتغيير النظام، وأعداد خجولة نسبياً في الشارع، رغم ازدياد السخط الشعبي على السلطة. فماذا بعد؟ هل ينتظر الناقمون على النظام والمستاؤون من الأزمات المتراكمة الانتخابات النيابية لفرض أجندة التغيير؟ أم أنّ تباين “الثوار” سيُتَرجم عدم ثقة في أي استحقاق مقبل؟ طالما الأسباب العشرة موجودة في مساحة “الثورة”، لا يوجد الاّ الفشل. سنوية الحراك أكّدت تلك النتيجة.
عباس ضاهر