“تحرير أموال” يفتح باب “الفرج” بين أميركا وإيران ولبنان أبرز المستفيدين
تغلي المنطقة اليوم على وقع الصراع بين أميركا وإيران، الذي أرخى بظلاله على كافة ملفات المنطقة. من العراق، مروراً بلبنان، وصولاً إلى اليمن، يبدو أن طرفي النزاع، طهران وواشنطن، بدآ بالتفكير بمرحلة ما بعد الإنتخابات الرئاسية الأميركية في تشرين الثاني المقبل.
بين أروقة هذا الصراع، تفوح رائحة تسويات تُرسم، قد لا يكون لبنان بعيداً عنها. وكأن السلطات في إيران، سلّمت أمرها للفرص المرتفعة للرئيس الحالي دونالد ترامب بالعودة إلى البيت الأبيض في الإنتخابات المقبلة. الأكيد أن هذه العودة، لن تقدّم لإيران الهدايا على طبق من ذهب، ولن تعيد المنطقة إلى الرخاء الذي عاشته في فترة ما بعد الإتفاق النووي عام 2015 وقبل خروج ترامب منه، إلا أن الأكيد، أن أي تسوية إقليمية معينة، ستكون أكثر رحمة من حالة “الضغط القصوى” الممارسة من واشنطن تجاه إيران والدول الحليفة، والتي ترد عليها إيران بإشعال الإقليم ورفع نشاطها النووي.
الإفراج عن الأموال
أعلنت كتائب حزب الله العراق المدعومة من إيران، في خطوة مفاجئة، أن “مجموعة من الفصائل المسلحة إتفقت فيما بينها على تعليق هجماتها الصاروخية على القوات الأميركية، بشرط أن تقدم الحكومة العراقية جدولاً زمنياً لانسحاب هذه القوات”، وهذه المبادرة، تبعها بعد يوم واحد فقط، زيارة لحاكم مصرف إيران عبد الناصر همتي إلى العراق، حيث التقى مسؤولين عراقيين، وأعلن عقب الزيارة أنه تم الإتفاق على الإفراج عن الأموال الإيرانية المجمّدة في المصارف العراقية بسبب العقوبات الأميركية.
من هنا، علامات استفهام عديدة توضع على التزامن بين الحدثين، فهل تمّت تسوية ملف الهجمات على المراكز الأميركية في العراق مقابل الإفراج عن أموال طهران المجمّدة؟
تجدر الإشارة، إلى أن إيران تمتلك في المصارف العراقية ما يقارب الـ4 مليارات دولار تم تجميدها بعد العقوبات الأميركية، إضافة إلى مليارات الدولارات الأخرى التي جمّدت في العديد من الدول بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران عام 1979.
تبادل السجناء
في سياق آخر، ينقسم الإيرانيون في الداخل بين منتظر لنتائج الإنتخابات الأميركية، وبين عدم مبالٍ بها. فطهران ستكون مرتاحة أثناء التفاوض مع إدارة جديدة برئاسة جو بايدن في حال نجح وستستمتع بالإحراج الذي ستسببه الهزيمة الانتخابية للرئيس ترامب. لكن من ناحية أخرى، أدّت تجربتها مع الرئيس السابق باراك أوباما إلى الشعور بأن المفاوضات مع إدارة يشغلها الحزب الجمهوري ستساعد على نحو أكبر في التوصل إلى اتفاق مستدام يحظى بدعم حلفاء أميركا في المنطقة.
من هنا، تحاول السلطات في إيران استغلال “السنة العرجاء” في أميركا، وهي السنة التي تسبق الإنتخابات الرئاسية في البلاد، لتتمكن من محاولة البحث عن آفاق جديدة للتعامل مع واشنطن في حالة فوز بايدن، أو إعادة انتخاب ترامب.
بوادر أخرى للتسويات ظهرت في الأيام الأخيرة، وهي متعلّقة باحتمال كبير لحصول عملية تبادل للسجناء بين البلدين. قصة صفقة التبادل الجديدة بدأت عندما انتشرت أنباء خلال الأيام الماضية على بعض قنوات التلجرام ووسائل إعلام غير رسمية أن مراد طاهباز المسجون لدى إيران بتهمة التجسس تحت غطاء المشاريع البيئية، برفقة سيامك نمازي الذي تحتجزه طهران بتهمة التجسس وجمع المعلومات عبر التستر بالشركات الإستشارية والشبكية، سيتم تبادلهما والإفراج عنهما في صفقة مع أميركا.
وخلال صفقة التبادل هذه، التي يصر عليها الجانب الأميركي وشخص ترامب، من المقرر الإفراج عن 3 إيرانيين جرى القبض عليهم في تايلند بجريمة القيام بعمليات ضد اسرائيل. واللافت أيضاً، أن هذه الأخبار، قد ترافقت مع ترجيحات بأن تتضمن الصفقة سماح الولايات المتحدة لكوريا الجنوبية بالإفراج عن 7 مليارات دولار محتجزة لديها لإيران.
ما هو واقع لبنان؟
لا شكّ أن ملفات المنطقة متعلقة بعضها ببعض، ولبنان يشكل إحدى هذه الملفات الأساسية، فبعد الإتفاق على انطلاق التفاوض بين لبنان والعدو الإسرائيلي حول الحدود البحرية، ونجاح الإدارة الأميركية في هذا الملف الحساس، تغيّرت “اللهجة” الأميركية مع لبنان، تقول مصادر سياسية مطّلعة، مشيرة عبر “أحوال” إلى أن الفيتوات التي كانت مرفوعة سابقاً من قبل هذه الإدارة تبدّلت، وهذا الأمر لمسه بشكل جدّي مدير عام الأمن العام عباس ابراهيم خلال زيارته إلى واشنطن.
وتؤكد المصادر أن الإيجابيات بين أميركا وإيران، بدأت بشكل أساسي في العراق الذي يمكن عبره استطلاع علاقة الخصمين اللدودين، فالعراق منذ تسلم مصطفى الكاظمي رئاسة الحكومة، كان “صديقاً” لأميركا، ما جعله يتمكّن من تقريب وجهات النظر في أكثر من ملف بين الإيرانيين والأميركيين، بحيث يضمن نفوذ أميركا، وخروجها المتدرّج بشكل سلمي، واليوم ستحصد إيران فوائد هذا الأمر، ما يجعله ينعكس حتماً على الوضع في لبنان، والذي أصبح قاب قوسين أو أدنى من تخطّي المرحلة الصعبة التي يمر بها منذ عام حتى اليوم.
تُشير المصادر إلى أن العراق يلعب دوراً أساسياً في “تنظيم” الفوضى في المنطقة، فهو أصبح صلة وصل بين المحورين المتخاصمين، وسيكون له في الأشهر المقبلة دوراً محورياً في التهدئة المنتظرة بين المحورين، وأيضاً هذا الأمر سيكون له تداعياته الإيجابية في لبنان، لذلك لم يغب هذا البلد عن زيارات اللواء إبراهيم الذي يُجري “جولة” خارجية لاستطلاع “شكل” المرحلة المقبلة.
إن كل المعطيات بحسب المصادر تشير إلى أن المرحلة المقبلة ستحمل إنفراجات واسعة في لبنان، ولكن تبقى هذه الأمور رهن نتائج الإنتخابات الأميركية من جهة، والإستقرار في المنطقة من جهة ثانية، مشيرة إلى أن “الخارج” بدأ يضغط باتجاه تشكيل حكومة لبنانية تُدير المرحلة المقبلة، ولكن لا يزال كل طرف داخلي يحاول الحصول على مكتسبات سياسية قدر الإمكان قبل الوصول إلى لحظة التسوية الحاسمة، مشدّدة على أن تأجيل الإستشارات النيابية الملزمة مرة جديدة لا يعني الفشل، إنما تأجيل الحل فقط.