“محنة” الطلاب في لبنان.. بين مطرقة “كورونا” وسندان قصور التعليم الإلكتروني!
أجبرتنا جائحة كورونا على التعامل مع العالم الرقمي، وجعلتنا نُدرك مدى أهميّة وحتميّة هذا العالم الجديد. ففي “عصر المعلومات” و”الثورة الحاسوبية”، لا مكان للمتقاعسين و”الجهلة” الذين لا يجيدون التعامل مع الوسائل التكنولوجية الحديثة.
هذا الواقع الجديد فرض على سكّان العالم أجمع تحديات جديدة، فبات عليهم التأقلم معه مرغمين. وبعد تصنيف فيروس كورونا المستجد بـ “الوباء العالمي” الذي سيرافق البشرية لأعوام طويلة، تبدّلت العديد من المشاهد في ممارسات الأشخاص ونشاطاتهم اليومية، فكان أوّلها الانتقال من التسوّق التقليدي إلى الرقمي، ونقل العمل من المكاتب إلى المنازل، وصولًا إلى اعتماد التعلّم عن بعد.
المشهد تغيّر، فبدل الاستيقاظ باكرًا وارتداء الزي المدرسي وانتظار “باص” المدرسة، ثم الاستمتاع بالوقت مع زملاء الدراسة وما يرافق ذلك من مشاغبات، فُرض على الطلاب هذا العام الجلوس أمام الحاسوب أو الهاتف المحمول، الموصول إلى شبكة الانترنت، بانتظار بدء الحصة الدراسية عبر تقنية الفيديو.
قد يبدو المشهد الجديد أقل مرحًا، وربّما باهتًا، ولكن لا شكّ أن هناك العديد من المشاكل التي قد يواجهها كلّ من الأساتذة والطلاب، على حدّ سواء، في حال اتُخذ القرار باعتماد التعليم عن بعد كوسيلة دائمة.
ما مدى جهوزية الطلاب؟
يتطلّب التعلّم عن بعد حاسوبًا وشبكة انترنت قويّة، إلى جانب العنصر الأساسي وهو “الكهرباء”. للوهلة الأولى، تبدو هذه المستلزمات من البديهيات، ومن أبسط مقتنيات الفرد في جميع دول العالم، إلا أن لبنان ليس من ضمن هذه الدول، حيث يعاني البلد من مشاكل عديدة، أبرزها البنى التحتية الهشّة وغير المجهزة، إضافة إلى مشكلة انقطاع التيار الكهربائي وارتفاع تكلفة المولد الكهربائي أو “الاشتراك”، إلى جانب ضعف شبكة الانترنت وتكلفتها الباهضة بالنسبة لبعض العائلات، خصوصًا تلك التي خسر أفرادها أعمالهم ومصدر رزقهم بفعل الأزمة الاقتصادية الراهنة.
من جهة أخرى، وفي ظل ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الليرة اللبنانية، ارتفعت أسعار الحواسيب وباتت تكلفة شرائها باهضة وتفوق قدرة المواطن، ما يجعل عملية توفيرها للطلاب صعبة وربما مستحيلة، وقد يؤدي إلى حرمان الطالب من متابعة تعليمه مثل زملائه.
في المقابل، فإن انتقال الطلاب من الصفوف التقليديّة إلى الصفوف الإفتراضيّة، لن تكون سهلة، نظرًا لما تتطلبه من تحضير جسدي وعقلي ونفسي. فالمسألة تعترضها عوائق كثيرة، أوّلها استهتار الطلاب وعدم التزامهم بمواعيد وضوابط الحصص الدراسية، الأمر الذي ظهر جليًا في عدد من “الفيديوهات” التي انتشرت مؤخرًا على مواقع التواصل الاجتماعي، والتي تُظهر عدم انضباط الطلاب في صفوفهم، وتحويل الوقت المخصّص للدراسة إلى وقت للترفيه، بعيدًا عن الجدية، رغم محاولات الأساتذة المستمرة للحفاظ على “هيبة” الحصّة الدراسية.
يضاف إلى ذلك، أنّ التعليم في المدارس لا يقتصر على إعطاء الطالب معلومات جديدة وتثقيفه فحسب، بل يشمل أيضًا التربية وكيفية التصرّف وفق أخلاقيات المجتمع. ففي المدرسة يحتكّ الفرد بالآخرين، يتعلّم بناء العلاقات الاجتماعية والصداقات، ويتعرّف على سبل تجاوز المشاكل والصعوبات، وهذا الشق مفقود مع اعتماد التعلّم عن بعد!
أمّا في ما يتعلّق بالحلقات التعليمية التي تُعرَض على شاشة “تلفزيون لبنان” لطلاب الشهادات الرسمية، فهي بالطبع ليست كافية لإيصال المعلومة إلى الطالب، حيث ينفرد كل معلّم بأسلوبه الخاص في الشرح، كما أن لكل طالب قدرة استيعابية معيّنة، تتفاوت بين شخص وآخر.
وفي هذا السياق، وجب الإشارة إلى أن قرار وزير التربية في ما يتعلّق بالتعليم عن بعد، قد أهمل طلاب المعاهد الذين يرتكز تعليمهم على المنهج التطبيقي أكثر من النظري، حيث أنّ معظم الدروس تُعطى في مختبرات مجهّزة بأدوات معيّنة، وبالتالي فلن يستطيع هؤلاء تطبيق ما يتعلمونه، في حين أنهم قد يضطرون إلى شراء هذه المعدّات بأنفسهم، وزيادة أعباء مالية عليهم وعلى ذويهم.
في الختام، وفي حين يؤيّد البعض قرار العودة إلى المدارس، يرى البعض الآخر أنه قرار عشوائي وغير مدروس، في ظل غياب خطة واضحة وآلية عمل سليمة تخفّف من وطأة الأزمة الصحية الراهنة وانتشار وباء كورونا على الأساتذة والطلاب والأهل، وغياب التنسيق الفعلي بين وزارات الصحة والإعلام والتربية لإيجاد حلول عملية وواقعية، تسمح بنجاح العام الدراسي كما يجب.
باولا عطية