القوة القواتية في ميزان السياسة والأحلام القاتلة
رمى جنبلاط بجعجع إلى دائرة الاستهداف ولو عن غير قصد
أخذ ميزان “القوة القواتية” في وجه معسكر حزب الله حيزاً في يوم من أيام اللّبنانيين المليء بالأحداث الكبيرة مثل انطلاق ترسيم الحدود البحرية والمشاورات التي يجريها الرئيس المكلف ذاتياً سعد الحريري، والدولار والدواء وغيرها من الملفات الأليمة والطارئة والعميقة الأثر في حياة اللّبنانيين. عساكر المعسكر القوّاتي المستعدين للقتال استطاعوا أن يخطفوا الضوء في يوم اللّبنانيين فما رماه رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط إلى حضن اللّبنانيين عن “شطحات” رئيس حزب القوات اللّبنانية في أحلامه لهدم قوّة حزب الله العسكرية ونزع سلاحه لم يمر مرور الكرام رغم النفي القواتي لمثل هذه “الشائعات” و”الأخبار الكاذبة” كما وصفها الحزب، فنالت القوات على إثره ما لا يسرها من الاستهجان والتنمر.
كلام جعجع “المفترض” لم يأتِ من سراب بحسب المطلعين بل هو طالما جاهر في مجالسه السياسية ومع المراجع الغربية والعربية بقوّته وجهوزيته العسكرية حين يكون الحديث عن نزع سلاح حزب الله وتقليص نفوذه. والكلام قد لا يكون موثقاً ولا يتجاوز النقل الإعلامي إلّا أنّه في وثائق “ويكيليكس” الضخمة حول لبنان برز نفس الكلام لجعجع أمام السفيرة الأميركية ميشال سيسون يوم 9 أيار الذي تلا أحداث 7 أيار في 2008. وفي البرقية جاء أنّ جعجع يريد التأكد من أن واشنطن على علم بوجود 7000 إلى 10000 مقاتل مدربين من القوّات اللّبنانية وجاهزين للتحرك. يمكننا القتال ضد حزب الله، لكنّنا بحاجة إلى دعمكم للحصول على أسلحة لهؤلاء المقاتلين. إذا بقي المطار مغلقاً، يمكن تسهيل عمليات الإمداد البرمائية”.
الاشتراكي لا يريد صداماً
هل رمى جنبلاط بهذا الكلام لإحراج جعجع؟ ومن الذي سرّب للإعلام كلام رئيس حزب القوات؟ مصدر في الحزب التقدمي الاشتراكي ينفي لـ”أحوال” أن يكون الحزب أو رئيسه سرّب هذا الكلام، وما قاله جنبلاط في إطلالته الإعلامية كان باختصار “أي شخص من أي طائفة يفكر في مغامرة عسكرية هو مجنون” وهو كلام طالما يردّده جنبلاط في كل مكان وزمان، لأنّ زمن المعارك الداخلية انتهى ولا أحد يريد الرجوع إليها. والحزب على الرغم من تحالفه مع القوات في معارك دستورية وقانونية وانتخابية إلّا أنّه لن يساير في حال الانحراف نحو تطلعات وأحلام داخلية قاتلة”.
وحول الحديث عن نزع سلاح الحزب قال المصدر “نحن من دعاة حصر السلاح بيد الدولة والقيام بالإصلاحات اللّازمة لتقوية الدولة لكننا لن نقول بنزع السلاح بالقوة هذه مغامرة كبيرة وخطيرة. وجنبلاط أكدّ على أنّ هذه المسألة لها تعقيداتها الدولية والإقليمية وهو القادر على التقاط الرسائل والإشارات المشفّرة وغير المشفّرة، والبناء عليها على المستوى السياسي”. ونفى المصدر أن يكون ثمّة افتراق بين القوّات والحزب التقدمي الاشتراكي أو أي نيّة للصراع على الرغم من الافتراق حول بعض العناوين مؤخراً مثل الاستقالة من المجلس النيابي”.
القوات للدولة القوية
تردّد القوّات اللّبنانية دائماً دأبها على إحلال الدولة القوية وتتطلع إلى قيام إصلاحات جذرية تضع في مقدمته “نزع السلاح غير الشرعي” لكن يمرّ في الإعلام بشكل متكرّر أنّ ثمة تسلحاً قواتياً في بعض المناطق تمهيداً لقتال حزب الله على طريق “الجمهورية القوية” وهذا ما برز خلال محطات ثورة 17 تشرين التي رافقها ظهور مسلّح في أكثر من مكان والعرض “الكشفي” العسكري في الأشرفية بعد انفجار المرفأ! لكن مصدر نيّابي قوّاتي رفض هذا الكلام في دردشة مع “أحوال” وطلب الإلتزام ببيان القوّات الذي يقول كل شيء. وأكد المصدر أن الحزب المسيحي الذي يعمل لأجل لبنان سيبقى منظراً للإصلاحات القوية ولإزالة أي سلاح غير شرعي ودعم الجيش والقوى الأمنية اللّبنانية. وأضاف “يريدون شيطنة القوّات تمهيداً لإعادة ملاحقتها أمنياً لكن لن نقع في الفخ، الأكاذيب عن القوّات اللّبنانية وتلفيق كلام غير صحيح لأنّ القوّات في مجالسها العامة والخاصة تكرّر أنّها ترفض السلاح والقتال بل بالعكس تدعو الجميع إلى مشروع الدولة اليوم، القوّات اللّبنانية هي حزب سلمي سيادي لبناني ديمقراطي يطالب بنزع السلاح غير الشرعي وأن يكون السلاح والقرار العسكري بيد الجيش اللّبناني حصراً”.. ولكن، يقول المصدر “عندما يدق الخطر على الأبواب، نصبح كلّنا مقاومة، المجتمع المقاوم عقيدتنا للدفاع عن أرضنا وبيوتنا”.
سيناريو القوة
في ميزان القوّة البشرية والعسكرية يمكن النظر إلى قوّة القوات المفترضة مزحة افتراضية أمام خزانات المقاتلين المنضوين تحت لواء حزب الله عدا عن المتطوعين المستعدين للقتال إلى جانبه في أي معركة. ويعتبر مصدر عسكري أنّ الكلام عن تحضيرات حزبية لمقاتلين غير صحيحة ولم يرصدها أي جهاز أمني حتى اليوم. وفي حال كان هذا الكلام صحيحاً فإنّه مجرّد عراضات لشد عصب القواتيين وبعض المسيحيين المعارضين لسلاح الحزب، وأيضاً عراضة للخارج الذي لديه أجندات لضرب الحزب والتخلص منه.
على أرض الواقع فإن جعجع وأميركا وإسرائيل والسعودية يدركون جيداً أن أي معركة داخلية ضد الحزب خاسرة سلفاً لتفاوت الإمكانيات والخبرات العسكرية وستقلب الطاولة في وجه من يخطط لمثل هذه السيناريوهات. لكنّه رغم الكلام المشاع يستبعد أن يقدّم أي طرف لبناني على مثل هذه الخطوة المميتة.
وفي الميدان أيضاً يتساءل المصدر العسكري “هل حقاً يمرّ في خيال أحدهم أن يقاتل حزباً له مثل هذه الخبرة القتالية أمام أعتى آلة عسكرية إسرائيلية، وفي الميادين السورية وأهمها القصير والغوطة وريف دمشق، التي اختبر فيها الحزب قدراته القتالية وفي عمليات الكر والفر والمواجهة الأرضية مع كافة أنواع المقاتلين من داعش وملحقاتها وفاز فيها كلها؟”. ويتساءل المصدر “الحزب موجود في البقاع والجنوب والضاحية فمن أين سيقاتل القواتيون من جسر جل الديب؟”. ويضيف “لنقل أنّ للقوّات عديد قوّة قتالية فأين العتاد؟ عداك عن المخزون الصاروخي والتقني الذي لا أحد يعرف مداه، إلّا أنّه حتى الآن يثير ريبة الإسرائيلي، هذا الكلام إن صح أو لم يصح فهو يبقى قاصراً على الصراع وغوغائياً، ودردشات لأحلام قاتلة”.
رانيا برو