لبنان المسيحي واسرائيل اليهودية: وثائق صهيونية عن “الكتائب” في مجازر صبرا وشاتيلا
خاص أحوال
كُشف النقاب عن بروتوكولات حكومية قديمة تتعلق بحرب لبنان الأولى، أمس الجمعة، تبين كم كان عميقاً ومباشراً الدور الإسرائيلي في ارتكاب المجازر في مخيمي اللاجئين الفلسطينيين صبرا وشاتيلا، قرب بيروت، وأيضاً في فرض انتخاب الرئيس اللبناني الذي قتل لاحقاً، بشير الجميل، بلغت حد نقل أعضاء في البرلمان تحت تهديد السلاح، كي يصوتوا لصالحه وهو الذي كان في حينه زعيم حزب الكتائب، ووعد بتوقيع اتفاق سلام مع إسرائيل.
ويتضح مما ورد في هذه البروتوكولات، التي نشرها المتخصص في شؤون المخابرات، رونين بيرغمان، الذي يعمل في صحيفتي «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية و«نيويورك تايمز» الأميركية، أن المسؤولين العسكريين والأمنيين الإسرائيليين وقادة حزب الكتائب في ذلك الوقت عملوا معاً على تنسيق رواية تبعد عنهم المسؤولية المباشرة عن المجازر، التي راح ضحيتها نحو 1300 فلسطيني، في 16 و17 سبتمبر (أيلول) عام 1982. وقال بيرغمان إن مضمون البروتوكولات، التي وقعت بين يديه، يتناقض بالمطلق مع عدد كبير للغاية من بروتوكولات اجتماعات رسمية مشابهة عُقدت في تلك الفترة.
وتتناول البروتوكولات وقائع الاجتماع السري الذي عقده الإسرائيليون مع عدد من قادة الكتائب في قلب بيروت في 19 سبتمبر (أيلول)، أي بعد يومين من المجزرة، وشارك فيه رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، رفائيل إيتان (رفول)، وقائد المنطقة الشمالية في الجيش الإسرائيلي، أمير دروري، ورئيس شعبة «تيفيل» في الموساد المسؤولة عن العلاقات الخارجية، مناحيم نيفوت، ورافقتهم حاشية وحراس كثيرون.
وبحسب بيرغمان، فإن “إيتان كان غاضباً خلال الاجتماع مع قيادة الكتائب، الذي ارتكب عناصره المجزرة انتقاماً لاغتيال زعيمهم ورئيس لبنان المنتخب، بشير جميل، على أيدي المخابرات السورية، قبل المجزرة بخمسة أيام. وكان العالم عاصفاً في أعقاب مشاهد مئات الجثث وحمل إسرائيل المسؤولية”. وقد أراد الإسرائيليون هذا الاجتماع بهدف تقليص الأضرار.
وكتب بيرغمان “لم يهتم إيتان بالجانب الأخلاقي، ولم يكن يريد توبيخ قادة الكتائب بسبب ارتكابهم المجزرة، بعدما مكنتهم إسرائيل من دخول المخيمين، وإنما تنسيق الرواية التي ستُعرض أمام العالم». وأوضح إيتان لقادة الكتائب أنه يخشى أن تؤدي الضجة العالمية بعد المجزرة إلى انسحاب القوات الإسرائيلية من بيروت، وقال “يجب أن يقوم أحدكم ويشرح الموضوع بسرعة، ويقول إنكم شاركتم في مهمة محاربة مقاتلي منظمة التحرير الفلسطينية في المخيمات وأن ما حدث كان خارج عن سيطرتكم”. واقترح دروري على الكتائب “نشر رواية تقول إن ما حصل هو امتداد لأحداث الدامور، أي المجزرة التي ارتكبتها قوات سورية ضد مسيحيين في لبنان، والتوضيح هذه ليست سياستكم.
وبالإمكان القول إنه في الأماكن التي دخلتم إليها كانت تجري فيها معارك بين معسكرات داخل المخيمات وليس مع الكتائب فقط”.
وحسب التقرير، قال أحد قادة الكتائب، خلال لقاء مع مسؤولين في الموساد، إنه “بكل ما يتعلق بالقتال في بيروت، فإن قوات إيلي حبيقة ستعالج الموضوع مسبقاً”. وحبيقة، وفقاً للتقرير، هو قائد مجموعة من القتلة المتعطشين للدماء الذين قادوا ارتكاب المجزرة في صبرا وشاتيلا.
وأشار التقرير الذي نشرته «يديعوت أحرونوت»، لمناسبة مرور 40 عاماً على حرب لبنان، إلى أنه رغم أن دروري كان يعلم جيداً أن الكتائب هم الذين ارتكبوا المجزرة، فإنه اقترح “رواية كاذبة، بأن قسماً من ضحايا المجزرة على الأقل قُتلوا في حرب داخلية بين سكان المخيمين”.
وحسبما ورد في البروتوكول، رد جوزيف أبو خليل، وهو أحد قادة الكتائب، قائلاً إن «ما تريدونه عملياً هو أن نتحمل مسؤولية هذا الأمر، وهذا مستحيل في الوضع السياسي الحالي. وينبغي معالجة ذلك بصورة يومية، وبشكل ضبابي. لا يمكننا الاعتراف بأن الكتائب ارتكبت ذلك، من خلال الاستمرار بالنفي». ولخص إيتان النقاش بالقول إنه «أوضحنا موقفنا وهم (الكتائب) سيدرسون الأمر ويقررون، لكن الحقائق معروفة».
التعاون بين “إسرائيل اليهودية ولبنان المسيحي”
يذكر التقرير أن «بين أهداف إسرائيل في تلك الحرب، كان تنصيب بشير الجميل رئيساً. وكتب رئيس «تيفيل» نيفوت في مذكرة بعثها إلى قادة الجيش والاستخبارات الإسرائيلية أن «الأنشطة السياسية الداخلية (في لبنان) تستند إلى وجود متواصل للجيش الإسرائيلي. وبالنسبة للكتائب، هذا يمكن أن يستمر لعدة سنوات، طالما لم ينسحب السوريون والمخربون الفلسطينيون». وأضاف: «لقد بدأ مجهود مركز من أجل تطوير علاقات في مجالات الاقتصاد والثقافة بين الظاهرتين المميزتين، إسرائيل اليهودية ولبنان المسيحي… ونشهد فعلاً ظاهرة جديدة في علاقات إسرائيل ومكانتها الإقليمية، وهي ظاهرة لها احتمال وقوة اقتصادية وسياسية من الدرجة الأولى”.
شارون وقادة الكتائب خططوا لاحتلال بيروت
ويوضح التقرير أن وزير الدفاع الإسرائيلي في حينه، أريئيل شارون، خطط سوية مع إيتان والكتائب لاحتلال بيروت بعملية عسكرية مشتركة، أطلق عليها تسمية “الشرار”.
وفي موازاة ذلك تعهد شارون مراراً للحكومة والكنيست والرأي العام في إسرائيل بأن الجيش الإسرائيلي لن يدخل إلى بيروت أبداً. وقال “لا أقترح أي هجوم على بيروت، وأي تحرك إلى داخل بيروت”. لكن الأوامر التي أصدرها شارون للجيش، خلال اجتماع في مكتبه في 11 يوليو (تموز) 1982، كانت معاكسة “ينبغي القضاء على القسم الجنوبي (من بيروت الذي تتواجد فيه المخيمات الفلسطينية ومقاتلو منظمة التحرير). يجب القضاء على كل ما بالإمكان القضاء عليه، وتدميره حتى أساسه».
وطالب نائب وزير الدفاع، مردخاي تسيبوري، بعقد اجتماع للمجلس الوزاري المصغر للشؤون السياسية والأمنية ودعوة قادة الجيش إليه، وسألهم تسيبوري “أسئلة ثاقبة”. لكن التقرير نقل عن عزريئيل نيفو، السكرتير العسكري لرئيس الحكومة، مناحيم بيغن، قوله إنه بعد طرح تسيبوري أسئلته على الضباط «كان شارون ينظر إليهم. وواضح أنه يتوقع منهم إجابة معينة، وبإمكانك أن ترى أن الضباط كانوا يذبلون تحت نظراته».أضاف التقرير أن ضباطاً كباراً بدأوا يروون الحقيقة لنيفو، بشكل سري.
والتقى أحد هؤلاء الضباط، برتبة لواء وكان يخشى شارون، مع نيفو سراً في مكان بعيد عن مكتبيهما من أجل أن يبلغ السكرتير العسكري بتقدم القوات الإسرائيلية في الأراضي اللبنانية إلى مناطق تتجاوز تلك التي صادقت عليها الحكومة.
المعروف أن شارون ومستشاريه، ادعوا بعد مجزرة صبرا وشاتيلا بأنه لم يتم التعبير عن معارضة حقيقية في إسرائيل للتعاون مع الكتائب، إلا أن التقرير يعطي صورة أخرى. فحسب وثائق سرية لشعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية (أمان) تبين أنها حذرت من أن «الكتائب يميلون إلى إخفاء حقائق والكذب وطمس أمور، تقاريرهم تتميز بعدم ملاءمة الواقع» وأن «مقاتلي الكتائب يستغلون وجود قواتنا من أجل التوغل في مناطق لم تكن تحت سيطرتهم من قبل. ويعتزمون ترسيخ وجودهم وتطهير هذه المناطق من خصومهم. ويوجد تخوّف من جانب السكان المحليين من أن يؤدي هذا الأمر إلى تصفية حسابات عنيفة».
كما حذرت وثيقة أخرى، من 15 سبتمبر، أي بعد مقتل بشير جميل، من أن «الاغتيال ينشئ ظروفاً لتشديد التقطب بين القوى في لبنان، التي تسعى إلى تصفية حسابات متبادلة والتدهور الذي سيحدث قد يتطور إلى حرب أهلية شاملة».
بيغن يأذن لشارون باحتلال العاصمة اللبنانية
وتابع التقرير أنه في أعقاب مقتل بشير الجميل، حصل شارون على مصادقة بيغن على احتلال بيروت، لكن الحكومة الإسرائيلية لم تُبلغ بذلك إلا بعد احتلال بيروت. وتقرر احتلال بيروت بعد أسبوع من إعلان إيتان أنه بقي في العاصمة اللبنانية مكتب وعدد قليل من أفراد منظمة التحرير الفلسطينية، إلا أن «شارون ادعى فجأة أن هناك الآلاف.
(إثر ذلك) سمح شارون للكتائب بالدخول إلى مخيمي اللاجئين من أجل «تطهيرهما» من «آلاف المخربين»، ما يعني أن شارون أصدر الأمر للكتائب بارتكاب المجزرة في صبرا وشاتيلا.