فيلم All the Old Knives: الإرهاب والعنصرية صناعة هوليوودية
يبدو أن أميركا والغرب اعتادوا على ممارسة العنف والعنصرية بحجة القضاء على الإرهاب ونبذه، في حين أنهما لم يتأثرا أو يتحركا لرفع الظلم عن الفلسطينيين في ظل ما يمارسه كيان العدو من جرائم حرب بحق الأطفال والنساء والعُزّل ولم تتحرك مشاعرهما المزيفة إزاء هذه المجازر.
يقول الفيلسوف الأميركي سام كين: “أعداؤنا نقتلهم بعقولنا قبل قتلهم بأسلحتنا، مهما كان الصراع، نحن في الطريق المؤدي إلى الله، نحن الصالحون وهم البربريون”.
في ضوء هذا القول، تمارس الأنظمة في الولايات المتحدة وأوروبا حرباً على الدّين الإسلامي بحجة الغلوّ والتطرّف في سبيل تحقيق أهداف انتخابية؛ وللحدّ من ارتفاع أعداد المسلمين، وتحاول بناءً عليه، تبرير ممارسة العنصرية بحقهم، لذا فقد جيّرت السينما الغربية صناعة الأفلام لتشويه صورة العربي المسلم في عقول مواطنيها. ليتكرّس ذلك في فيلم All the old knives الذي يعود بنا الى تصوير صورة أفغانستان بالارهاب وتحديدا الاسلام، وكالعادة إبراز إيران بأنها الداعمة لهم وتلميع صورة الغرب والولايات المتحدة وإعطائهم صفة “المخّلصين”.
كيف قدّمت هوليوود العرب والمسلمين؟
بعد النجاح الذي ظنّت هوليوود أنّها حققته في محاربة عدوّها الأول “الشيوعية” خاصة خلال حقبة الحرب الباردة، كان عليها إيجاد عدوّ جديد، يتصدّر شاشات العرض، ويصبح كبش الفداء الذي تناضل أمريكا لتخليص البشرية من شرّه، كان هذا العدو هو العرب، المسلمون بشكل خاص، رغم أنّه كان لذلك إرهاصات مبكرة عنوانها تفوق العرق الأبيض، وفي الناحية الأخرى ظهرت مجموعة من الأعمال المغايرة لكنها بدت كمن يغرّد خارج السرب.
لطالما حفِلت هوليوود، منذ بداياتها، بتقديم صورة العرب والمسلمين، على نحو ساخر، خالٍ من التناول الموضوعي لتلك الشخصية، وهذا يطرح إشكالية الدور الذي تلعبه السينما في تشكيل وجدان الشعوب والمجتمعات الغربية تجاههم؛ وذلك منذ ظهور الفيلم الأمريكي “العرب”، العام 1915، تبعه فيلم “الشيخ” العام 1921، الذي قدّم العرب على أنّهم مجموعات من همج الصحراء، لا يفعلون شيء سوى اغتصاب النساء، وامتلاك أكبر عدد منهنّ، مما رسّخ تلك الصورة في أذهان الأمريكيّين والأوروبيين، عندما كان الناس يستمِدّون وعيهم أساساً عبر وسائل الإعلام قبل ظهور ثورة المعلومات.
كريس باين يعود من جديد إلى أفلام التجسس
بالعودة الى الفيلم، منذ أكثر من ثماني سنوات، لعب كريس باين دور البطولة في Jack Ryan: Shadow Recruit، وهو دور آخر في سلسلة محاولات Paramount الطويلة لصنع ريبوت حول الجاسوس الفائق من توم كلانسي. وعلى الرغم من أن هذه المحاولة التي كانت من المحتمل أن تتحول إلى سلسلة قد تلاشت على الشاشة الكبيرة، إلا أن باين كان مناسباً للشخصية وعالمها، لذا فإن دوره الرئيسي في فيلم All The Old Knives، الذي يُعرض على Amazon Prime، يمثل عودة مرحب جيدة لكريس.
تبدأ أحداث الفيلم بعد ثماني سنوات من اختطاف الرحلة 127 التابعة للتحالف التركي من قبل جماعة الدعيرات الإرهابية المروعة، والتي تسببت بعد ذلك في مقتل كل من كان على متن الطائرة، أخبر رئيسه فيك هنري بيلهام (باين) في محطة فيينا أن لانجلي يعيد فتح قضية الرحلة 127. واعتقل الرجل المسؤول عن عملية الاختطاف وهو مواطن شيشاني يدعى الياس شيشاني.
قبل وفاته، أخبر وكالة المخابرات المركزية على ما يبدو أنه تلقى معلومات مهمة من داخل محطة فيينا ، مما يشير إلى وجود شامة هناك في ذلك الوقت. تم إجراء مكالمة هاتفية إلى رقم في طهران من مكتب عميل وكالة المخابرات المركزية بيل كومبتون، لذلك فهو المشتبه به الواضح. لكن بيل لم يكن الوحيد الذي كان يستخدم هذا الامتداد في ذلك الوقت، كانت سيليا هاريسون (نيوتن)، زميلة وعشيقة هنري، تعمل تحت إدارة بيل مباشرة.
قام هنري بعد ذلك بزيارة بيل في لندن وسيليا في كارمل باي ذا سي، كاليفورنيا، لاستجوابهم. يتحول السرد ذهابًا وإيابًا بين محادثة هنري مع بيل وسيليا وحادثة الاختطاف التي تتكشف قبل ثماني سنوات. سيليا متزوجة الآن ولديها طفلان، تلتقي هي وهنري في مطعم رائع يطل على البحر، لا يوجد ضيف آخر هناك باستثناء زوجين مسنين. قبل دخوله المطعم ، يجري هنري اتصال بقاتل اسمه الرمزي Treble التي كانت وظيفته القضاء على سيليا.
عندما تبدأ السكاكين القديمة في الظهور
الفيلم من إخراج جانوس ميتز بيدرسن، يتجنب الانفجارات والمشاهد الضخمة التي رأيناها في أفلام بوند ورايان لصالح تقديم فيلم أكثر حميمية وهدوءاً يركز إلى حد كبير على اللقطات المقربة التي نرى فيها الشخصيات المختلفة تحدق في بعضها البعض عبر الطاولات في المطاعم والصالات. يتعمق الفيلم بمسائل التجسس، وبالخسائر العاطفية والنفسية التي ينطوي عليها تحريك ناس حقيقيين هنا وهناك عبر رقعة شطرنج خيالية.
يبدو هذا الدور ملائماً لباين بشكل فريد، حيث يستفيد بشكل كبير من ما يقرب من عشر سنوات من الخبرات التي جمعها منذ مغادرته Jack Ryan. يجسد الشخصية بشكل رائع من خلال عينيه الحذر والتروي البارد والاضطراب الواضح (خاصة في مشاهد Close shot). حتى أن الانسجام بين الممثل ونيوتن كان ملموساً بالفيلم، ليس فقط في مشاهد الحبّ بينهما، بل أيضاً في الشوق والمسافة التي يجسدانها حيث تتكشف تفاصيل الحبكة بشكل منهجي، ويضيء تقاطع كل منهما من الماضي إلى الحاضر المزيد من التفاصيل في خليط معقد للغاية من الأحداث المصيرية.
سكاكين الماضي تخرج لتواجه “باين” لتنقل أحداث الفيلم من بطيئة الى مشوقة ونهاية صادمة غير متوقعة.
وبالنسبة للحبكة، لست متأكداً تماماً حول كيف سيكون الشعور بعد بضعة ساعات من المشاهدة، لكن بالتأكيد خلال اللحظة، هناك الكثير من المفاجآت والتقلبات التي تبرر انسجام المشاهدين. في حين أنه من المزعج وجود فيلم هوليوودي آخر يبرز الصور النمطية المخيفة للإرهابيين الهمجيين، إلا أن هناك على الأقل محاولة لإبراز تعقيدات هذه الأمور أكثر من الكثير من الأعمال التي تركز على خطاب “إنهم يكرهوننا بسبب حريتنا” في أعقاب 11 سبتمبر.
إذا كانت شركات الإنتاج العالمية تركّز على الصورة النمطية التي تشوّه الإنسان المسلم، فإنها تتناسى أن الجزء الآخر من أفلام الأكشن التي تصنعها هي أفلام تعكس الواقع الذي تعيشه هذه الدول وتعالج قضايا مجتمعية يعاني منها المجتمع الأميركي والغربي المليء بالإجرام وتجارة المخدرات والسلاح، بمعنى أنها هي من ينشر الإرهاب ويغذّي مسالكه، فهذه الشعوب المفعمة بالديمقراطية ترزح تحت سياط العصابات المسلحة، وتقوم بصناعة أفلام تشوّه الأديان الأخرى.