ضغوط سياسية لإخلاء سبيل رجا سلامة.. فهل ينجح “الحاكم” بحماية خط الدفاع الأول؟
مصدر سياسي: لا توافق على تغيير سلامة و"التسوية" مؤجلة لما بعد الانتخابات
لا يزال مصير حاكم مصرف لبنان رياض سلامة يكتنفه الغموض في ظل تضارب وتواجه المسارات السياسية والقضائية التي تحول من جهة توقيف “الحاكم” والتحقيق معه وإحالته إلى المحاكمة، وبالتالي إقالته، ومن جهة ثانية إبرام تفاهم على إقالته في مجلس الوزراء وتعيين بديلاً عنه في إطار تسوية سياسية – قضائية لتأمين خروج آمن له واحتواء أي تداعيات اقتصادية مالية ممكن أن تحصل جراء ذلك.
يقود المسار الأول النائبة العامة الاستئنافية في جبل لبنان القاضية غادة عون بدعم من رئيس الجمهورية والتيار الوطني الحر من خلال الدعاوى القضائية التي تسطرها بحقه ومذكرات التوقيف والملاحقات في الخارج، أما المسار الثاني فهو الفريق الذي لايزال يشكل التغطية السياسية لعدم المس بحاكم البنك المركزي، إقالة أو توقيفاً.
فهل يلتقي المساران على نقطة مشتركة، أم ينتصر مسار منهما على الآخر؟ بمعنى آخر هل ينتهي المسار القضائي لملاحقة “الحاكم” بتسوية سياسية – قضائية على هذا المنصب؟ وهل يمكن ذلك قبل الانتخابات النيابية أم بعدها أم تُرحّل للعهد الجديد؟
يقول المعترضون على سلوك القاضية عون بملاحقة “الحاكم” والمصارف، إن فريق العهد يحاول تطويق الحاكم بشتى الطرق ومنها ملاحقة شقيقه رجا سلامة للوصول إلى سلامة نفسه وإحراجه بالاتهامات الموجهة إليه، وفتح ثغرة قضائية في الجدار السياسي الصلب الذي يستند إليه سلامة، وبالتالي فرض إقالته على مجلس الوزراء، ويراهن فريق الرئاسة الأولى على أن يكون القضاء باب الخلاص من سلامة.
من جهته، يخوض سلامة معركة حياة أو موت.. وإن كان توقيفه في الوقت الراهن ليس بالأمر اليسير في ظل معادلة سياسية مالية داخلية خارجية تحكم وتتحكم بمنصب “الحاكم المركزي”، إلا أن توقيف شقيقه رجا (مفاتيح أسراره”، بمثابة “الإصبع الذي يوجع الحاكم” وحصان طروادة الذي سيدخل “قلعته” وحجر “الشطرنج” الذي سيصل إلى “مملكته”، لذلك تسعى “الحاكمية” جاهدة لإخلاء سبيل رجا سلامة لكي تحمي خط الدفاع الأول عن مملكتها، فهل يمكن ذلك؟
لم ينعم رجا سلامة طويلاً بقرار قاضي التحقيق الأول في جبل لبنان نقولا منصور تخلية سبيله بكفالة مالية قيمتها 500 مليار ليرة لبنانية وإحالته على النيابة العامة الاستئنافية، بل سارعت القاضية غادة عون لاستئناف قراره أمام الهيئة الاتهامية في الجبل وطلبت إبقاءه موقوفاً.
فهل يبقى رجا سلامة موقوفاً؟
مصادر قانونية تشير لـ”أحوال” الى أن “التوقيف الاحتياطي تدبير تحوطي، لا هو يعني الإدانة، ولا إخلاء السبيل يعني حكم براءة، بل يعود لقضاء التحقيق إخلاء سبيل الموقوف مع إمكانية فرض كفالة ذات شقين، أولاهما حضور جلسات التحقيق، وثانيتهما ضمان الحقوق الشخصية للمدعين، كما يكون من حق النيابة العامة استئناف قرار إخلاء السبيل أمام الهيئة الاتهامية في حال رأت أن مستلزمات التحقيق ومخاطر هرب المدعى عليه أو تبديد معالم الأدلة توجب ذلك”. وتضيف المصادر أن “الأمر بإخلاء سبيله من عدمه، يعود للهيئة الاتهامية التي يكون من حقها إما تثبيت إخلاء السبيل مع إبقاء الكفالة أو رفعها وإما فسخ قرار إخلاء السبيل”.
ماذا لو قررت الهيئة الاتهامية إبقاء رجا سلامة موقوفاً؟ هل يعزز هذا الأمر “الوضعية الاتهامية” لرجا سلامة، ما سيضغط أكثر لمثول رياض سلامة والتحقيق معه بالاتهامات المساقة ضده وضد أخيه ولمواجهتهما لتحديد المسؤوليات أزاء الجرائم المالية المتهمة لهما؟ فهل يشكل توقيف سلامة المعبر لإخلاء سبيل شقيقه رجا؟
المصادر القانونية نفسها توضح أن “رياض سلامة مدعى عليه وطالما قدم الدفوع الشكلية يستطيع عدم الحضور لجلسات التحقيق إلى حين البت بالدفوع الشكلية”، مبينة أن سلامة ليس فاراً من وجه العدالة، وهذه الحالة تتعلق بالشخص المتهم والفار والمحال على محكمة الجنايات”.
السؤال الذي يطرح نفسه: كيف يدعو رئيس الحكومة نجيب ميقاتي حاكم مصرف لبنان لحضور جلسة مجلس الوزراء في وقت هو ملاحق قضائياً بدعاوى عدة؟ وأيضاً يجري ضمه إلى لجنة وزارية مالية لمتابعة تفاصيل قانون “الكابيتال كونترول” الذي أقر في جلسة مجلس الوزراء الأخيرة في بعبدا؟
الدخول في عمق التساؤلات تأخذنا إلى سؤال أساسي: هل يمكن توقيف رياض سلامة؟
تتضارب المعلومات حول مكان تواجد الحاكم وتحركاته.. ففي حين ثمة من يرصده في إحدى طوابق البنك المركزي في الصنائع بشكل دائم حيث نقل مكان إقامته إلى هناك وأوقف تحركاته إلا في الحالات الطارئة.. ينفي آخرون ذلك ويؤكدون أن سلامة يتجول ويتنقل براحته بين المصرف المركزي ومنزله ويحضر الاجتماعات في السراي الحكومية، ومرد هذا الاطمئنان لديه يعود الى علمه بأن ورقته لم تنتهِ بعد وقرار إقالته لم يأتِ، وأن الغطاء السياسي لايزال قائماً و”الحصانة السياسية الدبلوماسية” الخارجية لم تُنزع، فضلا عن وضع قوة أمنية خاصة لحمايته حتى من الأجهزة الأمنية التابعة للدولة.
لكن المصادر القانونية تشير إلى أن “الأجهزة الأمنية التي أحيلت عليها مذكرة التوقيف يكون من واجبها تنفيذها”، لكن الإشكالية تكمن في أن المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان، لم يُعمم برقية بمذكرة التوقيف على القطع العسكرية والأمنية كما طلبت القاضية عون، وبالتالي تجميد تنفيذ المذكرة.
في ضوء العرض القضائي – السياسي تخرج مصادر نيابية وسياسية عبر “أحوال” للقول: “لا إمكانية لإقالة الحاكم المركزي في الوقت الراهن خاصة قبل الانتخابات النيابية، لئلا تترك تداعيات سياسية ومالية واقتصادية كبيرة، لا سيما وأن الإقالة وتعيين آخر في منصب الحاكمية يحتاج الى توافق وطني وأصول دستورية غير متوافرة ومؤمنة حتى الساعة، ما يفرض تأجيل البت بهذا الأمر لما بعد الانتخابات وما بعد بعدها أي للعهد الرئاسي الجديد”.
محمد حمية