البزري لـ”أحوال”: لا يجتمع إثنان الّا والكورونا ثالثهما وحان وقت التعايش
اليوم الأوّل من الإقفال... إستنسابيّة والتزام جزئي وثغرات في البيانات
تفاوت كبير، شهدته المناطق اللبنانيّة، في الإستجابة لقرار وزارة الداخليّة، بإقفال 111 بلدة، المستند الى التّوصية الصّادرة عن اللجنة الوزاريّة المكلّفة بمتابعة ملفّ وباء كورونا.
وفي وقت إرتفعت فيه الأصوات الرّافضة للقرار، وآليّته، وآليّة تطبيقه، أبدت بعض البلديّات تجاوبا معه، إرتكازاً الى إمكانيّاتها المتاحة، والمسؤوليات المناطة بها، وقدرتها على تطبيقه.
الجولة الميدانيّة أظهرت، إستناسبيّة في تطبيق القرار، بين بعض البلديّات من جهة والمواطنين من جهة ثانية، ففي وقت التزم البعض بالإقفال، فتح آخرون محالّهم، بشكل إعتيادي، متجاوزين القرار، كما كان لافتاً، إغلاق مناطق فيها أعداد إصابات أقلّ من مناطق أخرى، لم يلحظها قرار الإقفال، في وقت سجّل فيه غياب لعناصر القوى الأمنيّة.
للوقوف، عند القرار ومفاعيله وآثاره في التخفيف من إنتشار وباء كورونا، تواصلت “أحوال” مع عضو اللجنة الوطنيّة للأمراض المعدية الدكتور عبد الرحمن البزري، الذي شرح خلفيّات القرار، والثّغرات التي تشوبه، مسجّلاً جملة من الملاحظات.
البزري إستهلّ كلامه، بالتأكيد على أنّ الوضع كان يمكن أن يكون أفضل ممّا هو عليه الآن، مشدّداً على “ضروة بدء البحث في كيفية التعايش مع الوباء”.
وحول القرار المتخّذ، شرح البزري أنّ “الإجراءت جاءت بناءً على سياسة متّبعة محليّا ودوليّا، فعندما تزيد نسبة الإصابات على عدد سكّان المنطقة المختارة، أي عندما تصل الى اللون الأحمر كما نصنّفه طبياً، تصبح المنطقة بحاجة الى حجر، وتعليق بعض الأنشطة فيها”.
وقال “بالمبدأ لسنا ضدّ الإجراءات، لأنّ وضع كورونا بات حرجاً، ويستوجب مراجعة جديّة للسّياسات المتّبعة لإحتواء الفيروس، إنّما لا بدّ من الإشارة الى الثّغرات التي أدّت الى رفع بعض رؤساء البلديّات الصّوت عاليا، وهي ناجمة عن بعض الخطوات المتّبعة من مركز الترصّد الوبائي، خلال تسجيل بعض البيانات، حيث يسجّل مكان سكن المريض على أساس السّكن، الا أنّه وبحسب المتابعة، أغلب أعداد الإصابات، لا تحصل في مكان السّكن، وليس في القرى، إنما في المدن، وأماكن الاختلاط أو العمل، أو السّهر، لذا عند القيام بحصر قرية ما، فنحن نقوم بحصر أعداد المصابين فقط”.
وتابع البزري “الثّغرة الثّانية، متعلّقة بإفادة المصاب بمكان سكنه، الذي يحدّده وفقاً لمعرفته الجغرافيّة، في وقت تكون المنطقة تابعة لبلدة أخرى، بينها يربطها المصاب بالمنطقة الأكثر شهرة، أو المعروفة من النّاس، وهذا ما يفسّر صرخة بعض رؤساء البلديّات الذين اكدّوا أن أعداد الإصابات في مناطقهم، هي أدنى من غيرها، وأنّ وضعها لا يستوجب الاقفال، لا سيّما، أن بعض المناطق فيها تداخل جغرافي كبير، يؤدّي الى اختلاف بين إفادة المريض، وحدود المنطقة جغرافيا”.
وأضاف البزري “الموضوع ليس مرتبطاً فقط بالقرار، إنّما العبرة بالتّنفيذ، وبحسب المعطيات المتوافرة، فإنّ القوى الأمنية تتجنّب توقيف أي مخالف، خشية من أن يكون مصابا بكورونا، لا سيّما أن الدّولة لم تجهّز سجونا مناسبة، مخصصة للمصابين بالفيروس”.
وحول دور البلدٍيّات وقدرتها على تنفيذ القرار، لفت البزري الى أنّ “البلديّات في لبنان إدارات وليست سلطة، وهي لا تملك القدرات اللازمة، ويبقى الشرط التنفيذي، حيث هي على الورق ضابطة عدليّة، واذا حصل خلاف، بين عنصر بلدي ومواطن، يتوجّه الاثنان الى المحكمة المدنيّة” .
ولم يبدِ البزري “تفاؤله في تجاوز الأزمة قبل سنة ونصف السنة في حد أدنى”، مشيراً الى “وجوب الإنتقال الى مرحلة التعايش مع الوباء، وهذا لا يقتصر فقط على دور الدّولة ، إنّما يتطلب تضافراً ووعياً مجتمعياً، وكان على التّجار والهيئات والنّقابات، أن يتحضّروا لمواجهة كورونا، وسدّ الطريق على الإقفال القسري، منعاً للإضرار بمصالح الناس”.
وتابع “المفتاح الأساس يكون، بقناعة مجتمعيّة بأنّ الفيروس ليس كذبا، وبالتالي لا بدّ من مؤتمر وطني، يضمّ القيّمين على شرائح المجتمع كافّة، لوضع خطّة متكاملة، حول كيفيّة مواجهة الفيروس، وعدم إيقاف عجلة الحياة، بدءا من المدارس والإدارات الرسميّة، وذلك للتخفيف من حالات الاختلاط بين المواطنين، وتقسيم العمل بين الموظّفين، وتجنيب المواطن تكرار زياراته الى الدّوائر لإنهاء معاملاته”.
وأضاف البزري “على الصعيد التجاري، يجب على المطاعم والمتاجر، أن تساعد نفسها على الحدّ من تفشي الوباء، عبر إتّباع خطّة واضحة، وتقسيم فترات إستقبال الزبائن استناداً الى القدرة الاستيعابيّة للمطعم والمتجر”.
وختم البزري “لا يجتمع اثنان اليوم إلا والكورونا ثالثهما، وبالتّالي نحن أمام فترة لا أريد أن أصفها لا بالصعبة ولا بالخطرة، إنما هي تطلّب حداً أعلى من المسؤولية والوعي، ولا سيّما مع بداية الفيروسات الموسمية، التي لم نختبرها بعد في ظل كورونا، والعبء الذي ستلقيه على الجسم الطبّي، فضلاً عن إحتماليّة إصابة المريض، بأحد الفيروسات، بالتزامن مع إصابته بكوفيد 19، وبالتالي لا نعلم كيف ستكون الآثار والنّتيجة، فضلا عن الأعباء الماليّة التي ستترتّب على الدولة وعلى المواطن بدوره.
إبراهيم درويش