بعد الطائف والدوحة.. أين سيكون المؤتمر المقبل حول لبنان؟
باتت هناك قناعة راسخة لدى العديد من المراقبين أن لبنان الذي استطاع تمرير ما يقتنع به اقليمياً تجاه المبادرة العربية التي حملها وزير الخارجية الكويتي احمد ناصر المحمد الصباح، لم يكن ذلك بشطارته وذكاء سياسييه، وإنما بتوجه (إقليمي دولي) غير مكتمل الصورة يقضي بوجوب إخراج لبنان من الأزمات التي يتخبط بها بأقل الخسائر الممكنة، لأن النتيجة التي تم انتظارها من خلال الضغوطات التي حصلت في السنتين الفائتتين لم تحقق المطلوب منها مطلقاً، بل دفع ثمنها الشعب اللبناني وحيداً والذي إنزلقت معظم شرائحه من الطبقة المتوسطة إلى الطبقات المتجهة إلى الفقر المدقع بقوة!
ولتصحيح المسار هل بدأ الأفرقاء اللبنانيون يتحضرون للمشاركة في مؤتمر جديد (برعاية اقليمية دولية) كما حصل في مؤتمر الطائف عام 1989 الذي عمل على إنهاء فترة الحرب التي إمتدت لخمس عشرة سنة، وخلص إلى وضع أسس جديدة للدستور اللبناني، مختلفة عما كان مرسوماً منذ الإستقلال. ومن ثم مؤتمر الدوحة عام 2008 الذي سعى لإنهاء أزمة سياسية امتدت لسنة ونصف وواكبتها أحداث دامية، ليعيد تصويب وقولبة بعض مفاهيم اتفاق الطائف من دون أن ينجح ببناء نظام سياسي يُرضي جميع مكونات المجتمع!
فما هي المسارب التي قد تُفضي إلى مؤتمر يحقق الحد الإدنى من تفاهم اللبنانيين على مخارج تنتشلهم مما هم فيه من أزمات، وترسم لهم طريقاً يقيهم معاثر المراحل المقبلة التي تضج بالتجاذبات الإقليمية والدولية حتى لا تأتي الحلول على حسابهم، وفق ما يصدر من تحذيرات إقليمية ودولية وأحدثها ما جاء على لسان وزير خارجية الفاتيكان المونسنيور بول ريتشارد غالاغير على هامش زيارته الأخيرة للبنان؟
السؤال الذي يتم تداوله بقوة في هذه المرحلة هو: أين سيُعقد المؤتمر المقبل في حال اكتملت حيثياته: في الكويت أم في الفاتيكان؟
المصادر المتابعة لتعقيدات الملف اللبناني ترى أن العاصمتين مؤهلتان لإنعقاد مثل هكذا مؤتمر، ولكل منهما العناصر المؤاتية لدعم فتح رحابها للسياسيين اللبنانيين الذين لا يجدون منذ سنوات المعطيات التي تساعدهم على الالتقاء على الأرض اللبنانية أو على الأقل التهاتف للبحث عن حلول للأزمات التي تتوالد بدون سقف، وتدفع باللبنانيين إلى سابع جهنم.
فاللبنانيون لا يمكن أن يتناسوا الأدوار التوفيقية التي لعبتها إمارة الكويت وكبار مسؤوليها منذ ما قبل حرب السنتين، وبعدها وفي كل الأزمات التي ضربت الوطن الذي كان في سنوات عزه المصيف والمشتى للعديد من الأشقاء الكويتيين، وصولاً إلى الزيارة الأخيرة لوزير خارجيتها الذي حمل طلبات خليجية بموافقة غربية لفتح قنوات حوار شعر من خلالها العديد من اللبنانيين أن الكويت ترغب بلعب دور توفيقي جديد ولاسيما بعد التمني الذي أرسله رئيس الجمهورية العماد ميشال عون إلى أمير الكويت الشيخ نوّاف الأحمد الجابر الصباح “لقيادة مبادرة حوار بين الأطراف اللبنانيين”.
وعلى ضوء الموقف الإيجابي الذي ظهر من الآداء الكويتي في المؤتمر الأخير لوزراء الخارجية العرب الذي إنعقد في العاصمة الكويت لا يستبعد اللبنانيون أن يعمل المسؤولون الكويتيون كل ما بوسعهم لترجمة التمنيات اللبنانية بفتح صفحة جديدة مع الأشقاء الخليجيين.
على خط موازٍ لمس اللبنانيون تجديداً للإهتمام الفاتيكاني ببلدهم الذي صنفّه الكرسي الرسولي بمباركة البابا القديس يوحنا بولس الثاني “بأنه أكبر من وطن إنه رسالة”. وترجمة لذلك الإهتمام أبدى وزير خارجية الفاتيكان استعداد الكرسي الرسولي “لإستضافة حوار إذا وافقت المكونات الأساسية في لبنان”. رافضاً بالفم الملآن “أي إضعاف للحضور المسيحي في هذا البلد لأن من شأن ذلك أن يدمر التوازن الداخلي في البلاد وهويتها”.
إذاً السياسيون في لبنان أمام هديتين ذهبيتين عليها تلقف أي منهما إذا ما توافرت الظروف الإقليمية والدولية، وبالتالي عليهم استغلال الفرصة التي قد لا تتكرر في المدى المنظور، من أجل البحث في رسم ملامح نظام سياسي يلائم جميع مكونات المجتمع ويخرجه من دوامة الصراعات التي لا تنتهي، وقبل أن تحل الكارثة التي يحذّر منها غير طرف إقليمي ودولي!
مرسال الترس