المستقبل مُربك في طرابلس: كيف سيخوض إنتخابات 15 أيّار؟
يعيش تيّار المستقبل في طرابلس إرباكاً وضياعاً لم يعرفهما من قبل، نتجا عن خطوة رئيس التيّار الأزرق الرئيس سعد الحريري في 24 كانون الثاني / يناير الماضي، تعليق عمله في الحياة السّياسية اللبنانية، وعدم ترشحه هو أو أحد من العائلة أو تيّار المستقبل أو باسمهم، لخوض غمار الإنتخابات النيابية المقرّرة في 15 أيّار / مايو المقبل.
قبل نحو شهرين من ذلك، كشف أكثر من إستطلاع للرأي أُجري في المدينة ولم ينشر أيّ منها، واطلع “أحوال” على نتائج بعضها، أنّ تيّار المستقبل سوف ينال فقط حاصلاً إنتخابياً واحداً في عاصمة الشّمال، التي تتشارك مع الضنّية والمنية في دائرة إنتخابية واحدة، وأنّ الحاصل الثاني يبدو صعباً الحصول عليه إلا وفق شروط، وإذا توافرت ظروفٌ معينة، بعدما كان التيّار الأزرق قد نال في دورة إنتخابات 2018 3 حواصل في المدينة ذهبت للنوّاب محمد كبّارة وسمير الجسر وديما جمالي، إضافة إلى حاصل في المنية حصل عليه النّائب عثمان علم الدّين، وحاصل آخر في الضنّية ناله النّائب سامي فتفت، أيّ أنّ تيّار المستقبل إستطاع بالمحصّلة الفوز بخمسة مقاعد نيابيّة في دائرة تضمّ 11 مقعداً.
تراجع تيّار المستقبل مؤخّراً على هذا النحو فُسّر على أنّه إنعكاس لتراجع عام يعيشه التيّار منذ سنوات، وقبل أن يُقدم الحريري على خطوته التي جعلت أسئلة عدّيدة تطرح حول إنْ كان التراجع سيقف عند هذا الحدّ، وهل أنّ تيّار المستقبل سيستطيع الفوز بـ3 مقاعد في طرابلس وخمسة في دائرة الشّمال الثانية في الإنتخابات المقبلة، كما فعل في الإنتخابات السّابقة، أم أنّه سوف يتراجع أكثر وسيخسر مقاعد إضافية في دائرة حصد مقاعدها النّيابية بالكامل، مع حلفائه، في دورتي إنتخابات عامي 2005 و2009؟
فقد كشفت عدّة إستطلاعات للرأي ودراسات إحصائية أنّ تيّار المستقبل إذا خاض الإنتخابات اليوم في طرابلس لن ينال سوى حاصلاً إنتخابياً واحداً، سيذهب إلى كريم كبّارة نجل النّائب محمد كبارة الذي لن يترشح للإنتخابات المقبلة، والذي للمفارقة ليس منضوياً في تيّار المستقبل بل هو حليف له، وأنّه ـ أيّ كبّارة الأبّ ـ يتمتع بقاعدة شعبية وانتخابية وازنة في المدينة بمعزل عن تيّار المستقبل، وسواء تحالف معه أم لا، جعلته يحتل المرتبة الأولى بين الفائزين في لائحة التيّار في دورة 2018، عندما حصل على 9600 صوتاً تفضيلياً، متقدّماً على النّائب سمير الجسر، الأسم الأبرز للتيّار في المدينة، الذي نال 9527 صوتاً تفضيلياً، والذي أعلن مؤخّراً بأنّه لن يترشّح للإنتخابات المقبلة، وهو كان أبلغ الحريري بذلك قبل نحو 8 أشهر، وفق ما أعلن سابقاً.
على هذا النّحو يبدو النّائب السّابق ونائب رئيس تيّار المستقبل مصطفى علوش الإسم الأبرز بين وجوه التيّار المرشّحة للإنتخابات النّيابية، بينما الأسماء الأخرى التي يجري التداول بها أغلبها سيخوض غمار الإنتخابات للمرّة الأولى، وخبرته في هذا السّياق لا تبدو مؤهّلة لتأمين دفع إضافي للائحة والوصول إلى حاصل إنتخابي إضافي.
غير أنّ هذا الكلام النّظري لا يبدو متطابقاً مع أرض الواقع، فمنسقية التيّار في المدينة ملتزمة بقرار الحريري عدم المشاركة في الإنتخابات، والماكينة الإنتخابية متوقّفة نهائياً ولم تقم بأيّ خطوة، ومرشحو التيّار مربكين في اتخاذ أيّ خطوة، بمن فيهم علوش الذي أعلن أنّه “لن أخوض الإنتخابات إلا تحت راية تيّار المستقبل”، فما الذي سيفعله وسواه من المرشّحين الزرق إذا أصرّوا على عدم الإنسحاب من السّاحة، وإذا لم يتأمّن لهم في المقابل غطاء من الحريري لترشّحهم، وهل سيفعلون ذلك تحت إسم مستعار، ومن أين سيمولون حملاتهم الإنتخابية، وكيف سيمكنهم ـ وهم في هذه الحالة ـ مواجهة الأطراف الأخرى المنافسة لهم في المدينة والدائرة؟
يضاف إلى ذلك إرباكٌ من نوع آخر؛ فتيّار المستقبل في طرابلس ودائرة الشّمال الثانية بحاجة ماسّة اليوم، أكثر من أي وقت مضى، إلى حليف قوي يستند إليه لتثبيت وجوده، وإلّا فإنّ خسارته ستكون مدوّية، ومن بين القوى والشخصيات القليلة المرشّحة للتحالف مع تيار المستقبل لا يبدو إلّا الرئيس نجيب ميقاتي أكثر الخيارات مناسبة سواء للقاعدة الزرقاء أو مرشحيها، ولكن ما الذي سيفعله هؤلاء إذا أقدم ميقاتي على خطوة مماثلة لخطوة الحريري، وقرّر عدم المشاركة في الإنتخابات المقبلة؟
عبد الكافي الصمد