هل تتحول “الموازنة” الى قنبلة تُفجر الحكومة؟ وما موقف حزب الله؟
مصدر مالي: خدعة نقدية لتمرير البنود الموجعة لاسترضاء "الصندوق"
من المتوقع أن يتحول مشروع الموازنة الى قنبلة خلافية قد تفجر مجلس الوزراء الذي بدأ مناقشة المشروع، بحسب ما أكدت أكثر من جهة حكومية لـ”أحوال”، علمًا أن فريق رئيس الحكومة نجيب ميقاتي بحسب المعلومات يسعى جاهدًا مع وزير المال يوسف الخليل لإقرارها في مجلسي الوزراء والنواب بأسرع وقت ممكن، ولو اقتضى الأمر عقد تسوية مقبولة مع معارضي المشروع بصيغته الحالية، لكن المصادر تتوقع مسارًا طويلًا مجهول النهاية، فهناك جلسات طويلة في السراي وجلسة أخيرة في بعبدا لإقرارها، ثم “قطوع” مجلس النواب بتكتلاته المؤيدة والمعارضة وردة فعل الشارع الذي يتأهب وفق ما تكشف لـ”أحوال” مصادر اتحادات النقل العام والاتحاد العمالي العام لتنفيذ سلسلة تحركات واسعة ابتداءاً من الاربعاء المقبل.
وتؤشر خريطة مواقف الأطراف السياسية، بحسب مصادرها لـ”أحوال”، إلى وجود معارضة واسعة لمشروع الموازنة الحالي، على رأسهم حزب الله الذي يشن هجومًا عنيفًا عليها، وكذلك التيار الوطني الحر الذي أعلن رفضه للصيغة، إضافة إلى حركة أمل التي أعلن مكتبها السياسي رفضه مشروع فرض ضرائب جديدة على الطبقات الشعبية الفقيرة ومنح صلاحيات استثنائية للحكومة.
واللافت هو التناقض بين مشروع وزير المال الذين يُمثّل حركة أمل في الحكومة، وبين موقف الحركة المعارض، فضلًا عن خلفية الخليل المالية وانسجامه ومع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، ما يدعو للتساؤل: هل سيوافق الخليل على مشروع يتعارض مع توجهات سلامة لا سيما لجهة تحديد الخسائر المالية وتوزيعها؟ ورفع إيرادات الخزينة لكي تمول نفسها من “لحمها” لتخفيف الأعباء عن احتياطات “المركزي”؟ واستطرادًا ما علاقة الموازنة بالتدقيق الجنائي؟
وجاء مشروع وزير المال مكملًا ومتكاملًا ومنسجمًا مع توجه حاكم مصرف لبنان لجهة طبيعة الموازنة الاقتصادية والمالية والاجتماعية وتوزيع الخسائر على الجهات الأربع: المصارف ومصرف لبنان والدولة والمودعين، إذ تتحدث أجواء حكومية عن أن “حزب المصارف” يرى في مشروع الموازنة فرصة طموحة وثمينة لتمويه وإخفاء الخسائر تمهيدًا لتصفيتها عشية تفعيل التدقيق الجنائي في حسابات مصرف لبنان وتهم الفساد الموجهة لـ”الحاكم”، وما يزيد الشكوك أن الرسم التشبيهي الرقمي المسرب للموازنة يلحظ تحميل 54 في المئة من الخسائر للمودعين و20 في المئة للحكومة ومصرف لبنان و19 في المئة فقط لقطاع المصارف.
وتنقل مصادر مالية مشاركة في أحد الاجتماعات مع نائب رئيس الحكومة سعادة سعاده الشامي لـ”موقعنا” أنه جرى حسم مسألة تحديد الخسائر المالية 69 مليار دولار، لكن الخلاف مستمر على توزيعها على الجهات المعنية، مع توجه لتكبيد المودعين الكبار الخسارة الأكبر.
ويتضمن مشروع الموازنة الكثير من الملاحظات والثغرات والتناقضات في أقسام الاعتمادات والنفقات والايرادات، منها أنه يحدد العجز في الموازنة 20 في المئة فيما يطلب صندوق النقد الدولي صفر عجز كشرط لتقديم الدعم المالي!. كما يذكر “منِح مؤسسة كهرباء لبنان سلفة خزينة طويلة الاجل بحد أقصى 5250 ليرة لتسديد عجز شراء المحروقات”، ما يُسّتشف بأن لا إصلاح لقطاع الكهرباء في الموازنة، وبالتالي الاستمرار بسياسة استنزاف مالية الدولة بسلف الخزينة وبواخر النفط ذات الكلفة الباهظ.
والأخطر هو رفع الدولار في الموازنة الى عشرين ألف ليرة، رغم عدم ذكِر ذلك في “المشروع”، لكن تحديد قيمة الإيرادات والنفقات تكشُف ذلك، علماً أن أي تعديل سيحصل على “دولار الموازنة” سينسُف هذه الأرقام. لكن بمعزل عن السعر الذي سيُعتمد فإنه سيُرتب مضاعفات اقتصادية واجتماعية كارثية لأنه سيرفع معظم فواتير خدمات الدولة وضرائبها الى حدٍ كبير.
وتشير مصادر نيابية ومالية لـ”أحوال” إلى أن “دولار الموازنة سيخلق إشكالية كبرى في نقاشات الموازنة، إذ لا يمكن للمواطن أن يتحمل دولار 20 ألف ليرة”، وتكشف المصادر أن “خفض سعر الصرف في السوق الموازية هو خدعة وهمية ونقدية على المستهلك والمواطنين وعلى الدولة نفسها والجهات المانحة لتمرير الموازنة بعدما ضخ سلامة 125 مليون دولار في السوق خلال أسبوع واحد”، لكن كم 125 مليون دولار يستطيع سلامة أن يضخ لكي يحافظ على سعر الدولار؟ تسأل المصادر التي تضيف: “لهذا السبب يريدون تمرير الموازنة بهذه الصيغة الأسبوع المقبل وإحالتها الى مجلس النواب كرسالة للمجتمع الدولي وصندوق النقد الدولي بأننا أنجزنا الموازنة بموافقة مجلس النواب مقابل الحصول على 500 مليون دولار على خمسة سنوات لدعم الطبقات الأكثر فقرًا والبطاقة التمويلية، حيث جرى استرضاء المواطنين براتب شهر وبدل نقل جديد للقطاعين العام والخاص لتمرير البنود الموجعة في الموازنة”. أما “الدولار الجمركي” فتم تحديده بحسب المصادر بـ8000 ليرة لبنانية.
أما طلب الحكومة صلاحيات تشريعية فتشكل سابقة، حيث درجت العادة أن يطلب رئيس الحكومة أو الحكومة مجتمعة صلاحيات استثنائية ولا تُعطى، فكيف لوزير واحد أن يطلبها؟ ويمكن العودة بالذاكرة إلى مرحلة تكليف الرئيس سعد الحريري الأخيرة حينما طلب صلاحيات استثنائية لحكومته لكن قوبل برفض رئيس مجلس النواب نبيه بري.
وفي سياق ذلك أكد مصدر في كتلة الوفاء للمقاومة لـ”أحوال” رفض حزب الله منح صلاحيات استثنائية للحكومة، مذكرًا بطلب حكومة الرئيس حسان دياب هذه الصلاحية لمناقشة قانون “الكابيتال كونترول” ولم يوافق المجلس.
وشدد المصدر رفض الكتلة إقرار ضرائب جديدة قبل إقرار خطة التعافي واستقرار سعر صرف الدولار، داعيًا الى اعتماد مقاربة مختلفة للموازنة ولا يمكن أن تمر بصيغتها الحالية. ورسم المصدر سقف حزب الله للموازنة: “حماية المواطنين واستعادة حقوق المودعين وأن تترافق أي ضرائب جديدة مع خطة اقتصادية مالية للنهوض”. وفضل المصدر التعمق بدراسة “دولار الموازنة” لجهة جدواه الاقتصادية وأبعاده وتداعياته على القدرة الشرائية والنشاط الاقتصادي”.
ويتلاقى التيار الوطني الحر مع حزب الله برفض المشروع بصيغته الحالية، كونه لا يلحظ بحسب ما تشير أوساط تكتل لبنان القوي لـ”احوال” أي خطة لتفعيل القطاعات الإنتاجية لا سيما الزراعة والصناعة وكذلك السياحة، وفقط تقتصر على “إطعام” الناس. كاشفة أن التيار سيقاوم لمنع إقرار المشروع.
أما الحزب الاشتراكي فيفضل التريث بإصدار أحكام وخطابات شعبوية ضد مشروع الموازنة بانتظار مناقشته في مجلس الوزراء وكذلك في مجلس النواب، لكن مصادر نيابية في الحزب الاشتراكي توضح لـ”موقعنا” أن “الحزب سيوازن في موقفه بين الأوضاع الاقتصادية للمواطنين وبين ظروف الانهيار المالية التي تعيشها الدولة وشروط صندوق النقد الدولي من جهة ثالثة”.
وفيما تتردد معلومات عن أن الحكومة سترمي كرة النار الى مجلس النواب كالعادة لتبدأ المساومات والصفقات على البنود بالاستعانة بـحلول الرئيس نبيه بري، أو تمريرها بالصيغة الحالية مع تخفيف الأعباء عن المواطنين، ترجح مصادر أخرى اطالة أمد جلسات المناقشة في البرلمان حتى ارجاء البت بها الى ما بعد الانتخابات.