المبادرة الفرنسية تخسر زخم المواعيد
حميّد: الـ15 يوماً للتشكيل مهلة "حضّ" حنكش:الدبلوماسية الفرنسية وقعت بفخّ الطغمة الحاكمة
في حياة الشعوب أحداث قد تكون ذروة في المأساوية، ولكنّها تغيّر مجرى تاريخها وتكسر أي Status quo قائم أو تضع حداً لـ”موت سريري” مستدام أو تفرّمل هرّولةً نحو قعرٍ لا قَعر له.
هول الإنفجار المزلّزل الذي ضرب بيروت ذاك الثلاثاء في الرابع من آب 2020 – أكانت أسبابه إهمالاً أو تلكؤاً أو تواطؤاً أو تآمراً – وعصفه الذي هزّ الدبلوماسيّة الدوليّة فتدافعت الى لبنان وفي طليعة الواصلين الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون في 6 آب قبل أن يعود في الأول من ايلول معلناً من قصر الصنوبر مبادرة فرنسية، جعل اللبنانيين يتوسّمون خيراً علّه يكون مثل تلك الأحداث فيخرجهم من مستقنع الفساد والزبائنية ويوقف الانهيار المالي والاقتصادي والاجتماعي والمؤسساتي.
فلم يكن رجاؤهم محدوداً في الزمان والمكان كما تأمل الرئيس ميشال عون حين إعتبر في 7/8/2020 أن “إنفجار المرفأ فك الحصار المفروض على لبنان”.
ما ميّز المبادرة الفرنسية وأعطاها زخماً ورفع منسوب التفاؤل بها لدى اللبنانيين، أنها تشكّل خارطة طريق وفق محطات بمواعيد ومواقيت واضحة.
فأعلن ماكرون أنّ “القوى السياسيّة أكّدت أنّ تشكيل الحكومة لن يتجاوز 15 يوماً وتمّ الإلتزام بخارطة طريق تتضمّن الإصلاحات بقطاعي الكهرباء والمصرفي والتدقيق الحسابي في البنك المركزي ومكافحة التهريب”، مضيفاً: “حصلنا على مواقفة الجميع وهذه خارطة الطريق التي ستحملها الحكومة الجديدة”.
أما التاريخ الثاني الذي أعطاه ماكرون فهو بداية تشرين الأول لعقد مؤتمر دولي في باريس لإستراتيجية إعادة الإعمار، معلناً “متابعة الأمر مع الامم المتحدة والعمل على تجنيد المجتمع الدولي والجميع لبناء هذا الدعم الدولي” وكاشفاً أنه وجّه دعوة للرؤساء الثلاثة.
فيما التاريخ الثالث هو كانون الأوّل حيث كشف أنّه سيعود خلاله الى بيروت لمتابعة سير المبادرة ومسار الإصلاحات التي شدّد على أنها مطلوبة خلال فترة 4 أشهر.
أما التاريخ الرابع المرتبط بالوجود العسكري خارج الدولة، فترك معلّقاً حيث كشف ماكرون أنّه صارح رئيس كتلة “الوفاء للمقاومة” النائب محمد رعد أنّ “هناك إختلافاً بشأن الوجود العسكري، وهذا لن يكون ضمن الإصلاحات في الأشهر الثلاث المقبلة ولكن سيأتي في وقت لاحق”.
الدعوة للاصلاحات في المبادرة أو جزم ماكرون بأنه “إذا لم تفِ السلطات اللبنانية بوعودها فلن يفرج المجتمع الدولي عن المساعدات المالية ولن نقدم للبنان شيكاً على بياض” ليس بجديد. فقد تكرّر هذا الكلام مراراً منذ إنعقاد مؤتمر “سيدر” في 6/4/2018 حيث بحّ صوت المبعوث الفرنسي المكلف متابعة المؤتمر بيار دوكان ينادي به في زياراته اللبنانية أو في كل مناسبة أطلّ بها.
الجديد في المبادرة الفرنسية هو الوضوح في تدرّج الخطوات وفي المهل الزمنية، والمهم هو المتابعة المباشرة لماكرون الذي وضع رصيده السياسي والدبلوماسية الفرنسية في “بوز المدفع”. كما أعلن عن موعد وسطي بين تلك التواريخ لتقييم المسار، حين قال: “إذا في نهاية شهر تشرين الأول لم يُحقق ما إلتزم به معظم الأطراف السياسيين، سأقول للمجتمع الدولي إنه لن نتمكن من تقديم المساعدة للبنان، وسأسمي من عرقل ذلك”.
عضو كتلة “التنيمة والتحرير” النائب أيوب حميّد الذي جدّد عبر “أحوال” التأييد للمبادر الفرنسية الإنقاذية إعتبر أن الإسراع في تشكيل الحكومة أمر أساسي في ظل الظروف التي يمرّ بها الوطن ولكن هناك من أراد أن يخترع مشكلاً ويخوض معركة “محاربة طواحين الهواء”، مشدداً على أنه “كلما تمادينا في تضييع الوقت كلما كان الانحدار نحو الهاوية أسرع”.
تابع: “نحن لم نكن معطلين للمبادرة الفرنسية بل كنا مع تسريع إنجاز هذه المبادرة التي لم تضع شروطاً كما يوحي بعضهم لا سيما نادي رؤساء الوزراء السابقين. ويا ليت الكوة التي فتحها موقف الرئيس سعد الحريري كانت من قبل، لكنا وفّرنا على اللبنانيين وقتاً نحن بأمس الحاجة اليه. فترة الاسبوعين التي تحدّث عنها ماكرون كانت “فترة حضّ” للبنانيين ليسرعوا التشكيل إذ إنه يستغرق في لبنان أكثر من ذلك بكثير. نحن تمنّينا أن تبصر الحكومة النور قبل مهلة الاسبوعين ولكن من وضع العراقيل توهّم أنه بإمكانه الاستفادة من الضغط الدولي لتحقيق المكاسب. اليوم تجاوزنا مهلة الـ 15 يوماً والمهم أن نسرّع تشكيل الحكومة”.
من جهته، ذكّر القيادي في حزب “الكتائب” النائب السابق إلياس حنكش عبر “أحوال” أنه منذ اللحظة الاولى لولادة المبادرة أعرب عن أسفه أن “الرئيس ماكرون يتوهّم أنه يتعاطى مع رجال دولة ولكنه عملياً يتعاطى مع أشخاص في السلطة أدمنوا الكذب على شعبهم ووعدوه وعوداً كاذبة لذا سيكون مصيره كمصير الناس”.
أضاف: “أهل السلطة يدركون جيداً كيفية التحايل على القوانين والتملّص من الوعود وكسب الوقت للحفاظ على مكابسهم الشخصية. ها هو الواقع اليوم يثبت مجدداً انهم لا يهتمون لواقع البلد وأهله وهمهم تحقيق المغانم، لذا يتكابشون على تسمية الوزراء ويتناتشون الحقائب مما أعادنا الى مربع التأليف السابق. لا أدري كيف وقعت الدبلوماسية الفرنسية المعروفة بحنكتها بفخّ الطغمة الحاكمة في لبنان وألزمت نفسها بمواقيت ومواعيد قد تلحق الضرر بصورتهم خارجياً ويكون لها تداعيات سلبية في الداخل الفرنسي. إن الاطراف اللبنانيين الذين يعملون على تشكيل الحكومة اليوم لا يريدون أي حكومة مستقلة لأنها ستحاسب المرتكبين والفاسدين والمجرمين أي ستحاسبهم. كذلك إن طبقت الاصلاحات فستكون على حاسبهم. السؤال الكبير هل الكباش حول حقيبة المال كي تحمي هذه الاطراف نفسها من التدقيق المالي foreing audit أم ماذا؟ لماذا الاصرار على التوقيع الثالث وأي ينص دستوري يتحدث عن ذلك؟”.
كلام ليل الأوّل من ايلول بدأ يمحوه ما يتكشّف مع مرور الأيام من عراقيل وشروط وشروط المضادة وكأننا عدنا الى مربّع تشكيل الحكومات ما قبل الرابع من آب.
فلبنان لا يملك ترف الوقت في ظل تفاقم الوضع المالي والإقتصادي ورفع الدعم الذي يطل برأسه بعدما لوّح به حاكم مصرف لبنان رياض سلامة والإستمرار بالتخلف عن سداد ديونه والسندات وحجز اموال المودعين، وفي ظل إرتفاع أعداد الفقر والبطالة وطلبات الهجرة والامن الاجتماعي المشلّع.
المبادرة الفرنسية اليوم بين الترنّح ومخاض الولادة العسير، والفشّل في التقيّد بالتواريخ التي حددتها في خارطة الطريق منذ المحطة الاولى – أياً تكن الأسباب و”بهلاونيات” التشكيل والمعرقلين- يفقد هذه المبادرة زخمها. فعسى ألا يفقدها مقومات نجاحها ويغرقها في مستنقع المماحكات اللبنانية وفنّ كسب الوقت لهدره.
جورج العاقوري