الفكر السياسي والتغيير في لبنان
كثيرة هي التحدّيات التي تنتصب في وجه الإنسانية على صعيد المجتمعات البشرية، وعلى سلامة الحياة على وجه الأرض، المهدّدة بالحروب الثابتة والمتنقلة، والانتهاكات المتمادية لحقوق الشعوب والأفراد إضافةً إلى عمليّات الإفقار الجماعي لشعوب تستغلها أقليّات فاسدة، عميلة للخارج (بالاقتصاد والسياسة…) تتحاصص في ما بينها ثروات المواطنين والوطن وهذا ما يحصل عندنا في لبنان.
ومع هذه التحدّيات تتعاظم الأسئلة في وجه الفكر والمفكّرين السياسيين أصحاب الضمائر الحيّة والمسكونين أبداً بهاجس التغيير.
لكن من أين تبدأ الانطلاقة لهؤلاء المفكّرين – العلماء؟!! أمن المقولات والمفاهيم القديمة؟!! المتوارثة التي ثبت البعض منها عجزها وعقمها! أم من سعي هؤلاء إلى خلق الجديد، وابتكار المناهج والطرق التي تستجيب لضرورات التحوّلات الكبيرة، والملائمة لحاجات الواقع الوطني الذي يتأثر إلى حد كبير بالواقع الدولي الجديد.
وفي ذات السياق نسأل: من أين تبدأ في الأساس عملية التغيير؟ هل تبدأ من تجديد الفكر؟ أم من تجديد المجتمع؟ وكيف تنجز هذه العملية؟ هل عن طريق العنف الثوري؟ أم عن طريق الإصلاح السياسي المتدرّج؟ وهل للإيديولوجيا دور في هذه العملية؟ أم أن شمس الإيديولوجيا قاربت على الأفول! ولم تعد موجودة كما تزعم الدوائر الإمبريالية المعاصرة. أليس موقفها هذا موقف إيديولوجي بحت؟ في مواجهة إيديولوجيا التغيير الثوري.
وهل للعوامل الاقتصادية دور في تغيير هذا الوضع على كافة الأصعدة الدولية والإقليمية والوطنية؟ وهل للأزمات الدورية والدائمة للرأسمالية وعجز الأنظمة على معالجتها تفسح في المجال أمام قوى التغيير للتحرّر من استغلال الرأسمال المتوحّش، ومن بربرية اقتصاد السوق؟! ومن هي القوى الاجتماعية، والسياسيّة المؤهلة للقيام بمهمة التغيير الجذري للوضع القائم على صعيد الأنظمة الرأسمالية المختلفة، ذات الفوارق المتعدّدة في مستوى تطورها… وما الذي يفعله الفكر السياسي في هكذا حالة؟ وكيف يواجه إشكاليات الأمر الواقع التي تتناسل بفعل تفاقم الأزمات العامّة التي يصاب من جرائها بالوهن والجمود. أليست صحّة المواجهة وضرورتها في هكذا حالة تدعوان الفكر السياسي من أن يبادر إلى مواجهة ذاته المأزومة أولاً وقبل كل شيء مواجهة نقدية صارمة لتصحيح الخلل في بنيته وفكره وآليات عمله وبرامج قواه السياسيّة المنظّمة (حركات وأحزاب).
هذه مهمة أولى كي يتمكن الفكر من أن يجدّد ذاته ليلعب الدور المطلوب منه في عملية التغيير.
في ضوء هذا الحشد من الأسئلة، والمحاولات المتواضعة للإجابة عليها، كيف تصدّى المجتمع اللبناني بمكوّناته السياسيّة المختلفة، وتحديداً من خلال مفكريه، والدوائر الفكرية الرسمية فيه لهذا السقوط المريع للحكم على كافة الأصعدة.
وإذا استثنينا محاولات اليسار اللبناني وبعض القوى الديمقراطية والمتنوّرين من الكتّاب والإعلاميين، والأكاديميين، والناشطين في مجال الحرّيات الديمقراطية المختلفة… بتقديم بعض البدائل للنظام الطائفي في لبنان، نجد في المقابل تعنّت وإصرار أهل النظام – أي التحالف الطبقي الطائفي – العمل على استعادة إنتاج ذات السلطة التحاصصية، وقد برز ذلك جليّاً بالمحاولات العقيمة التي مارسها المسؤولون في النهج الحكومي (تكليفاً وتأليفاً) دون الأخذ بعين الاعتبار أوضاع الناس الصعبة التي لامست حدود الجوع والذل والإهانة والتشرّد والهجرة… ممّا يؤكّد بأن لا همَّ لمكوّنات التحالف الطائفي – الطبقي سوى الاستمرار في التحاصص لما يمكن أن ترسو عليه الحالة التوافقية في ما بينهم، بغض النظر عن محاولات الاعتراض الشكلية لبعض مكوّنات هذه السلطة التي لم تغادر باعتراضها الموقع الجامع لكل الأطراف، أي موقع الدفاع عن النظام الحالي واستعماله أداة لتأبيد سيطرتهم الطبقية…
إزاء هذه الحالة الكارثية التي سبّبتها هذه المنظومة السلطوية الفاسدة ونظامها الطائفي لم يعد بالإمكان إخراج لبنان من محنته إلّا بإقامة البديل الديمقراطي للنظام الطائفي وهذا يتطلّب تجديداً بالفكر السياسي لدى الأطراف الوطنية (اليسارية والديمقراطية والمستقلة) وإيجاد خطّة وطنية جبهوية جامعة لمثل هذه الظروف البالغة الخطورة والتعقيد وللصعوبات الاستثنائية.
فهل هذا الأمر ممكن؟!
إنّنا محكومون بالأمل والعمل…
رجا سعد الدين