يرى وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو “حزب الله” في كل مكان فتجده يهاجم ويتوعد في كل خطاب ومناسبة، في الوقت الذي يتخبط فيه البلد للخروج من سلسلة أخطار وأزمات داخلية وخارجية. وفيما سيف العقوبات الأميركية مسلّط على رقاب اللّبنانيين يزيد المسؤول الأميركي من حدة الخطاب الموجّه إلى اللّبنانيين ما يهدّد بنسف الجهود الفرنسية الناشطة على خط انتظام العمل الحكومي للوصول إلى آليات جديدة تؤهل لحل الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
تصعيد بومبيو تجاه الحزب برز من البوابة الأوروبية، وتحديداً هجومه المباشر على آداء الرئيس الفرنسي تجاه حزب الله. ولم يتورّع بومبيو من انتقاد حركة ماكرون في بيروت ولقائه ممثل حزب الله. واستنكر قرار فرنسا رفضها اعتبار حزب الله اللبناني منظمة إرهابية وخاطب المخاوف الأوروبية من الحزب زاعماً أن الحزب ما زال مستمراً في التخطيط لهجمات إرهابية وجمع التمويل في أوروربا”.
التصعيد الأميركي في مواجهة المبادرة الفرنسية بلغ حدّ التطرف والمواجهة العلنية ومن على منبر فرنسي شهير، مع نشر وزير الخارجية الأميركي مقالة في “لوفيغارو” يهاجم فيها الرئيس الفرنسي بقوله “كيف يمكن أن تقف فرنسا إلى جانب اتفاقية حظر الأسلحة وفي الوقت نفسه يلتقي الرئيس إيمانويل ماكرون مسؤول كبير في حزب الله في بيروت؟”.
ولم يكتفِ بومبيو الهجوم بشراسة على الرئيس الفرنسي بل عمد إلى تأليب المعارضين الفرنسيين لماكرون بقوله “لسوء الحظ، ترفض فرنسا تصنيف حزب الله كلّه كمنظمة إرهابية كما فعلت دول أوروبية أخرى، وقيّدت تقدم الاتحاد الأوروبي في نفس الإجراء. بدلاً من ذلك، تحافظ باريس على الوهم القائل بوجود “جناح سياسي” لحزب الله، عندما يسيطر عليه إرهابي واحد، حسن نصر الله. أشارك 27 شخصية عامة فرنسية في إحباطهم الذين دعوا فرنسا مؤخراً إلى وضع هذا التصنيف في رسالة مشتركة”.
وطالب كبير الدبلوماسية الأميركية فرنسا أن تقف مع الحرية وليس مع نظام طهران معتبرًا أن “حزب الله هو الوكيل الإيراني في لبنان لما يقرب من ثلاثة عقود”.
كلام وزير الخارجية الأميركي يلجم المبادرة الفرنسية ويقود إلى مواجهة كبيرة وحادة مع الحزب وحلفائه في لبنان مما يقوّض جهود الخروج من الأزمة والعقد اللّبنانية؟ أم يؤسس لمرحلة جديدة من التسويات والبحث عن حلول من بيروت إلى طهران؟ هل تسقط المبادرة الفرنسية فعلاً ويسقط لبنان في المجهول أم أنّ الجهود الفرنسية لن تهتز بدخول كل من روسيا وإيران على خط التسوية؟
أسئلة عديدة مثارة، لكن ما هو أمر واقع أنّ المواقف الأميركية المعروفة مسبقاً تجاه الحزب علت نبرتها في غمرة احتدام الخصومات والتجاذبات في العالم. يقول البروفسور الأميركي المتخصص في شؤون الإرهاب والسياسة في الشرق الأوسط ونائب مدير مؤسسة الدفاع عن الديموقراطية، تايلور ستابلتون لـ”أحوال” أنّ العالم أمام مفترق طرق في هذه المرحلة وأنّه يتم التأسيس لعالم جديد لذا “السياسيون اللّبنانيون الذين قدّموا قشرة من الشرعية السياسية لحزب الله أو أساءوا استخدام مواقعهم لتوجيه الأموال العامة إليه مسؤولون عن نفوذها الراسخ مثل أعضاء حزب الله، لهذا الإدارة الأميركية ستدخلهم تباعاً على لوائح العقوبات”.
ويؤكد ستابلتون أن أميركا لن تغير وجهة سياستها الصارمة تجاه تقليص نفوذ الحزب في لبنان وبالتالي إضعاف إيران وأنّ الكرة للخروج من دائرة العقوبات الأميركية بيد اللبنانيين. “على اللبنانيين أن يعوا دقة المرحلة ويتوجهوا مباشرة إلى تشكيل نظام سياسي بعيداً عن نفوذ حزب الله وصولاً إلى بناء دولة آمنة مستقرة سياسياً واقتصادياً” كما يقول الخبير الأميركي.
التحليل الأميركي السهل حول حتمية إبعاد الحزب عن الحياة السياسية الأميركية لا يقارب الواقعية السياسية والأمنية والاجتماعية لحضور الحزب في الداخل اللّبناني، وليس بهذه البساطة الرضوخ للمطالب الأميركية لإزالة مكون لبناني تمهيداً للخروج من سلسلة الأزمات التي تعصف بالكيان اللبناني. والكلام الأميركي المتشدد ليس قدراً محكوماً لا يمكن الرجوع عنه. في هذا السياق يعتبر الكاتب والمحلل السياسي سركيس أبو زيد أن ليس من قواعد سياسية وأخلاقية للمواقف الأميركية التي تأتي ساخنة أو باردة في حدود تحقيق شروط المفاوضات “المفاوضات الحديثة مع طالبان هي دليل على فقدان المواقف الأميركية أحكامها المبرمة، وهذا ما شهدناه في معركتها مع كوريا الشمالية، وطبعاً الاتفاق النووي الإيراني الذي ما زال سارياً رغم الإعلان الأميركي التنصل منه. إنها معركة مفاوضات والأميركيون ما زالوا يبعثون رسائل إلى إيران وحزب الله من خلال التصاريح والمقالات دون الاستناد إلى قواعد نهائية سياسية أم أخلاقية”. ويضيف أبو زيد لـ “أحوال” أن التمنيات بإبعاد حزب الله عن الحياة السياسية أمر غير واقعي وفرنسا وأميركا تدركان ذلك.
لقد تعاملت الإدارات الأميركية المتعاقبة منذ جورج بوش الإبن حتى اليوم مع الحزب كأحد المكونات السياسية المؤثرة المشاركة في كافة العهود والحكومات الشرعية التي تعاقبت خلال العقود الماضية بشكل طبيعي فما استجد اليوم؟ يعتبر أبو زيد أن أميركا اليوم في حالة تأزم سياسي وإرباك يتجلّى في كافة الملفات والصعد، الانقسام الداخلي الذي يسبق الانتخابات الأميركية، هذا الانقسام يطال بنيتها ونظامها الداخلي، وأيضاً تراجع نفوذها في أكثر من منطقة في العالم. والدبلوماسية الأميركية تتخبط على أكثر من صعيد وتفقد القدرة على القيام بحرب إقليمية لذا تلجأ إلى لغة التهديد والوعيد لتحسين شروطها في عملية التفاوض”.
ويلفت أبو زيد إلى أن الأميركي الذي أعطى ضوءاً أخضراً للمبادرة الفرنسية في لبنان لا يرغب حتماً في أن تأخذ فرنساً دوراً يتخطى المظلة الأميركية لذا أدرجت العقوبات التي استنهضت حلفاء السياسة الأميركية المؤيدين لإقصاء حزب الله من السياسة الداخلية”.
تداعيات هذه الفوضى في المواقف المتذبذبة بين ما هو معلن وما يجري تحت الطاولة دفع بمراهقي السياسة إلى السير بتشكيل الحكومة دون التشاور مع القوى السياسية التي تمثل الشعب اللّبناني. يقول أبو زيد “المراهنين على التدخل الأميركي والعقوبات طلبوا من الرئيس المكلف تشكيل حكومة دون مشورات مع الكتل النيابية المنتخبة، كيف ذلك؟ لبنان لم يدخل بعد تحت الانتداب الفرنسي أو الدولي ليجري الأمر على هذا النحو ولا للقيام حرفياً بكل ما يطلب منه دون مشاركة كل مكوناته السياسية”.
ورغم كل هذا الصراخ الحاد فإن حزب الله وحلفائه سهلوا المبادرة الفرنسية عبر تسمية رئيس الحكومة مصطفى أديب دون التدقيق في حضوره السياسي لكن هذا لا يعني تمرير تشكيلة حكومية دون معرفة تركيبتها توجهاتها. يقول أبو زيد إن خصوم الحزب ظنوا أن هذا التسهيل يعني أنهم يستطيعون الإتيان بمن يريدون ولي ذراع العهد وإسقاط القوى السياسية الموالية له. “الفرنسيون مدركون تماماً لهذه اللّعبة وهم عالمون بسيكولوجيا أهل السياسة اللبنانية. وبرأيي العمل جار لإزالة هذه الالتباسات هذا الأسبوع فالوضع لا يحتمل المزيد من المماطلة والتأجيل لا سيما الإنهيار الاقتصادي”.
المخارج والحلول موجودة حتى اللّحظة الأخيرة ولا يمكن فقدان الأمل “أنا متشاءل” يقول أبو زيد، فالسعي إلى تجاوز الوضع الراهن قائم فرنسياً من خلال غرفة عمليات برئاسة برنار إيميه، ولبنانياً عبر كل الأفرقاء اللّبنانيين المنفتحين على التواصل وسنصل إلى تمرير حكومة استثنائية في الشكل مضمونها العبور من كل المشكلات المالية والاقتصادية التي تهدّد لبنان، وفق توجهات واضحة للمرحلة المنظورة”.