هل تنجح “صهاريج” ميقاتي الدبلوماسية في كسر الحصار السياسي الخارجي؟
ليس هناك أفضل من باريس لانطلاقة رئيس الحكومة نجيب ميقاتي غداة نيل الثقة النيابية، خصوصًا أنّ الرئيس الفرنسي مانويل ماكرون كان بمثابة “القابلة القانونية” التي أشرفت على ولادة حكومة في عملية قيصرية، ما كانت لتنجح لولا تقاطع المسعى الداخلي مع إرادة خارجية شكلت فرنسا محورها عبر تفاهمات نُسجت بينها وبين طهران وواشنطن حول الشأن الحكومي.
واذا كان الرئيس حسان دياب لم يتمكن طيلة فترة إقامته في السرايا من كسر العزلة الخارجية إلّا بزيارة يتيمة ومتأخرة إلى قطر، فإنّ بمقدور ميقاتي الافتراض بأنّ زيارته إلى العاصمة الأوروبية الأهم – أي باريس – بعد أيّام قليلة من الثقة، إنّما هي في حدّ ذاتها إنجاز سياسي ودبلوماسي يُسجّل في خانة إخراج لبنان من عزلته واعادة فتح نوافذه مجدّدًا على العالم.
وهكذا، تكون “صهاريج” ميقاتي المحمّلة بالوقود الدبلوماسي قد انطلقت في كسر الحصار السياسي الذي ضُرب على حكومة سلفه وعلى البلد عمومًا، لا سيّما أنّ لقاء رئيس الحكومة مع ماكرون ربّما يكون أوّل الغيث في رحلة طلب الغوث.
ولكنّ الصورة وحدها غير كافية والغداء بين ماكرون وميقاتي لا يسمن ولا يغني من جوع، ما لم يؤسّس لخطة عمل يمكن صرفها وتسييلها إلى عملة صعبة تعيد ترميم التوازن الاقتصادي والمالي الذي أصبح منعدمًا بعد وقوع الانهيار والسقوط في الهاوية.
ويأمل ميقاتي في أن يحصل على “اكسير الحياة” من قصر الإليزيه بعدما جفّت ينابيع الدعم الأخرى بفعل العقوبات السياسية التي يتعرّض لها لبنان منذ وصول العماد ميشال عون إلى رئاسة الجمهورية متأبطًا خيارات استراتيجية لا تعجب بعض القوى الدولية والإقليمية المؤثرة وصاحبة الملاءة.
ولكن محاولة ميقاتي استجرار “الطاقة المالية” من المجتمع الدولي لن تكون نزهة، ودول القرار والاقتدار ليست كرمًا على درب، أوّلًا لأنّ ظروفها الاقتصادية اختلفت بعد كورونا وما تركه من تداعيات، وثانيًا لأنّ أيّام المساعدات الميسّرة قد ولّت لصالح المساعدات المسيّرة التي يرتبط استقطابها بتنفيذ الإصلاحات وتغيير السلوكيات، وهو الأمر الذي سيضع الدولة اللّبنانية على محك إثبات صدقيتها وجديتها في الإيفاء بالتزاماتها ووعودها للخارج والداخل على حدّ سواء، لاسيّما أنّ سيرتها الذاتية في هذا المجال غير مشجعة وسجلها العدلي ليس نظيفًا بفعل عقود من السرقات الموصوفة والصفقات المشبوهة.
أمّا المهمة الأصعب لميقاتي فهي إعادة مدّ الجسور مع دول الخليج، وفي طليعتها السعودية التي لم يصدر عنها بعد أيّ موقف علني حيال الحكومة الجديدة.
هذا الصمت الرسمي للمملكة اعتبره المتخصصون في فك شيفرته إشارة إلى عدم الرضا على حكومة ميقاتي، علمًا أنّ أوساطًا سياسية واسعة الاطلاع قالت لـ”أحوال” أنّ السفير السعودي لدى بيروت وليد البخاري أعرب صراحة أمام بعض الشخصيات اللّبنانية، قبيل مغادرته إلى الرياض للتشاور، عن عدم ارتياحه إلى التشكيلة الوزارية، معتبرًا أنّها محبطة للشعب اللّبناني بالدرجة الأولى وهي، في رأيه، أضعف من أن تواجه التحديات التي تنتظرها .
أكثر من ذلك، تولى البخاري تشريح عدد من أسماء الوزراء، معدّدًا مكامن الخلل في اختيارها، وموحيًا بأنّه من الصعب فتح أبواب المملكة أمام هذه الحكومة حتى إشعار آخر، مع الإشارة إلى أنّ هناك من يعوّل على أن تضغط أميركا وفرنسا في اتجاه اقناع الرياض بتليين موقفها المتشدّد.
بالتأكيد، لن تكون دروب ميقاتي في الخارج مزروعة بالورود، ولكن الأهم هو أن ينجح في تعبيد دروب الداخل أمام حكومته، إذ ماذا ينفعه لو ربح العالم وخسر اللّبنانيين الذين يبدو أنّهم أعطوه، ولو مكرهين، فرصة ثمينة… فهل يلتقطها؟.
عماد مرمل