الأمطار تنقذ “وادي جهنّم”: 210 هكتارات حرجية خسرها بسبب الحرائق
كان للأمطار التي هطلت يومَي الأربعاء والخميس في عكّار، دور كبير في إطفاء عدد من الحرائق التي اندلعت فيها، وفي ترطيب الأرض بما سيحول دون اندلاع النّار مجدّداً، بعدما تبلّلت الأشجار وأوراقها والنباتات والأعشاب بالمطر الهاطل، الذي كانت نعمته مزدوجة: أولاً ريّ الأراضي الزراعية العطشى، وثانياً إخماد الحرائق المشتعلة مع خفض خطر اندلاع حرائق أخرى في الأيّام المقبلة.
آخر الحرائق التي شهدتها المناطق الحرجية والغابات في عكّار كان الحريق الذي شبّ ليل 14 / 15 أيلول الجاري بمنطقة وادي جهنّم الفاصل بين عكّار والضنّية، وصولاً إلى أحراج بلدة حرار؛ فاشتعاله ليلاً أثار شكوكاً حول ما إذا كان مفتعلاً، وهو الحريق الثالث الذي تشهده المنطقة هذه السنة، ملحقاً أضراراً كبيرة بالغطاء الحرجي والنباتي الهام والنّادر فيها.
حسب تقرير أعدّه فريق “درب عكار لمكافحة حرائق الغابات” تحت عنوان “وادي جنهم ينزف ويُدمّر أمام أعيننا: حوالي 30 هكتاراً إضافية تُضاف إلى خسائره”، فإنّ الحريق إندلع “برغم الحرارة المتدنية التي سُجلت في المنطقة، وكانت حوالي 16 درجة فقط، أمّا سرعة الرياح فكانت بحدود 30 كلم/س، وبرغم الرطوبة المرتفعة (75 في المئة)، ما أسهم في الحدّ من وتيرة وسرعة إنتشار الحريق، لكن لم يستطع عناصر الفريق التدخّل بسبب عدم توفر البنزين للآليات والمضخّات. ولكن مع تفاقم الوضع واتساع رقعة الحريق، تدخّل عناصر الفريق في اليوم التالي، وتمكّنوا بعد 4 ساعات من العمل على حصر انتشار النيران، مع إقامة خط عزل بطول أكثر من 500 متر، في واحدة من أكثر البيئات وعورة وصعوبة”.
هذه الصعوبات واجهت عناصر الفريق مع محاولتهم “التدخّل في المناطق المرتفعة من أجل محاصرة الحريق، إذ حدثت عدّة إنهيارات صخرية كاد أحدها أن يتسبّب بإصابات قاتلة لأعضاء الفريق، ممّا دفعه للإنسحاب، وما هي إلا ساعة حتى بدأ المطر بالتساقط مُخمداً الحريق بشكل كامل”.
وأشار التقرير إلى أنّ حجم الأضرار في أحراج وغابات المنطقة تراوحت بين متوسطة إلى عالية، وأنّ المساحة الحرجية المتضرّرة بلغت نحو 30 هكتاراً، في منطقة غطاؤها النباتي كثيف، وهو مكوّن بأغلبه من أشجار الصنوبر البرّي والسنديان والبطم والقطلب والزمزريق، فضلاً عن منظومة هائلة من النباتات، منها خاصّة بشمال لبنان ومنها مستوطنة على مستوى لبنان، وغيرها من النباتات العطرية والطبية”.
واعتبر التقرير أنّ الحريق الثالث الذي اندلع في المنطقة نفسها هذه السنة، قد “ضرب واحدة من أهم مناطق التنوّع البيولوجي في لبنان والشّرق الأوسط، لترتفع خسارة هذا الوادي لأكثر من 210 هكتارات، وهو رقم هائل يستحيل تعويضه في ظلّ ما يتعرّض له الوادي من تعديات (قطع للأشجار من قبل تجّار الحطب على أبواب فصل الشتاء، شقّ طرقات، مشاحر للفحم، رعي جائر من قبل الماعز تحديداً، إستصلاح أراضي زراعية بشكل عشوائي وعلى حساب المناطق الحرجية)، فاقمتها الأزمة الإقتصادية والمعيشية التي يرزح تحتها أهالي المناطق الريفية والمرتفعات الجبلية”.
وأضاف التقرير أنّه “فوق هذا، فقد ساهمت مخلّفات قطع الأشجار اليابسة في تمدّد النيران لتصل إلى أماكن بعيدة ويتعذر السيطرة عليها، علماً أنّ الحريق إندلع في وقت متزامن في أكثر من 5 نقاط متباعدة جغرافياً، ولا يوجد تواصل مباشر فيما بينها”.
وخلص التقرير إلى أنّ “الاستجابة لهذا الحريق تعتبر سيئة جداً على المستويات كافّة، فقد تُرك لقدره، ولولا لطف الله والأمطار الهاطلة التي ساقها إلينا، لكان يتعذر حتى على الطوّافات إخماده، وكان ليتسبب بخسائر لا تقلّ عن الحريق السابق الذي اندلع مطلع شهر آب الفائت، والذي قضى لوحده على أكثر من 140 هكتاراً”.
عبد الكافي الصمد