الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان: لملاحقة مرتكبي الاعتداءات والمحتكرين
أعربت الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان، المتضمنة لجنة الوقاية من التعذيب، عن ألمها الشديد على ضحايا انفجار خزان المحروقات في بلدة التليل في منطقة عكار، والذي أودى بحياة عشرات الضحايا وأوقع العشرات من الجرحى، مستغربة بالمقابل تحرك الأجهزة الامنية بالأمس ضد عمليات احتكار البنزين والمازوت والتي تخزن بما يخالف القانون وبشكل غير آمن بعد أشهر من الأزمة.
وفي بيان، قالت “إن هذا التحرك على أهميته، فهو إن دل على شيء فعلى معرفة هذه الأجهزة بحصول عمليات تخزين وتهريب على نطاق واسع منذ أشهر، والنتيجة حدوث الكارثة في عكار ووقوع العشرات من الضحايا نتيجة التخزين غير الآمن وأعمال الفوضى وإطلاق النار والتزاحم والتضارب على محطات المحروقات”، إذ وثّقت الهيئة حوادث قتل أغلبها بسبب أزمة البنزين والمازوت التي فاقمت الانتهاكات المتعلقة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية، وباتت تشكل خطراً على الحق في الحياة.
في سياق متصل، تلقّت الهيئة عبر الخط الساخن 03923456 عدد من الشكاوى والتبليغات، أبرزها تتعلق بطوابير الانتظار على محطات الوقود والغاز والخبز والأدوية، وما تشهده هذه الطوابير من اعتداءات واطلاق نار وعراك بالأيدي، في ظل تراخي القوى الامنية عن توقيف المعتدين في أكثر من حادثة.
ورأت أن “هذه المشاهد تعكس حجم الانتهاكات الخطيرة التي يتعرض لها اللبناني والمقيمين في لبنان، والتي تمس منظومة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية برمتها”.
وأوضحت الهيئة في بيانها أن “في 9 آب 2021 وقع قتيلان في إشكال في المدينة الصناعية في البدّاوي، هما ح. ج و ع. أ، بعدما أطلق عليهما ي. ر النّار من سلاح فردي أمام محطة محروقات في المنطقة، وأفيد أنّ الإشكال نشب بينهم بسبب خلافٍ على خلفيّة بيع وشراء مادة البنزين”، لافتة إلى أن مخابرات الجيش أوقفت مطلق النّار في وقت لاحق”. وتابعت: “وفي اليوم نفسه، لقي م. ع حتفه في إشكال وقع أمام محطة الشّحروق للمحروقات في بلدة بخعون ـ الضنّية، تطوّر إلى تضارب بالأيدي والسكاكين وإطلاق ه.ع النّار من سلاح فردي على م. ع، فأرداه بسبب خلاف على تعبئة الوقود”، مضيفة: “كما سقط 3 جرحى في الإشكال وزاد الوضع توتراً بين العائلتين في البلدة، برغم هدوئه نسبياً بعد تسليم ه.ع نفسه لمخابرات الجيش على الفور، فراره في اليوم ذاته من مقر احتجازه لدى الشرطة العسكرية في طرابلس”.
من هنا، أكدت الهيئة أن “الأزمة الاقتصادية والسياسات المالية غير المسؤولة، تهدد إمكانية الناس للحصول على الرعاية الصحية والغذاء والطاقة، وقد دفعت العديد من الأسر إلى الفقر”، مشددة على أن “فشل الحكومة في إيقاف السوق السوداء كحل بديل لتبادل الدولار، يعد انتهاكاً صارخاً لحقوق الإنسان ويثير تحديات تواجه العمال ذوي الدخل المتوسط والمنخفض، وهي في صميم الحقوق الاقتصادية والاجتماعية”.
هذ وقد وثّقت الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان، مجموعة من الاعتداءات التي طالت ناشطين وصحفيين ومصورين ومواطنين في مختلف المناطق اللبنانية، اغلبها قامت بها عناصر حفظ النظام الأمنية والعسكرية.
ففي 11 آب 2021، طالت الاعتداءات عدداً من ذوي ضحايا انفجار مرفأ بيروت ومصورين صحفيين ونشطاء، حيث تم ضربهم بالهراوات، من قبل شرطة مجلس النواب التابعة لرئاسة المجلس، وسرية حرس المجلس النيابي التابعة للمديرية العامة لقوى الأمن الداخلي، وعناصر بلباس مدني لم يتم التعرف إلى الإطار المؤسساتي الذي تتبع له.
وقد جمعت الهيئة شهادات من الضحايا، ومن شهود العيان، وحصلت على مقاطع فيديو مثبتة تُظهر قوات الأمن وهي تستخدم القوة بطريقة مفرطة، وخلصت إلى أن استخدام القوة ضد التجمع الذي نُظم، قرب مقر الرئاسة الثانية في عين التينة في بيروت، رفضاً لانعقاد جلسة للمجلس النيابي، يشكّل انتهاكًا لحقوق الإنسان ولم يستوفِ معيارَي الضرورة والتناسب.
أما في 12 آب 2021، فوثّقت الهيئة اعتداءات طالت متظاهرين أمام منزل حاكم مصرف لبنان رياض سلامة في الرابية في جبل لبنان، حيث استخدمت القوة بطريقة غير مسؤولة من قبل عناصر مكافحة الشغب التابعة للمديرية العامة لقوى الأمن الداخلي، ضد المتظاهرين ما أدى إلى وقوع إصابات.
وفي 4 آب 2021، شهد وسط مدينة بيروت احتجاجات وتجمعات لمناسبة الذكرى السنوية الأولى لانفجار مرفأ بيروت، حيث تميزت الاحتجاجات بأعمال عنف واسعة بالمقارنة مع سابقاتها. في المقابل تعرّض المحتجون لعنف مفرط وقمع من قبل الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي وشرطة مجلس النوّاب وعناصر الجيش التي تتولى حراسة المجلس وأشخاص مسلحين بلباس مدني تعذر معرفة ما اذا كانوا عسكريين أو مدنيين.
وانطلاقًا مما ذكر، تعتبر الهيئة أن رد فعل القوى العسكرية والامنية يشكّل انتهاكًا لحقوق الإنسان ولم يستوفِ معيارَي الضرورة والتناسب، كما توقفت أمام عدد من الاعتداءات التي طالت تجمعات سياسية خلال هذا اليوم، أبرزها الاشكال الذي وقع بين عناصر من حزب القوات اللبنانية وعناصر من الحزب الشيوعي اللبناني في منطقة الجميزة، ما أدى إلى وقوع جرحى في صفوف الشيوعي صنفت حالة واحد منهم بالخطرة.
وبحسب الهيئة، تصنف هذه الانتهاكات من الجرائم الخطرة سواء تم ارتكابها من قبل أجهزة رسمية أو اشخاص مدنيين، وأبرزها إرتكاب جرم الإيذاء القصدي المنصوص عنه في المواد /554/ و/555/ أو /556/ او /557/ معطوفة على المادة /559/ عقوبات. ارتكاب جرم التعدي على الحقوق المدنية للمتظاهرين سندا للمادة /329/ من قانون العقوبات.
“وهذا ما يوجب على السلطات القضائية ملاحقة مرتكبيها لردع تكرارها، بعد أن تقاعست منذ 17 تشرين الأول 2019 عن فتح أي تحقيق جدي حول العنف المستخدم بحق المتظاهرين”، بحسب تعبيرها، مشيرة إلى أن “التحقيق الجدي في هذه الجرائم وصولاً إلى محاسبة مرتكبيها، لا يهدف حصراً الى حماية المتظاهرين وتعويض الضحايا، بل الى حماية المجتمع اللبناني ككل. وفي حال تبين أن المرتكبين هم عناصر منضوية في مؤسسات عسكرية وأمنية على تعددها، تأتمر بأوامر السلطة التنفيذية أو التشريعية، فإن ذلك يعتبر مخالفة للقواعد والمبادئ العامة لاستخدام القوة، ومخالفة لمدونة السلوك والأنظمة العسكرية وفعلا منافيا للوظيفة وإساءة استعمال السلطة”.
من جهة أخرى، سجلت الهيئة مجموعة من الاعتداءات ضد صحافيين أبرزها: تعرض مدير موقع “بنت جبيل” الإلكتروني الصحافي حسن بيضون للطعن من قبل مواطن في بنت جبيل، واعتداء عناصر من فوج إطفاء بيروت على مراسل و5 مصورّين في الكرنتينا، وتعرض الصحافية يمنى فواز لحملة تحريض وتهديد وشتم بسبب تغريدة على تويتر. من هنا، تشدد الهيئة على الدور الحاسم للصحافة الحرة، وعلى ضرورة تحرك القضاء ضد جميع الانتهاكات التي تتصل بالحق في حرية الرأي والتعبير، أو بحالات التمييز أو التهديد بالعنف أو استعماله أو المضايقة أو الاضطهاد أو الترهيب، التي تُمارس ضد الأشخاص الذين يسعَون إلى ممارسة أو تعزيز ممارسة الحق في حرية الرأي والتعبير، بما في ذلك، كأولوية قصوى، تلك التي تُمارس ضد الصحفيين أو غيرهم من المهنيين في ميدان الإعلام.
هذا وسجلت في مدينة طرابلس عدد من حوادث القتل بسبب الاحتقان الاقتصادي الاجتماعي ولدوافع ثأرية، الأمر الذي يؤشر إلى ارتفاع معدل الجرائم وانعكاسها على الأمن الاجتماعي للمواطنين والمقيمين.
وفي 4 آب 2021 سجل حادثة قتل في شارع حربا بمنطقة باب التبّانة في طرابلس، بعدما أطلق أ. ف. النّار من سلاح فردي على ح. د. فأرداه، بسبب خلاف بينهما على عقار. في 2 آب 2021، وقع اعتداء منظّم على موكب تشييع علي شبلي في خلدة الذي قتل قبل يوم من هذه الحادثة على خلفية ثأرية، حيث تطالب الهيئة بسوق جميع المجرمين الذين ارتكبوا هذا الاعتداء إلى العدالة، وضمان عدم إفلات أي من المرتكبين من العقاب.
أما في 24 تموز 2021، فتم إغتيال ع. م ومرافقه م. ع، عندما أقدم مجهولون كانوا على متن دراجتين ناريتين على إطلاق النار من رشاشات حربية باتجاه كلّ من ع. م و م. ع، خلال وجودهما في مقهى شعبي قرب مسجد حمزة، في محلة القبة، التي يرأس مرعب فيها مسؤولية لجان الأحياء والمساجد ضمن تنظيم “جند الله” ما أدى إلى مقتلهما على الفور.
وفي 9 تموز 2021، رفع المركز اللبناني لحقوق الإنسان إلى الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان اخبارات تقدّم بها إلى النيابة العامة التمييزية على خلفية إثارة النعرات العنصرية والطائفية، التحريض على الفتنة والاقتتال، والتحريض على القتل، مخالفة الدستور وقانون العمل، استغلال النساء والاتجار بالبشر.
وبناء على ما ذُكر أعلاه، تأمل الهيئة أن يبت القضاء بهذه الاخبارات في أسرع وقت.