البنك الدولي وصندوق النقد: للتوافق على حكومة لبنانية والمباشرة بالتدقيق الجنائي
شدّد رئيس البنك الدولي دافيد مالباس والمديرة العامة لصندوق النقد الدولي كريستالينا جورجييفا على “أهمية التدقيق المالي الجنائي في حسابات مصرف لبنان المركزي ومؤسسة كهرباء لبنان”، مركزين على “ضرورة قيام لبنان بإصلاحات جذرية في العديد من قطاعاته”.
مواقف مالباس وجورجييفا جاءت، في كلمتين لهما، في خلال مؤتمر دعم لبنان وشعبه في باريس الذي انعقد بالأمس عبر تقنية الـ video conference والذي شارك فيه 33 دولة و13 منظمة دولية و5 ممثلين عن المجتمع المدني اللبناني.
وجاء في كلمة رئيس البنك الدولي: “نحن هنا اليوم لمواجهة الأزمة الإنسانية المتفاقمة في لبنان دعما للشعب اللبناني – الذي يحظى بأهمية حيوية بالنسبة للعالم. إن الشعب اللبناني، شأنه شأن غيره من سائر شعوب العالم، يستحق الحصول على الغذاء والمياه والدواء وخدمات الصرف الصحي. وهناك حاجة ملحة لتشكيل حكومة قادرة على الإصلاح وتقديم هذه الخدمات الأساسية ووضع حد للفساد. إلا أن استمرار تدفق الإمدادات إلى البلاد، حتى إمدادات الغذاء والمياه، بات معرضا للخطر، كما أن الليرة اللبنانية والجهاز المصرفي في حالة انهيار. وقد وصفنا ذلك بأنه “كساد متعمد” نظرا لأن الحكومات السابقة ومؤيديها قد تسببوا في الكثير من الأضرار”.
اضاف: “إن على لبنان أن يجد سبيلا لقيام حكومة تعلي مبادئ الشفافية وحقوق الإنسان وسيادة القانون التي تكفل محاسبة جميع المؤسسات. فالشعب اللبناني بحاجة إلى الحرية والأمن والاستثمار لمواصلة النمو، وعلى الحكومة أن تجدد التزامها القوي بعملة وطنية شفافة تحتفظ بقيمتها لوقف موجات التضخم.
في أعقاب انفجار مرفأ بيروت، سارعت مجموعة البنك الدولي، بالتعاون مع الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، إلى إعداد تقييم للأضرار والاحتياجات، وعمل خبراؤنا ليلا ونهارا للاستجابة لهذا الوضع الطارئ”.
وأشار الى ان “لبنان كان من أوائل المستفيدين من المساندة العالمية التي يقدمها البنك الدولي للتلقيح ضد فيروس كورونا (كوفيد-19)، وهو بحاجة ملحة الآن للحصول على المزيد من تلك اللقاحات، ونحن نحث الحكومة على توسيع نطاق حملة التلقيح. ونعمل حاليا على زيادة معدلات أخذ اللقاحات، بما في ذلك بالنسبة للاجئين والفئات الأخرى الأكثر احتياجا”.
وقال: “ارتبطنا بتقديم موارد تمويلية كبيرة للمشروع الطارئ لدعم شبكة الأمان الاجتماعي في لبنان من أجل تقديم تحويلات نقدية طارئة وخدمات اجتماعية للفئات الفقيرة والأكثر احتياجا. وأدعو السلطات اللبنانية ومصرف لبنان المركزي إلى اتخاذ الخطوات الفورية اللازمة لبدء صرف هذه المساعدات النقدية للمستفيدين المستحقين”.
وتابع: “ان توفير إمدادات كهربائية يمكن الاعتماد عليها بأسعار معقولة أمر ضروري لمؤسسات الأعمال والأسر والتعليم وصيانة شبكات المياه والصرف الصحي. وعلى لبنان أن يتولى بنفسه إصلاح شبكة الكهرباء ووقف الخسائر. ولا يفوتني في هذا الصدد أن أضم صوتي إلى صوت السيدة كريستالينا في الدعوة إلى مراجعة حسابات مصرف لبنان المركزي ومؤسسة كهرباء لبنان. كما أدعو البلدان المجاورة للبنان، بما في ذلك سوريا وشركاؤها، إلى التعاون في نقل الغاز والكهرباء عبر الحدود. إذ إن ذلك يمكن أن يوفر على الفور مئات الملايين من الدولارات في شكل منافع، ويؤدي في الوقت نفسه إلى تحسين الخدمات العامة”.
واعلن انه “اعتبارا من الغد، سنقوم بمساندة مؤسسات الأعمال الصغيرة التي تضررت من الانفجار الذي وقع في 4 آب من خلال مشروع إعادة بناء مؤسسات الأعمال في بيروت بشكل أفضل (B5) الذي تمت الموافقة عليه مؤخرا. ونعمل مع الشركاء لإعادة بناء مرفأ بيروت، ونطلب من الحكومة تسريع وتيرة التصديق على نظام المرافئ والموانئ اللبنانية الذي يضع الأساس لتنظيم وإدارة مرفأ جديد أكثر شفافية.
وأتطلع إلى العمل معكم جميعا هنا اليوم من أجل مستقبل أفضل للبنان”.
من جهتها المديرة العامة لصندوق النقد الدولي قالت: “منذ التقينا بعد التفجير المأساوي الذي شهدته بيروت في أغسطس/آب الماضي، تمت إعادة بناء أجزاء من المدينة، وكان هناك أمل آنذاك بأن تؤدي هذه المأساة إلى التقاء إرادة الجميع على القيام بإصلاح سياسي واجتماعي واقتصادي موسع. ومن المؤسف أن هذا لم يحدث. بل على العكس من ذلك، ما نراه هو تدهور حاد في الأوضاع المعيشية للشعب اللبناني”.
أضافت: “كثير من المتحدثين سلطوا الضوء على الأزمة الإنسانية في لبنان. فاسمحوا لي أن أضيف نقطة واحدة بشأن الاقتصاد. فقد انكمش الاقتصاد بالفعل بنحو الثلث منذ عام 2017 – ومن المتوقع أن يزداد انكماشا في الفترة 2021-2022؛ كما بلغت البطالة معدلا شديد الارتفاع. وفوق كل ذلك، تواصل الجائحة تكبيد البلاد خسائر فادحة”.
وتابعت: “هذا هو السياق، يا فخامة الرئيس ماكرون، الذي رتبتم لجمعنا فيه لكي نتحدث عمن تحملوا إهمالا مفرطا لاحتياجاتهم الإنسانية الملحة، وتأخرا مفرطا في إصلاح الاقتصاد الذي أصابه الضعف. ولذلك، فبالنسبة لنا في صندوق النقد الدولي، نرى احتياجا عاجلا للتحرك اليوم، ونعلق أهمية كبيرة على إحداث تحول في الاقتصاد اللبناني على المدى الأطول”.
وقالت: “في ما يخص الحاجة الماسة للتحرك، فكما ذكرتم – وأود أن أشكركم شخصيا على قيادتكم بشأن توزيع المخصصات الجديدة من حقوق السحب الخاصة – إن لدينا الآن نتيجة التصويت الذي تم في مجلس المحافظين بتاريخ 2 أغسطس/آب بشأن إصدار مخصصات جديدة من حقوق السحب الخاصة بقيمة 650 مليار دولار لتوزيعها في غضون أسبوعين وفقا لحصص العضوية. وبالنسبة للبنان، هذا أمر ليس بالبسيط. فسوف يحصل لبنان من خلال هذا التوزيع على حقوق سحب خاصة تعادل 860 مليون دولار في هذا الوقت العصيب لزيادة احتياطاته التي استنزفت وكذلك للمساعدة في تلبية الاحتياجات العاجلة الكثيرة للشعب اللبناني”.
وأكدت أنه “من الضروري استخدام حقوق السحب الخاصة تلك بصورة مسؤولة وحكيمة”. وقالت: “إنه أمر مهم في كل مكان، ولكنه شديد الأهمية في لبنان نظرا للمنعطف الحرج الذي يمر به. إن هذه المخصصات مورد نفيس. ويجب توزيعها بما يحقق الاستفادة القصوى للبلد وشعبه. وبطبيعة الحال، تمثل كيفية استخدام حقوق السحب الخاصة قرارا سياديا – غير أنه يجب أن يكون قرارا صائبا. ويحق للشعب اللبناني معرفة ما ستحققه لهم حقوق السحب الخاصة الموزعة – وأنا أدعو الشركاء الدوليين والمحليين إلى العمل معنا للمساعدة على ضمان الشفافية والمساءلة في استخدام مخصصات لبنان من حقوق السحب الخاصة الجديدة”.
وتابعت: “لكن حقوق السحب الخاصة لن تحل مشكلات لبنان الهيكلية والنظمية الأطول أجلا. فما الذي نحتاجه لحلها إذن؟ نحتاج إلى حكومة تتمتع بالصلاحيات اللازمة للإصلاح ولتنشيط الاقتصاد اللبناني المعطل. ونحن نعرف المجالات التي يتعين التحرك فيها. ونعرف ما يتعين القيام به:
أولا، المعالجة المباشرة للمشكلة الجوهرية المتعلقة بضعف الحوكمة، من خلال تعزيز مكافحة الفساد، وتحسين أداء وظائف الدولة، ولا سيما إدارة الشركات المملوكة منها – وأود التركيز هنا على قطاع الطاقة باعتباره أهم مجال للتحرك – واستكمال تدقيق حسابات مصرف لبنان والشركة المعنية بتقديم إمدادات الكهرباء.
ثانيا، تنفيذ استراتيجية للمالية العامة تجمع بين إعادة الهيكلة العميقة للدين وإجراء إصلاحات لاستعادة مصداقية البلاد، مع الاهتمام بالإنفاق الاجتماعي كجزء من هذه الاستراتيجية.
ثالثا، إجراء عملية إعادة هيكلة شاملة للقطاع المالي، والاعتراف مقدما بخسائر البنوك الخاصة ومصرف لبنان، ولكن على نحو يوفر الحماية لصغار المودعين.
وأخيرا وليس آخرا، نحتاج إلى نظام موثوق للنقد والصرف، يرتكز على توحيد أسعار الصرف”.
وقالت: “لقد كنا موجودين للحوار مع السلطات اللبنانية على مدار العام الماضي، ولكن سأكون بالغة الصراحة معكم: فالتواصل كان يخضع لقيود شديدة بسبب عدم وجود حكومة عاملة. ولذلك، أود مرة أخرى حث الزعماء السياسيين في لبنان على التوافق حول حكومة جديدة تملك الإرادة والصلاحيات لتنفيذ الإصلاحات”.