خيارات المجلس النيابي مع الرسالة الرئاسية.. هي فوضى!
مشهد من التشنج الإضافي ينضم إلى يوميات الجنون اللبناني، وسط حرائق المنطقة المشتعلة بخاصة على الأراضي الفلسطينية المحتلة، سيشهده اللبنانيون يوم الجمعة في منازلة التكليف داخل المجلس النيابي. التوقعات بشأن جلسة مناقشة رسالة رئيس الجمهورية ميشال عون إلى البرلمان حول عدم قدرة الرئيس المكلّف سعد الحريري على التأليف، ليست مغايرة لمثال الواقع اللّبناني المشتّت والمشرذم والمشتبك على نفسه.
انها معركة صلاحيات ومفاهيم دستورية وتفاسير طائفية يطحن فيها كل فريق ندّه الآخر. سواء كانت نيّة رئيس الجمهورية كسر الجمود الحاصل في الملف الحكومي وكسر حالة اللامبالاة التي يبديها رئيس الحكومة المكلّف المنشغل برحلات خارجية، أو كانت رغبة شديدة منه على إعلان صعوبة التعايش مع الرئيس المكلّف. في الحالتين لن تُفضي المحاولة الرئاسية الأخيرة إلا إلى تصعيد الخلافات العامودية والأفقية بين كافة الأطراف اللبنانية كل لحساباته الخاصة.
عشية الجلسة الموعودة، ثمّة مروحة من الاتصالات والمشاورات الجارية تتركز على صورة الجلسة وجدول عملها بين أن تشمل الجلسة تلاوة رسالة رئيس الجمهورية ميشال عون وتتم مناقشتها أو تقتصر على تلاوة الرسالة، على أن تحدد جلسة لمناقشتها لاحقاً خلال بحر الاسبوع المقبل.
يرغب رئيس مجلس النواب نبيه بري في اعتماد الخيار الثاني، لإيجاد مساحة لتبريد الاجواء الملتهبة، على أن تتم مناقشة الرسالة في اجتماع يعقد لاحقاً، في أجواء هادئة بمعزل عن الخلافات القائمة حالياً وبأقل الاضرار الممكنة.
ويجري بري على هذا الأساس اتصالاته مع مندوبي الكتل النيابية للتفاهم على توليفة مقبولة لدى جميع المعنيين للنفاذ من “الورطة” بأقل الخسائر الممكنة.
ثمة إجماع على أن الرسالة الرئاسية لن تحقق المرتجى منها، وكان في الامكان تفاديها. ويُجمع نواب من كتل مختلفة أن مجلس النواب وحتى ولو تبنّى مضمون رسالة عون، لا يملك صلاحية أن يبدل في واقع التكليف شيئاً، ولن يتمكن من سحب التكليف من الرئيس المكلف. وفي أفضل الأحوال ولو أراد التصويت على سحب التكليف وبإجماع أصوات النواب فلا قيمة قانونية أو دستورية لذلك. فلا قيود على الرئيس المكلّف، ومصير التكليف يحدده فقط الرئيس المكلف سواء بالتمسك به طالما أنه ليس مقيّداً بسقف زمني، أو التخلي عنه ساعة يشاء هو بالاعتذار..
خريطة التصويت النيابي، إن حصل وهو ليس وارداً، لا يمكن أن تقود لصالح دعم الخيار الرئاسي. فقد توحّد كل مسؤولي الطائفة السنيّة لرفض هذه الخُطوة، بغضّ النظر عن تموضعهم السياسي وعن علاقتهم الشخصيّة بالحريري. ولن يُجاري أي طرف، “التيّار الوطني الحُرّ”، مهما كانت التبريرات. رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي الداعي إلى التسوية لا يمكن أن يسير بهكذا خيار. و”حزب الله” الصامت الأكبر حتى الآن، لن يدخل بدوره في نزاع دُستوري يُوقظ مشاعر مذهبيّة كامنة وهو قدّم كل التسهيلات لولادة حكومية ميسّرة ووقع حائراً بين الحليف والخصم. أمّا “حركة أمل” فليس سرّاً دعمها الكلي لولادة الحكومة برئاسة الحريري، ورئيس مجلس النوّاب نبيه برّي الذي قاد مبادرات عديدة أخفقت في أرضها، لن يكون مُسهّلاً على الإطلاق لأي مُحاولات لنزع التكليف عن الحريري عبر المجلس النيابي. وكذلك نواب المردة وحلفائهم المستقلين بالإضافة إلى كتلة المستقبل والنواب السنّة المستقلين. وحتماً لن تناصر القوات، خصمها الكبير، رغم اعتزالها السياسي إلى حد ما وتعففها عن الخوض في ملف التأليف الحكومي.
في القصر الجمهوري إدراك واضح إلى أن الرسالة لن تُبعد الحريري عن الملعب الحكومي، وإن كان جلياً ولا يحتاج إلى تفاسير أخرى أن هدفها تطويق الرئيس المكلف سعد الحريري، بعدما تراجَع عن قرار الاعتذار، وواحدة من الوسائل التي أوجدها الوزير السابق سليم جريصاتي دستورياً لحشر الحريري، ودفعه للتخفيف من شروطه في تشكيل الحكومة.
الجلسة التي سيشارك فيها الرئيس المكلف سعد الحريري، المتوقع عودته إلى بيروت خلال ساعات، أمام ثلاث مشاهد وفق ما تراه مصادر نيابية:
الفوضى العارمة: أن يترك رئيس المجلس الجلسة على غاربها من النقاشات والخطابات يدلي فيها كل صوت بما بفيض به دلوه وهذا أمر له مخاطر سياسية وطائفية نتيجة الخطابات الحادة التي لن تقل عنفاً عن الاشتباكات الكلامية اليومية.
الفوضى الخلّاقة: الاقتصار على إطلاع المجلس على مضمون الرسالة، وترك الكلام لممثلين عن الجانبين للتعليق عليها وفق قواعد ناظر الجلسة.
الفوضى البناءة: عبر تلاوة رسالة رئيس الجمهورية، سريعاً وتمرير توصية بعلم وخبر المجلس النيابي بالرسالة الرئاسية، على أن تتضمن دعوة إلى التفاهم على تشكيل الحكومة وفق ما هو منصوص عليه في الدستور.
في كل الحالات “هي فوضى” لم يحن أوان ترتيبها وضبطها لا داخلياً ولا خارجياً في ظل انشغال العالم بترتيب التفاهمات الثنائية (أميركا-إيران- السعودية-سوريا) والإنشغال بالصراع الدامي على أرض فلسطين المحتلة. وبحسب مصادر نيابية مواكبة فإن المشاورات الجارية تحت الهواء اللبناني المفتوح على شتى أنواع العبث، ترغب بإيجاد مخارج توافقية يحفظ مقامات الرئاسات وحقوق الطوائف كباقي المكونات وتحفظ ما تبقى من ولاية العهد الرئاسي، دون انفلات الخلافات إلى مكان تدفع إلى عراك في الشارع لا يُبقي أحداً مرتاحاً…
رانيا برو