الدولار يحلّق وأيلول أسود بانتظارنا إذا لم تتشكّل الحكومة
بين الليرة والدولار يعيش اللبنانيون قلق اللحظة، تحت مظلّة سوق صرف سوداء يحكمها سماسرة. وكُتب على اللبناني أن لا يلملم جراحه حتى بعد انفجار شلّ حركته، إلى حدّ لا يستطيع الاستغراق في البكاء على أحبائه الذين فقدهم، ولا يمكنه مراعاة صحتة النفسية المهدّدة كل لحظة بانفجار أو أحداث متفجّرة. لقمة العيش تتصدّر كافة العناوين، بظلّ خوف يتفاقم من فوضى اجتماعية مترّقبة مع هبوط كالسهم في قيمة الليرة أمام العملة الخضراء، مهدّداً القدرة الشرائية الهشّة أصلاً.
خبراء اقتصاديون عن سعر الليرة
التخوّف اللبناني من هبوط مدمّر للّيرة في وجه الدولار صائب وطبيعي. ما قامت به سياسات مصرف لبنان في الآونة الأخيرة أغرقت المواطن عبر ما سمّته “دعم السلّة الغذائية”. فقد اشترى مصرف لبنان الدولار من مؤسسات تحويل الأموال، وباعهم للتجار على سعر الـ 3850 ليرة. اليوم وبقرار رفع الدعم وبالتالي إيقاف دعم السلة الغذائية عن طريق الدولار الذي يمكن تأمينه لشراء المواد الاستهلاكية، سيتسارع التجار إلى شراء الدولار، مّما يؤدي إلى ارتفاعه، وهذا ما يدحض تفسيرات كلمة “دعم” مصرف لبنان.
الكاتب والخبير الاقتصادي زياد ناصر الدين يقول في اتصال مع “أحوال” إنّ التركيبة الاقتصادية لستين عام تتفجّر مرة واحد، وأدوات النهاية مؤذية للمجتمع اللبناني. ويدعو ناصر الدين إلى عقد اقتصادي اجتماعي جديد وتغيّرات في السياسة على اعتبار اقتصاد لبنان سياسي بامتياز، بظلّ غياب الإصلاحات، وغياب التدفقات النقدية، وما يتبعها من حجز لأموال الناس، والحصار الخارجي، ومؤخراً فاجعة مرفأ بيروت، متسائلاً أين هي إجراءات تحرير سعر الصرف؟
ما بعد زيارة ماكرون ليس كما قبلها
يكشف خبراء اقتصاديون لموقع “أحوال” أنّ التدخّل الدولي بعد انفجار بيروت وعلى رأسه فرنسا سيكون حجر الزاوية لمستقبل لبنان الاقتصادي والسياسي، فيما يتوقعون دخول لبنان في مرحلة خطيرة اذا لم تتشكل حكومة، ولم تنجح زيارة ماكرون خلال شهر أيلول في تشكيل الحكومة.
وفيما اشترط الرئيس الفرنسي إجراء اصلاحات، والتدقيق في حسابات مصرف لبنان، أعلن رياض سلامه منذ يومين في مقابلة متلفزة له عن تأييده لاقتراح ماكرون بإرسال خبراء من البنك المركزي الفرنسي لتدقيق حسابات مصرف لبنان. في هذا الإطار، يتخوّف الخبير الإقتصادي الدكتور محمود جباعي في اتصال مع موقع “أحوال” من أيلول أسود ينتظر اللبنانيين، لافتاً أنّ بعد زيارة ماكرون المتوقعة في أيلول ليس كما قبله، ويعتبر أنّ قرار مصرف لبنان برفع الدعم هو بمثابة ناقوس الخطر، مفاده “إمّا تشكيل حكومة متوافق عليها لضخّ أموال خارجية أو سنوقف الدعم عن الموارد الأساسية”. ويشرح جباعي أنّ التجار سيحاولون شراء المواد بحسب سعر السوق المدولر، وهذا سيزيد من إمكانية هبوط الليرة أمام الدولار، حيث سيتم طلب كميات كبيرة ترفع من سقف الدولار، على اعتبار أنّ هذه المواد تشكّل 40 بالمئة من البضائع المستوردة من الخارج بظلّ قلة الثقة في الاقتصاد الوطني وبالتالي عملته النقدية.
بالمقابل، يصف الباحث الاقتصادي زياد ناصر الدين حديث رياض سلامه الأخير عن إيقاف الدعم “بالسلبي” ، مستطرداً “مجرد كلام حاكم مصرف لبنان عن ايقاف الدعم، يعني أنّه يطال كل مقوّمات الحياة عند المواطن، فهذا الدعم يطال 70 بالمئة من الحياة الاقتصادية كالبنزين، وفواتير الهاتف، والمياه، والكهرباء، والجمارك، والقيمة الضريبية”. ويتخوّف ناصر الدين من تداعيات هذا الأمرعلى سعر الصرف الرسمي وغير الرسمي، ويعتبره “مشروع انفجار اجتماعي كبير” مستدركاً: ما هي تداعياته ومن يصوب له؟ وماذا عن توقيته؟
فيما يلفت الدكتور جباعي أنّ الإعلان عن رفع دعم الدواء والوقود والدواء أدّى إلى هبوط سعر الليرة أمام الدولار، حيث ثبت سعر الدولار بعد انفجار بيروت على 6800-7000 فيما كان يترقّب اللبنانيون تشكيل الحكومة بعد زيارة ماكرون الأخيرة، وما كان سينتج عنها من ضخّ أموال إلى لبنان من شأنه أن يساعد في ارتفاع سعر الليرة أمام الدولار. ويربط جباعي الملف الاقتصادي بالملف السياسي ويعتبر أنّ بعض الفرقاء السياسيين لا يعون فعلاً ما ينتظر المواطن ولا يزالون يبحثون عن محاصصات حزبية وسياسية قد تودي باللبناني إلى الهلاك.
ويشدّد جباعي على ضرورة تشكيل حكومة سريعاً، لتأمين المساعدات والدعم، شرط أن تكون “حكومة مرضية تتبنى إصلاحات بالفساد وتتناول ملفات كالكهرباء وغيرها، وتدرأموال خارجية حتى ينخفض سعر صرف الدولار”، لافتاً أنّ عدم تشكيل حكومة في أيلول يعني منحى خطراً، بل “سيكون اللبنانيون أمام مجاعة حقيقية”، محذّراً من أنّ قيمة الدولار ستفوق الـعشرة آلاف ليرة لبنانية، دون سقف محدّد.
بالمقابل رفض الباحث ناصر الدين فكرة أيّ توقّع حول سعر الليرة أمام الدولار، لافتاً إلى تداعيات اقتصادية كبيرة تنتظر اللبنانيين في آواخر أيلول القادم. هذه التداعيات، بحسب حديثه، تتعلّق بنتائج سعر الصرف على الاقتصاد اللبناني، وكافة القطاعات المرتبطة بسعر الصرف الرسمي. ويقول ناصر الدين “أمام اللبنانيين شهرين صعبين حتى يتكوّن واقع اقتصادي جديد”، متمنياً أن تكون التداعيات الاقتصادية أقل سلبية.
ويقول جباعي إنّ زيارة الرئيس الفرنسي ستحدّد مسار الليرة أمام الدولار، معلّلاَ ذلك أنّه في حال نجح ماكرون على جمع الفرقاء السياسيين لتشكيل حكومة، سنشهد انفراجات واضحة، وفي حال فشل، لبنان أمام “أيلول أسود”، حيث سترتفع الأسعار بنسبة 200 أو 300 بالمية، وستقفل حوالي 40 بالمئة من المؤسسات في بلد أصلاً يعاني من البطالة. ويلفت الدكتور والخبير الاقتصادي أنّ زيارة ماكرون مرتبطة أيضاً بالنفط وبلوك رقم 4، واصفاً الزيارة بحجر الزاوية الذي سيحدّد مستقبل لبنان السياسي والاقتصادي.
لطيفة الحسنية