هذه هي العقدة الأساسيّة أمام محاولات تشكيل الحكومة
بينما يتمدّد حريق الدولار والأزمة الاقتصادية في كل الاتجاهات ملتهماً بقايا البلد والدولة، يبدو بعض الممسكين بزمام الأمور منشغلاً فقط بإيجاد طريقة لتوظيف النار المتأجّجة من أجل إشعال سيجارة مصالحه.
وعلى الرغم من خطورة المرحلة التي وصل إليها الانهيار، إلا أن المعنيين لا يزالون يقاربون ملف تشكيل الحكومة وفق قواعد اللعبة القديمة التي انتهت مدة صلاحيتها، من دون أي مراعاة لوجع الناس الذين أصبحت أولوياتهم في مكان آخر.
وما يزيد الطين بلة هو أنّ الدستور الهجين لا يلزم الرئيس المكلف بمهلة محددة لتشكيل الحكومة، بحيث يصبح التكليف رهينة حامله مهما طال الانتظار، من دون أن تكون هناك أي قدرة على سحبه منه، إلا إذا قرّر هو الاعتذار، علما ان احد الحقوقيين يعتبر ان هناك مهلة واقعية يجب أن يراعيها اي رئيس مكلف بموجب روح الدستور، حتى لو لم يكن يوجد نص ملزم في هذا الصدد.
وأمام هذا الخلل الدستوري، ارتفعت أصوات تدعو الى اجراء تعديل موضعي في الدستور، لتقييد التكليف بمهلة واضحة، بينما يرفض البعض مثل هذا التعديل خشية من ان تكر السبحة ويُفتح الباب على تعديلات أوسع تؤدي إلى تغيير في التوازنات التي ارساها اتفاق الطائف.
اما على المستوى السياسي المباشر فإن اوساطا مطلعة تلفت الى ان السبب الظاهر الذي يؤخر ولادة الحكومة يتمثل في الثلث المعطل، لكن العقدة الاصلية والأشد تأثيرا تكمن في خشية الرئيس سعد الحريري من رد الفعل السعودي اذا وافق على حكومة يتمثل فيها حزب الله بأي شكل من الأشكال.
وتكشف الاوساط أنّ السفير السعودي في بيروت وليد البخاري ألمح امام إحدى الشخصيات السياسية اللبنانية الى أنّ الرياض لا تقبل بالحريري رئيساً لحكومة تضم في صفوفها طرفا يشكل تهديدا مباشرا لأمنها ويدعم الهجمات على اراضيها، في إشارة الى حزب الله.
ووفق المطلعين على الموقف السعودي، فإن الرياض تتصرّف على اساس ان الدولة اللبنانية تخضع الى سيطرة الحزب وأنّ حكومة الحريري المفترضة ستكون جزءاً من هذه المعادلة مهما تم تمويه التركيبة الوزارية باختصاصيين، ولذلك قررت المملكة إقفال أبوابها امام الرئيس المكلف الذي زار الإمارات ومصر وتركيا وفرنسا الا ان هذه الدول هي بدل عن ضائع، والأهم بالنسبة إليه ان يحصل على “فيزا سياسية” لزيارة السعودية ولقاء ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.
وتعتبر تلك الأوساط أنّ الثلث المعطّل هو الشماعة التي يعلّق عليها الحريري التأخير في تشكيل الحكومة للايحاء بأن الرئيس ميشال عون والنائب جبران باسيل هما اللذان يعرقلان الولادة الحكومية ويتحملان مسؤولية المضاعفات والتداعيات المترتبة على هذا التأخير المتمادي، غير أنّ الحقيقة هي أن الرئيس المكلف يتجنب استفزاز الرياض ولا يريد تشكيل حكومة تقاطعها المملكة منذ اليوم الأول، خصوصاً أنّ مثل هذه المقاطعة يمكن أن تؤثر سلباً على مواقف دول خليجية أخرى.
وتشير الأوساط إلى أنّ أزمة الحريري الجوهرية هي انه لا يستطيع أن يتجاهل الفيتو السعودي ولا يستطيع أيضا أن يستسلم له، ولذلك هو يسعى الى تقطيع الوقت قدر الإمكان في انتظار ان يحقق خرقا في الرياض وليس في بيروت.
الا ان المشكلة، وفق الأوساط، هي أن كلفة الوقت الضائع أصبحت مرتفعة جدا مع تفاقم عوارض الانهيار الاقتصادي والمالي على وقع الارتفاع القياسي في سعر الدولار، وبالتالي لم يعد بمقدور لبنان البقاء منتظرا على الرصيف الاقليمي، فيما اقتصاده يتداعى ويتهاوى وابناؤه مهددون بالجوع والفقر المدقع تحت وطأة التراجع الدراماتيكي في قيمة العملة الوطنية.
وتلفت الاوساط الى ان الانتفاخ في سعر صرف الدولار فوق سقف ال8 او 9 آلاف يعكس بالدرجة الأولى ورما سياسيا، من دون تجاهل واقع ان القطاعين الاقتصادي والنقدي يواجهان مأزقا بنيويا أدى إلى فقدانهما كثيرا من ركائزهما لأسباب موضوعية، لكن ذلك لا يبرر وحده القفزات الهائلة للدولار خلال الأيام الماضية.
ولا تخفي الاوساط شعورها بأن جزءا اساسيا من لعبة الدولار وتداعياتها الميدانية انما يندرج في إطار عض الأصابع السياسية، وهي إحدى أدوات الاشتباك والضغط على محور الملف الحكومي.