معركة “النَفَس الطويل” بين العهد والحريري
تكرّرت أكثر من مرة في الأجواء السياسية المحلية وفي الأجواء الإعلامية، بأن رئيس الحكومة المكلّف سعد الحريري سيضع التكليف في جيبه، وسيستفزّ “التيار الوطني الحر” وعهده الذي كان من المقرّر أن يصنع تاريخًا لرئيس الجمهورية ميشال عون، لو استطاع الأخير من خلاله تحقيق أي إنجاز يُذكر.
دستوريًا، يمتلك الرئيس المكلّف سعد الحريري “ورقة قوّة” منحه إيّاها الدستور، ألا وهي ورقة تكليف غير مشروطة وغير محدودة الزمان والمكان؛ ومنها رأيناه يشكّل حكومته متنقلًا بين بيروت والعواصم العربية والغربية وبكامل الهدوء. هدوء يُشعل العهد وماكينته الإعلامية، ولكن للأسف دون أن يُشعِر حامل ورقة التكليف بأن الوطن في خطر تاريخي كبير.
ما يقوم به سعد الحريري اليوم هو “معركة تحت الماء”، يخوضها بمواجهة العهد السياسي لـ”ميشال عون”، وفي هذه المعركة سيفوز صاحب “النَفَس الأطول”، مع العلم أن سلاح سعد الحريري أقوى، ويتمثّل بالصلاحية غير محدودة الوقت في تشكيل الحكومة.
أما نتيجة ما يحصل بين المتصارعين في السياسة، فهي للأسف تصبّ في الشارع، حيث يزيد الفقر لدى المواطن اللبناني وتتفاقَم الأزمات الصحية والإجتماعية، ولاحقًا سيغرق الوطن في أتون أزمات أخطر لا تُحمد عقباها، كالانقطاع الكلّي للكهرباء والفلتان الاجتماعي، والذي لا بدّ من وجود جهات تستغلّه من أجل استمرار مشروع التدمير الممنهج للوطن.
في الشقّ التطبيقي من تشكيل الحكومة، لا شكّ بأنَّ حركة سعد الحريري في بداية تكليفه كانت سريعة للغاية، ومدعومة من الجانب الفرنسي ومن الأفرقاء السياسيين، خصوصًا الذين تبنّوا ترشيحه لهذه المهمّة. وانطلاقًا منه، قدّم الحريري كلّ ما خُفي عن الشارع خلال خطابه في ذكرى 14 شباط، ليتحرّك من بعدها ملف التشكيل بوتيرة أسرع، ثم ما لبث أن هبطت وتيرته مع وجود إيحاءات تتّهم الرئيس المكلف بعدم التشكيل دون الرضى السعودي.
في التوازنات الداخلية، لا شكّ بأنَّ الرئيس المكلّف مكبّل بتوازن غالب لحلفاء “حزب الله” في البرلمان اللبناني، ما يعني أن أي طرح يُحاول الحريري فرضه يُمكن أن يسقط في البرلمان اللبناني بـ”لا ثقة”، وبالتالي فإنَّ معركة سعد الحريري اليوم هي معركة مفتوحة دستوريًا على المستوى الزمني، من خلال تحكّمه بلعبة المهلة الدستورية “غير الموجودة” لتشكيل الحكومة، لكنّ حقيقة الأمر أن الحريري مكبّل في الوقت عينه في تنفيذ الشروط السعودية، من خلال فرض إخراج “حزب الله” من المعادلة اللبنانية، في وقتٍ يمتلك الحزب ثقلًا شعبيًا كبيرًا يتمثّل في حيثيّته في المجلس النيابي، وبتحالف سياسي واسع يمتلك أكثرية لا يمكن تجاهلها خلال تشكيل الحكومة.
اليوم، يخوض سعد الحريري معركة “النَفَس الطويل” في مواجهة عهد ميشال عون، في وقتٍ يعيش المواطن أسوأ أيام حياته نتيجة معاركهما.
زكريا حمودان