باكورة اصدارات “عامل” في 2021: مهنا يشرّح النظام الصحي في لبنان في كتاب جديد
لا يخرج أي زائر لمكتب الدكتور كامل مهنا، دون ان يحمل في يده كتاباً جديداً يقدمه رئيس مؤسسة عامل الدولية لزواره، طالباً منهم قرائته وابداء الرأي فيه.
الطبيب الذي يخوض تجربة اغاثية تنموية صحية حقوقية وانسانية قل نظيرها منذ عقود، خارقاً المتاريس وخطوط وقف اطلاق النار ابان الحرب الاهلية اللبنانية، ومطوراً الهيكل المؤسساتي لـ “الهيئة الوطنية للعمل الشعبي(عامل)” لتنطلق عربياً ودولياً، اصدر قبل اسبوع كتابه الجديد عن دار الفارابي في بيروت بعنوان “الصحة من نيران الحرب إلى تداعيات الجائحة، مؤسسة عامل والقطاع المدني يمنعان تفكك المجتمع اللبناني”،، لينضم الى باقة من الكتب التي توثق تجربة مؤسسة عامل الدولية، ابرزها صدر اواخر العام الماضي بعنوان “أبعاد التنمية والعولمة المستبدّة، مؤسسة عامل الدولية والقطاع المدني في لبنان”.
يستعرض رئيس المؤسسة والمنسق العام لتجمع الهيئات الأهلية التطوعية في لبنان ومنسق عام تجمع المنظمات الأهلية العربية والخبير في منظمة الصحة العالمية، من خلاله تجربته وتجربة عامل، وهيئات المجتمع المدني العاملة في القطاع الصحي في لبنان،الإشكالات التي يواجهها المجتمع اللبناني على مستوى صحة أبنائه، وطارحاً وجهة نظره في الحلول الممكنة، بالاعتماد على مقاربات الواقع الصحي العالمي والمحلي. ويحتل التصدي لجائحة فيروس كوفيد-19 مركز الصدارة كونها احد ابرز الأخطار الصحية التي تهدد البشرية منذ عام ونيف.
يعرف مدخل الكتاب الحق في الصحة باعتباره حق شامل لا يقتصر على تقديم الرعاية الصحية المناسبة وفي حينها فحسب، بل يشمل أيضاً المقومات الأساسية للصحة مثل الحصول على مياه الشرب المأمونة والرعاية الصحية المناسب، والإمداد الكافي بالغذاء الآمن والتغذية والمسكن، والظروف الصحية للعمل والبيئة، والحصول على التوعية والمعلومات فيما يتصل بالصحة.
كما يسلط الكتاب الضوء على تعويل الدكتور مهنا في مواجهة المشكلات الصحية في لبنان على الدور الذي تلعبه هيئات المجتمع المدني، أو ما يسمى “القطاع الثالث”، مقارنة بما تقدمه الجهات الحكومية ومؤسسات القطاع الخاص، خصوصاً أن لبنان يحتل مرتبة متقدمة على مستوى العالم، من حيث أهمية وحجم القطاع التطوعي فيه، قياساً على عدد سكانه. فبالإضافة إلى مساهمة هذا القطاع بتخفيف المشكلات الصحية، فقد أسهم في سنوات الحرب الأهلية في منع تفكك المجتمع اللبناني، كما حصل في دول عدة عاشت ظروف الحرب والاحتلال، كما ساعد في مرحلة السلم على تأمين الخدمات والتركيز على البرامج التنموية، بما في ذلك تنمية ثقافة الحقوق على مختلف الصعد. ولا يكتفي الكتاب بتوصيف دور القطاع الاهلي في القطاع الصحي بالاستناد الى التجربة التاريخية فحسب بل الى استبيان علمي دقيق اجري في العام 2014 وشمل عينة واسعة من المستطلعين وقدم اجابات علمية حول مختلف الجوانب المتعلق بهذا الدور واهميته، والتوزيع الجغرافي وانواع الخدمات الصحية المقدمة واعداد المستفيدين.
يحذر مهنا منظمات المجتمع المدني في لبنان، من أن تقع تحت تأثير النظام العالمي الجديد، واعتماد سياسة اقتصاد السوق، وتراجع دولة الرعاية عن مسؤولياتها، محاولة تحميلها للمنظمات المدنية، من أن تقع في فخ تحمل المسؤوليات التي ينبغي أن تتحملها الدولة، فتبدأ هذه المنظمات ممارسة الدور الذي كان يجب أن تتولاه المؤسسات الحكومية، أو تعتبر أنها بديل من السلطات الرسمية.
كما يعتبر مهنا أن تفشي جائحة كوفيد19 وضعت النظام الصحي العالمي أمام سؤال كبير عن مدى فعاليته واستثماره للموارد بشكل غير صحيح طيلة السنوات الماضية، وطرحت اشكالية لن يكون العالم على حاله من بعدها، وهي “هل تكون جائحة كورونا مناسبة تتيح للنظام السائد التخلص من كل ما يثقل ميزانياته ككبار -السن على سبيل المثال- التي تئن تحت وطأة تباطؤ عجلة الاقتصاد العالمي، وتحت زيادة النفقات الحكومية على الأمن والتسلح، وضعف حركة التجارة العالمية؟ أم تكون أداة جديدة لتعزيز قبضة هذا النظام وتحكمه بمصائر الشعوب؟”، معتبراً أن خطر فيروس كورونا كوفيد- 19 لا يقف عند حدود جغرافية، ولا حدود قومية، أو جنس بشري، أو دين، لذا يتطلب الأمر تعاونًا دوليًّا واعترافًا بأن الإنسانية بأكملها مهددة، ولا وقت للمزايدات الضيقة الأفق، التي شهد العالم تصاعدها في السنوات الأخيرة، والتي تركت تطورات سلبية لا تحمد عقباها على السياسة الدولية.
ويشدد الكتاب على ان مواجهة جائحة كورونا ليس آخر المواجهات اذ ان موقف عامل واضح كالشمس الساطعة، موقف ثابت في انحيازه إلى قضايا الناس والشعوب. وهي بما تمثله من جمعية مدنية غير طائفية وبما تملكه من إمكانيات تراكمت بالمراس الطويل في العمل الميداني والثبات والجدية والخبرة، وبمراكزها الـ 25 في كل لبنان، والعيادات النقالة التسع، والوحدتين التربويتين الجّوالتين، وسيارة حماية أطفال الشوارع، وبتوُّزع عملها على800 متفرغ ومتفرغة، وانها سوف تبقى على عهدها في رفع شعارها الأساسي وهو تعزيز إنسانية الإنسان، بمعزل عن خياراته السياسية، أو خياراته الدينية والمذهبية والمناطقية التي ورثناها جميعا ولا نملك إزاءها رفاهية الخيار.
ويختم مهنا ” عامل مستمرة في لبنان وفي فروعها بالخارج، وهذا هو التحدي الحقيقي، أن نبقى مرابطين من أجل عالم أكثر عدالة، وأكثر إنسانية، في وقت يزداد الفقراء فقراً والأغنياء غنى.