ما بعد بعد جبران باسيل
هم على حق؛ كان الدين عام ملياريّ دولار بالليرة اللبنانية بعد انتهاء الحرب الأهلية، فأتى جبران باسيل رئيساً للحكومة وشرّع الاستدانة بالدولار حتى بلغ الدين مئة مليار دولار. جبران أنفق 400 مليار على بنية تحتية تشير جميع التقديرات أنّ تكلفتها لا تتجاوز 4 مليار دولار. جبران من كان يحوّل الجبال إلى إسمنت طوال هذه السنوات، ليتاجر بها. وجبران من كان يحتكر استيراد وتوزيع الغاز. وجبران أنشأ وكالات السيارات ومكاتب المحاماة العملاقة وعمالقة التعهدات والمكاتب الاستشارية. وجبران من استولى على الأملاك البحرية وبنى المنتجعات وغطّى العمران العشوائي.
جبران من راهن على التدخلات الدولية لعشر سنوات وعلى التكفيريين عشر سنوات أخرى، وهو من تاجر بأمن طرابلس واستقرارها عشر سنوات، وتفرّج على مرفئها واهتراء بنيتها التحتية وانحسار فرص العمل فيها.
جبران وما أدراكم من جبران؛ هو من تصدّى لبنود الإصلاح في الموازنات حين كان الإصلاحيّ الكبير سعد الحريري يتقدّم بها، وهو من كان يهدّد وزارة المال بالتوقف عن التوقيع إذا تم إيقاف العمل بعقد واحد من عقود إيجارات المباني الرسمية التي يملكها السياسيون وأولادهم في “العزارية” و”ستاركو”.
وجبران هو من تصدّى للسياسات الحكومية الخاصة بتنشيط القطاعات الصناعية والزراعية، وأصرّ على تشييد اقتصاد البلد على أساس تشجيع المغتربين على إيداع الأموال في المصارف ليشتري المصرف المركزي هذه الأموال ويعطيها للحكومة لتنفقها على المجالس والهيئات والصناديق المعلّقة جميعها برئاسة مجلس الوزراء.
وجبران هو الحوت بكل صفقات الطائرات، واختراع المشاريع العبثية الفاشلة في مطار بيروت، ورحلات الاستجمام للسياسيين والقضاة والإعلاميين على نفقة الشعب اللبناني، وهو شركات تشغيل المطار وصيانة الطائرات ووقود الطائرات، وأمن المطار.
وجبران هو سوكلين وسوكومي، وهو من تصدّى بالعنف للحلول المستدامة لمهزلة النفايات. وهو من آثر دعم أقساط المدارس والجامعات الخاصة بدل بناء تعليم رسمي محترم متاح للجميع. وهو من دعم المستشفيات الخاصة على حساب المستشفيات الحكومية لتكون الطبابة متاحة للجميع. وجبران من حمل العصا في مجلس الوزراء للاعتداء على وزراء أمل والإشتراكي والمستقبل والقوات حين اقترحوا مرة تلو الأخرى، 47 مرة، بناء معامل لانتاج الكهرباء. هم كانوا يريدون تأمين الكهرباء وهو من حشد المياومين ومافيات المولدات واعلام السفن لمنعهم.
جبران من صوّت ضد رفع الحصانات في مجلس النواب. جبران من كاد يفتعل حرباً أهلية في دفاعه المستميت عن حاكم مصرف لبنان. جبران هو المدعي العام المالي وهو ديوان المحاسبة الذي يتفرّج على تدقيق لجنة المال بالحسابات بكل ما خلص إليه من هدر وأموال مفقودة. وجبران من هدّد الثوار بالاعتداء عليهم في مناطقه إذا هم اعتدوا على جماعته في مناطقهم.
جبران من يحمي مافيات الفيول المغشوش في منزله. جبران من اشترى أكثر من ألف عقار في بيروت وألفين في الشوف خلال العقدين الماضيين. جبران من هرّب 9 مليار دولار بالتواطؤ مع الحاكم ومجلس النواب الذي لم يشرّع الكابيتال كونترول بعد. وجبران من طيّر الصفدي والخطيب وأديب وستة شهور، قبل أن يعلن رغبته بالعودة إلى رئاسة مجلس الوزراء. وجبران من يحتكر استيراد الدواء المدعوم اليوم والمشتقات النفطية والمواد الغذائية. جبران هو التهرّب الضريبي، وهو مافيات استيراد الماشية المدعومة وتصديرها إلى العراق لتحقيق أرباح خيالية. وجبران هو مافيات التهريب بخطوطها المحمية والمحروسة من الأجهزة الأمنية. وجبران هو الأجهزة الأمنية الأجنبية التي تسرح وتمرح تجنيداً دون أي حسيب أو رقيب، وهو الجمعيات التي لا تقدّم أيّ منها تقاريراً دورية عما يصلها من أموال وأين تنفقها وكيف، باسم الشفافية التي تهبلنا بالمناداة بها.
لا بدّ من الإعتراف أنّ نبيه بري ووليد جنبلاط وسليمان فرنجية وسعد الحريري وسمير جعجع وأمين الجميل وسامي الجميل وفارس سعيد وبطرس حرب ورشيد درباس وهادي حبيش وفؤاد السنيورة ووليد البعريني ومصطفى علوش وأنور الخليل – خصوصاً أنور الخليل – ووائل أبو فاعور وبلال عبدالله وغيرهم وغيرهم هم أنظف خلق هذا البلد، وأكثرهم رغبة بالإصلاح وإصراراً عليه، لكن جبران “المنحوس” هو من تصدّى لهم بوسائله المختلفة ومنعهم مرة تلو الأخرى. نعم، لقد بنت الحريرية السياسية نظاماً اقتصادياً يقوم على القطاعات الإنتاجية وإذ بجبران يدمّره بالكامل ويصرّ على نصب فخ مصرفي كبير للناس من أجل إيداع أموالهم فيها، ومن ثم الاستيلاء عليها وصرفها على مشاريع وهمية. كانت المياه والكهرباء والطبابة والتعليم والمواصلات وفرز النفايات وغيرها وغيرها أفضل ما يكون، وإذ بجبران “المنحوس” يوقفهم جميعاً ويخربهم.
ها قد سلمنا بكل الجدل؛ جبران باسيل مسؤول عن كل شيء؛ كلّ كلّ كلّ شيء. وهو وحده، لا يشاركه أي أحد آخر بهذا التخريب الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والإعلامي الممنهج الذي نتخبط به. كلّهم يعني كلّهم أوادم، باستثنائه هو. هو الأزعر الكبير، وهو اللص وهو المحرّض على الفتن وهو المراهن على الدواعش وهو المحتمي بطائفته وهو الراشي للإعلام وهو الفساد بكل أشكاله وأنواعه وألوانه. ربحتم المعركة، سلّمنا، وافقنا، أيّدنا، بصمنا، شيطناه معكم. والآن: ماذا بعد؟
جبران – لا سامحه الله ولن نسامحه نحن – هو المسؤول عن هذا كلّه. ماذا بعد؟ من يخرجنا ممّا أوصلنا جبران إليه وكيف؟ وافقناكم، لكن ماذا بعد؟ وافقناكم، هل يمكن إيقاف هذه الأسطوانة الآن، وإخبارنا ولو مرّة عما تنوون فعله بهذا الشأن؟ جبران هو المسؤول وقد تمت شيطنته؛ تمام، ماذا بعد؟ جبران – لعنه الله – لم يضع فاسداً واحداً في السجن.
فكم من فاسد وضعتم أنتم في السجن؟ ما هي خطتكم لإعادة أموال المصارف للمصارف من أجل إعادتها للناس؟ ما هي خطتكم لتأمين الكهرباء؟ للانتقال من اقتصاد الاستدانة إلى الاقتصاد المنتج؟ لتأمين فرص عمل؟ لتجاوز بؤس البنية التحتية؟ لمحاسبة فاسد واحد؟ لفرز النفايات بدل طمرها؟ لإخراج الملفات من الجوارير؟ “خلصونا بقا” من جبران، وأخبرونا عما تنوون فعله. جبران الفاسد لا نطيقه؛ أما أنتم كلّكم يعني كلّكم، نراهن عليكم ونتّكل عليكم ونثق بكم، أتحفونا ببناء الدولة التي منعكم جبران من بنائها.
غسان سعود
جيد جدا دراسة معمقة لكل الاوادم بالبلد ولكن بالعكس وجب محكامتهم لانهم لم ولن يروا مرآة في حياتهم