الجرائم الإلكترونيّة في لبنان.. ارتفاع الأرقام مقلق
ارتفاع ملحوظ لعمليات الاحتيال مع تفاقم الأزمة الإجتماعيّة
بعد نحو ما يقارب العقد والنصف على دخول مواقع التّواصل الإجتماعي إلى حياتنا، لم يعد اعتبار تلك الشّبكة الواسعة من المواقع وما تقدّمه من ميزات مجرد عالم إفتراضي.
وبما أن مواقع التواصل أصبحت رديفاً لما يشبه شاشة صغيرة يطل منها الآخرون على مسار أيامنا وحكاياتنا، فإنها خرجت من حيّزها الإفتراضي لتعكس سلوكيات متنوعة تتجسّد على أرض الواقع.
هذا ما تبينه الأرقام الصادرة عن قوى الأمن الداخلي المتعلقة بالجرائم الإلكترونية.
فوفق هذه الأرقام يتبيّن أنّ العام 2019، سجّل 567 حادث تهديد عبر المواقع بمعدلٍ شهريٍ بلغ 47.25، ما أسفر عن توقيف 29 شخصاً.
لكن هذه النسبة تراجعت في العام 2020، لتصبح 532 حادث تهديد أوقف على إثرها 17 شخصاً، لتبلغ نسبة التراجع 6.17 %.
كذلك تراجع عدد الموقوفين بهذه الجريمة من 29 الى 17 شخصاً أي بمعدل 41.37%.
وبحسب قوى الأمن فإن هذه الجرائم تتنوع بين الإحتيال والتهديد والشتم والإبتزاز.
وتفاوت النسب بينها مرتبط بشكل أساسي بكل المحطات المفصلية والدموية التي يمر بها لبنان بدءاً من الإنتفاضة الشعبية عام 2019 وصولاً إلى إنفجار المرفأ في الرابع من آب العام الماضي.
ذلك أنّ التشنج السياسي أرخى بظلاله الواضحة على لغة التخاطب اليومي بين اللبنانيين، إذ بيّنت أرقام الجرائم المدرجة تحت خانة الشتم على مواقع التواصل بلغت في العام 2019 ،380 حادث شتم أوقف بسببها 20 شخصاً. لكن الأرقام لم تظل على حالها، إذ ارتفعت في العام 2020 الى 413 حادث شتم بين مختلفين طائفياً وسياسياً أسفرت عن توقيف خمسة أشخاص فقط.
هذا على الصعيد السياسي، أما الأزمة الإقتصادية فقد تجلّت في العالم الإفتراضي كما هي الحال على أرض الواقع، حيث دفعت بالكثيرين إلى الوقوع في شرك السرقة والإحتيال والنشل.
هكذا سجلت المئات من عمليات الإحتيال في محاضر رسمية لدى المكتب المختص في قوى الأمن الداخلي، فيما بقيت أخرى بعيدة عن التوثيق بسبب أحجام الضحايا عن تقديم دعوى رسمية بحق المرتكب، لعدة أسباب بينها جهلهم بأهمية فضح المرتكب وتوقيفه.
وفي هذا السياق ارتكبت عام 2019، 131 عملية إحتيالية، لترتفع عام 2020 إلى 155 عملية إحتيال مع تفاقم الأزمة الإجتماعية.
وتشمل عمليات الإحتيال الرسائل التي تصل إلى البريد الإلكتروني وتطبيق واتساب وغيره من التطبيقات حول الضحية لمبلغ من المال، أو المشاركة في ألاعيب مالية، فضلاً عن قرصنة بيانات الضحايا واستخدامها في عمليات نصب وإحتيال الكتروني.
لكن الأكثر خطوة هو ما يدخل في باب الإبتزاز، الذي تقع معظم النساء والفتيات ضحيته.
وأظهرت الأرقام الصادرة عن قوى الأمن أن الإبتزاز يقع لأغراض جنسية، وغالباً ما يقدم على فعل الإبتزاز أشخاص في خانة المجرمين لأنهم يستهدفون النساء بشكل خاص للحصول على علاقة جنسية أو أموال أو الاثنين معاً.
وقد تبين أن هؤلاء يتحايلون على الفتيات بإظهار أنفسهم بمظهر المعجبين ثم يطوّرون علاقتهم مع شريكتهم حتى يحصلون على صور خاصة وحميمية يهددون الفتيات بنشرها وفضحها، إذ لم يخضعن لهم بالجنس أو المال، وهذا الأمر دفع ببعضهن إلى الإنتحار خوفاً من “الفضيحة”.
وأظهرت الأرقام أن العام 2019 سجل 645 عملية إبتزاز أوقف بسببها 118 شخصاً، أما في العام 2020 فقد ارتفع العدد ليصل إلى 769 عملية إبتزاز رفعت عدد الموقوفين بطبيعة الحال إلى 132 شخصاً.
وفيما تكرّر قوى الأمن الداخلي تحذيراتها من وقوع المستخدمين لوسائل التواصل الاجتماعي ضحايا لعمليات الإحتيال والإبتزاز، خاصة الفتيات، يظل الواقع الفعلي أكبر من أن تحتويه ملاحقات أمنية ودعاوى قضائية.
ذلك أن الإضطراب الأمني والعوز وتدهور الإقتصاد وضحالة الحياة السياسية، معطوف على تشنج طائفي ومناطقي، يفتح الباب واسعاً أمام فوضى إجتماعية تتجلى في الكثير من الصور لن يكون آخرها الإحتيال والشتم.